العدد 2495 - الأحد 05 يوليو 2009م الموافق 12 رجب 1430هـ

عليٌ وعاشقوه

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من الظواهر اللافتة في التاريخ الإسلامي، تلك العلاقة الفريدة التي ربطت الإمام علي (ع)- الذي يُحتفل محليا بذكرى مولده هذه الأيام على نطاق واسع... بعاشقيه.

لم تكن علاقة زعيم تيار سياسي له حضورٌ طاغٍ، فما أكثر الزعماء الذين جاءوا بعده دون أن يخلفوا وراءهم غير بعض السطور. ولم تكن علاقة حاكمٍ استمال القلوب بصرف الأموال لشراء الذمم والأقلام. فهو رجلٌ عاش عيشة الزاهدين، وزهد القديسين، ولكنه ترك أثرا بليغا في مجرى التاريخ لما خلّفه على مستوى النظرية والتطبيق.

دخل عليه ابن عباس (رض) بذي قار، فرآه يخصف نعله، فسأله: ما قيمة هذه النعل؟ فأجابه: لا قيمة لها، فقال (ع): «والله لهي أحب إلى من إمرتكم إلا أن أقيم حقا أو أدفع باطلا»... فالخلافة نفسها لا تساوي عنده نعلا... إلاّ بشروطه ومقاييسه المبدئية، التي التزم بها ودعا إليها، وظلّ أمينا على تطبيقها، فالتف حوله العشاق والمريدون عبر العصور.

في علاقته بأصحابه، كان أستاذا وموجّها ونصوحا، يأخذ بيد صاحبه كميل بن زياد النخعي، عامله على هيت، فلما يتوسط الصحراء يعلمه ذلك الدعاء الذي ظلت تردّده الأرواح الصافية عبر القرون.

وعندما بلغته أمور عن زياد بن أبيه، قبل انتقاله للمعسكر الآخر، أرسل له يقول: «أقسم بالله صادقا، لئن بلغني أنك خنت من فيء المسلمين شيئا صغيرا أو كبيرا، لأشدن عليك شدة تدعك ثقيل الظهر ضئيل الأمر». وحين ولّى محمد بن أبي بكر (رض) على مصر أوصاه: «واخفض لهم جناحك وألن لهم جانبك، وابسط لهم وجهك... حتى لا يطمع العظماء في حيفك، ولا ييأس الضعفاء من عدلك»، وحين بلغه مقتله بكاه ورثاه قائلا: «فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا، وعاملا كادحا، وسيفا قاطعا، وركنا دافعا».

السيرة المطرّزة بحكايات العدل والمساواة بين الناس، صنعت لها في القلوب عرشا لا يناله الزمان. تأتيه امرأةٌ عربيةٌ محتجة لأنها نالت من العطاء كما نالت صاحبتها الأعجمية، فحمل قبضة من التراب ونثرها، لأنه لا يعرف أن لأحدٍ من الناس على غيره فضلا إلا بالتقوى، فكلّ شعوب الأرض من آدم، وآدم من تراب.

وحين بلغه خيانة المنذر بن الجارود كتب إليه: «صلاح أبيك غرّني فيك، ولئن كان ما بلغني عنك حقا لجَمَلُ أهلك وشِسعُ نعلك خيرٌ منك». وحين أخذ بعض طلاب الدنيا يتسللون إلى معسكر المال وفتنة الدنيا والعيون الزرقاء حيث تستباح القيم وتُستأجر المبادئ ويباع الضمير، كتب إلى واليه على المدينة سهل بن حنيف مواسيا: «إنما هم أهل دنيا، مقبلون عليها ومهطعون إليها، قد عرفوا العدل ووعوه».

جاءه رجلٌ من أصحابه يطلب مالا، فاعتذر إليه لأنه لا يسعه التلاعب بمال المسلمين. ومع شدته وحسمه مع أصحابه، إلا أن أحدا منهم لم ينله بغير الثناء الذي لا يشترى بمال. فحين آلت الدولة لغريمه واستدعى كبار صحبه ليسألهم عنه كانوا يجبهونه بالجواب: «كان محمود السيرة، نافذ البصيرة، كان فينا كأحدنا، يعظّم أهل الدين ويقرّب المساكين». ولما سأل عدي بن حاتم الطائي شامتا: ما أبقى الدهر من ذكر علي؟ أجابه: «فهل رعى إلا ذكره؟ فحبّي له جديد لا يبيد، قد تمكّن من شغاف القلب إلى يوم المعاد». أين تجدون حبا كهذا في تواريخ العاشقين؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2495 - الأحد 05 يوليو 2009م الموافق 12 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً