العدد 2466 - الأحد 07 يونيو 2009م الموافق 13 جمادى الآخرة 1430هـ

نصف قانون لأحكام الأسرة... اختراق ولكن!

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

اللقاء الذي تم بالمجلس الأعلى للمرأة مؤخرا بمناسبة صدور نصف قانون لأحكام الأسرة كان بحق لقاء مثيرا. ليس لكونه مناسبة احتفائية غاب عنها من يمثلن نصف نساء البحرين، إنما لاعتراف المجلس بالجهود المجتمعية المضنية التي بادرت وسعت للمطالبة بتقنين أحكام الأسرة منذ 28 عاما، ووضعت لبناته الأولى في «لجنة الأحوال الشخصية» تلك التي تأسست في مطبخ الجمعيات النسائية (نهضة فتاة البحرين، رعاية الطفل والأمومة، أوال النسائية) ورعتها بالجهود المتواصلة مع بقية المؤسسات والشخصيات. هذه بادرة طيبة تحتسب في خانة المجلس، هذا جانب.

التوافق التزام

الجانب الآخر المثير، حين يصدر أي صوت فاقع في اللقاء بمقولة: «إن الأعلى ليس طرفا في عملية التوافق المجتمعي للعمل على إصدار القسم الثاني من القانون ولأن الأمر ليس من اختصاصه إطلاقا»، حتما ذلك يفتح أبواب للتأويلات، فهو إما إبراء ذمة لما يستوجب فعله لاستكمال القانون «إللي علينا سوّيناه، والباقي عليكم» وبالتالي لا يمثل أولوية، وإما إخلال بمسئولية تنفيذ الالتزامات الدولية والتملص منها بإلقائها على كاهل الجمعيات النسائية ممثلة في الاتحاد، والذي يدرك القاصي والداني أن الأخير لا حول ولا قوة له من أسف في ضبط إيقاع الضغط بالمستوى الذي تقوى عليه الحكومة كونها لاعبا أساسيا يتمتع بأدوات هائلة للمناورة فضلا عن مؤسسات من بينها بالطبع «المجلس الأعلى للمرأة» لدعم جهود التوافق، ولاسيما أن إحدى كاتبات الأعمدة المحلية وصفت الاتحاد النسائي بجرة قلم «بالعاجز» عن إقناع أصحاب الاشتراطات ممن يمانعون لقاء ممثلاته أصلا!

اللافت أيضا رد رئيسة الاتحاد أثناء اللقاء قائلة: «إن الحكومة ملزمة بالسعي إلى التوافق المجتمعي حول الشق الجعفري، فما صدر يكرس تجزئة وتفتيتا للمجتمع ويضر بالوحدة الوطنية»، بيد أن الشورية والوزيرة السابقة التقطت الموقف بالهداوة وأكدت «أن التوافق المجتمعي على القانون هو مسئولية المواطنين، والسلطات الثلاث إلى جانب المجتمع». حسنا فعلت، فالأعلى للمرأة ضمنيا جزء لا يتجزأ من تركيبة السلطة التنفيذية بما لها وعليها من مستوجبات ظاهرة أو مستترة، وبينه وبين غالبية مؤسسات الدولة والمجتمع بروتوكولات تعاون لاشك، تفتح المنافذ وتبسط التسهيلات لدعم أي توافق مجتمعي إن تضافرت الجهود.

الاحتكام عش دبابير

أما الأشد إثارة تَمثّلَ بدعوة الأسرة البحرينية للاستفادة من الخيار المفتوح في الاحتكام إلى الشق الأول من القانون «السنّي» بما فيها أسر المذهب الجعفري في حال توافُق طرفي القضية على ذلك، إذ جاء الرد سريعا كالبرق من الاتحاد النسائي «بأنه لا يجب التعويل على توافق الزوجين لأن أغلب الحالات التي تصل إلى المحاكم هي حالات تفتقد التوافق أصلا». الأهم من هذا وذاك ما ذكر من «أن الاحتكام للقانون يشترط فيه أن يكون عقد الزواج في الأساس مصدقا في المحكمة السنية حتى وإن قيل العقد شريعة المتعاقدين ولا يمس العقيدة والأصول الدينية لكل مذهب»، فالتلويح بفكرة احتكام الشيعة للشق السني من القانون في الطالع والنازل تثير اللغط والتأويل بشأن المغزى من وراء فتح بؤر التأزم وما تشرعه من منافذ للنعرات الطائفية «عش الدبابير»!

قرائن الضرر

في السياق، والحق يقال إن أي سجال يدور حول التحفظ والممانعة على القسم الثاني من القانون «يكون أو لا يكون»، لن يعفي الممانعين وهم يكررون أناة الليل وأطراف النهار بمطالباتهم التعجيزية الفوقية الداعية إلى ضمانات دستورية وإشراف من قبل المرجعية العليا «معلوم إنها خارج البحرين والدولة تعد إشرافها اختراقا لسيادتها»، أقول، لن تفسح لهم فرص التملص من تحمل مسئوليتهم التاريخية أمام المجتمع.

- يتملصون من ماذا أيضا؟

- أيضا من عدم المساهمة في الارتقاء بالمجتمع باستكمال منظوماته القانونية والقضائية، ولاسيما من تعهد منهم عند دخول البرلمان بتحمل هموم المواطنين رجالا كانوا أم نساء، وإذا كانت بعض الأصوات الانفعالية المناكفة في «كتلة الوفاق» تستحضر ما يحلو لها من قرائن وشواهد لإثبات رجاحة ممانعتها وأحقية موقفها بنشر خبر (راجع نشرتهم لشهر مايو/ أيار 2009)، يفيد «بأن مليون طفل مشرد في مصر بسبب قانون الأحوال الشخصية»، هنا من البداهة إعادة التذكير بحجم ظاهرة التفكك الأسري التي تبرزها البيانات التالية:

1) معدلات الطلاق والدعاوى في المحاكم الشرعية حسب مصدر مسئول من الجهاز القضائي في 24/4/2007 وصلت (2588 دعوة) حتى 2006 مقارنة بـ (940 دعوة) في 1995، وحسب الجهاز المركزي للمعلومات بلغت حالات الطلاق (20.1 في المئة) في 1996 والفئات العمرية من (20-30 سنة) تشكل نسبة (63.8 في المئة) من المطلقات.

2) وحدة التوفيق الأسري في وزارة العدل أشارت في ندوة نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، بأن مكتبها تعامل مع (211 حالة) من 2006-2008، أغلبها حالات طلاق في المحاكم، وبياناتها وضحت أن الدعاوى من 2004-2008 بلغت (4968 حالة)، أغلبها لقضايا أسرية وتتوقع المزيد.

3) دراسة أعلن عن نتائجها للصحافة في 24/9/2008 تشي بأن مكاتب الاستشارات الأسرية التابعة لوزارة التنمية استقبلت (8063) حالة أغلبها لنساء متضررات وعدد (355 حالة) تعاني من مشاكل أسرية و(285 حالة) من مشاكل زوجية.

4) مركز عائشة يتيم للإرشاد الأسري «جمعية النهضة»، بدوره سجل (2458 حالة) من 1998-2008، بعضها لا يزال قيد المتابعة، منها (59 في المئة) حالة عنف جسدي وجنسي، و(33 في المئة) عنف نفسي ولفظي، و(8 في المئة) عنف قانوني، والمكتب يتابع استشاراته القانونية بنسبة (46 في المئة) من حالات الطلاق و(2 في المئة) خلع، و(5 في المئة) تعويض و(15 في المئة) حضانة و(3 في المئة) زواج و(12 في المئة) استشارات.

5) أما مركز جمعية أوال للخط الساخن فسجّل حتى 2008 (51 حالة) تراوحت بين قضايا نساء معلقة في المحاكم الشرعية وهجران ونفقة وممارسة عنف جسدي.

6) مركز بتلكو لرعاية حالات العنف الأسري استقبل (1600 حالة) لنساء معنفات «تصريح على ذمة رئيسته للصحافة المحلية في 13 يناير/ كانون الثاني 2007».

7) لجنة الدعم القانوني في الاتحاد النسائي تابعت (164 حالة متضررة) خلال 2008، أغلبها حالات طلاق وسكن وهجران وحضانة وإساءة وعنف ونفقة وقضايا الجنسية، كما رصدت دراسة حديثة للاتحاد (623) قضية طلاق رفعت للمحاكم، تراوحت مددها بين سنة ولغاية عشر سنوات، من بينها (102) قضية طلاق بقيت معلقة لمدة 3 سنوات.

قطعا، هناك المزيد مما يتطلب الرصد والدراسة والإفصاح عنه بشفافية، إذ ليس بحوزتنا إحصاءات «للمجلس الأعلى للمرأة» الذي يرجح في جعبته سجل للمتضررات اللاتي يطرقن أبوابه يوميا، كذلك لا بيانات دورية معلن عنها من المحاكم والمستشفيات ومخافر الشرطة وغيرها ممن تمر عليها حالات الضرر، كمكاتب العديد من قضاة الشرع ورجال الدين المؤيدين لإصدار القانون والذين يؤكدون في اللقاءات المغلقة ثبوت الأضرار التي تصلهم بيد أنهم يتهيّبون الإفصاح عن بياناتها لأسباب معروفة، ناهيك عن الحالات الصامتة التي لا تغادر شرنقة منازلها للبوح والشكوى من القهر والأضرار الواقعة عليهن جراء العنف، فحسب الثقافة السائدة والأعراف والتربية، هذه أسرار بيوت ولا يجوز إفشاؤها. لا ريب هؤلاء النسوة لسن في خانة الشق الأول من القانون فقط، فنساء الشق الثاني يعانين الويل، والمفارقة أن كثيرات منهن خرجن طوعا في المسيرة الحاشدة في 2006، وهتفن ضد الاحتكام إلى قانون ينصفهن من الظلم.

ومع ذلك، لا يجدي دفن الرؤوس في الرمال عند مواجهة الحقائق التي «تسود» وجهنا الحضاري بين الأمم، وخصوصا مع الإقرار بتدني الوعي الحقوقي للنساء، وتزايد قضايا المتضررات العالقة في المحاكم الشرعية. أما الإصرار على تعديل نظام التقاضي كشرط أولي يضاف إلى قائمة الشروط التعجيزية السابقة، فيعد هروبا للأمام، كما إنه لا يستر عورة المجتمع الذي يتأخر في إصدار قانون مكتمل ينصف جميع نساء البحرين من دون تمييز مذهبي

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 2466 - الأحد 07 يونيو 2009م الموافق 13 جمادى الآخرة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً