العدد 2499 - الخميس 09 يوليو 2009م الموافق 16 رجب 1430هـ

قرية «أبو صيبع»... حيث التاريخ والنخيل شاهدان على الأصالة

الرداء «الصيبعي» وعين السوق يحكيان تاريخها العتيد...

اعتاد الحاج «يوسف» على الجلوس في حقله الصغير عصر كل يوم... ومعه في المجلس الصغير المحاط بأشجار النخيل والتاريخ الشاهدان على أصالة هذه القرية البحرينية العريقة، يجلس بعض الأهالي يتجاذبون أطراف الحديث... وكم هو جميل منظر أطفال القرية وهم يمارسون بعض الألعاب الشعبية، فيما تستطيع مشاهدة بعضهم بملابسهم المبتلة بعد أن قضوا وقتا في السباحة في إحدى برك المزارع القريبة.

أما الحاج راشد محمد، فهو مزارع من أهل القرية، لا يزال يمارس مهنته في تربية المواشي، وكحال أهل قرى البحرين، لا تجد على وجوه الناس إلا الابتسامة وعبارات الضيافة الجميلة.


الحاج علي (أبو إصبع)

وأبوصيبع، كما تقول بعض الروايات، هي تصغير لكلمة أبو إصبع، وبحسب إحدى تلك الروايات، فإن أحد الأشخاص، وكان يدعى الحاج «علي» من قرية جدالحاج، الملقب بأبي صبع (حيث إنه كان لديه إصبع زائد في يده)، تراهن مع نفر من قرية الشاخورة بأن يسبق كل شخص الآخر إلى النزول عند عين السوق، ولكن ما أصبح الصباح، إلا والحاج علي نزل هو وعشيرته عند عين السوق وبنى مسكنا، وعرفت هذه المنطقة وهذا التجمع السكني بمنازل أبوصبع وحرفت على مر الزمان لتصبح (أبوصيبع).

قرية أبو صيبع مذكورة في موسوعة «ويكيبيديا» على شبكة الإنترنت، وتصفها الموسوعة بأنها قرية خضراء، اشتهرت بالزراعة منذ القدم، لذا تنتشر بها الزراعة بشكل كبير، والزائر للقرية يدرك ذلك بمجرد دخوله إليها، فالمزارع فيها تشكل حزاما دائريا يحد القرية من جميع الاتجاهات، وكانت في السابق، تحوي العديد من العيون والآبار، وما زال بعض أهلها يتذكرون عين السوق وغيرها من العيون التي تملحت واندثرت، كما اندثرت بعض المزارع وتحولت إلى أراض يابسة بعد أن كانت تنبض بالحياة.


اكتشافات إلى «عهد ديلمون»

يرجع تاريخ القرية القديم إلى عهد بعيد جدا يصل إلى عهود الدلمونيين، حيث أظهرت بعض الاكتشافات الأثرية، أن القرية كانت مسكونة من قبل شعوب قديمة يرجع تاريخها إلى العهود المذكورة، والأمثلة على ذلك كثيرة، حيث تم اكتشاف نماذج من الأواني الفخارية والأدوات التي تدفن مع الميت في تلال صغيرة كتلال عالي، وكان الحي الشرقي من القرية يحوي العدد الأكبر من تلك المدافن، وكذلك الحال بالنسبة للحي الغربي الذي يضم مواقع لبعض التلال الأثرية، أما تاريخ القرية في قرون متقدمة بعد الإسلام، فيمكن رصده بين 500 إلى 800 سنة، حيث سكن الأهالي الذين ينحدر نسبهم إلى قبيلة عبدالقيس هذه البقعة من البلاد.

وفي موقع «الديرة» على شبكة الإنترنت، وهو موقع تم تأسيسه بجهود شباب من أهل القرية، معلومات قيمة وموثقة، فيما أولى أحد أبناء القرية، وهو السيد شبر، اهتماما وعناية بتوثيق تاريخ القرية من خلال إعداد بحث قيم رصد الكثير من المعلومات المهمة، ويشير الباحث إلى أن القرية كانت تحوي أراض زراعية خصبة، وعدد من عيون الماء الطبيعية، مما جعل بيوتها محفوفة بالنخيل والمزارع التي تشكل الغالبية من مساحتها بفضل عيون الماء التي كانت تنتشر فيها قديما، واندثرت كل العيون ومعظم المزارع من القرية لعدة أسباب وعوامل منها طبيعية ومنها بشرية.


الزراعة وتربية المواشي

واعتمد أهالي القرية قديما على الزراعة بشكل أساسي في تحصيل قوت يومهم، وأيضا وبصورة ثانوية على تربية المواشي، ومع ذلك، فقد اشتهروا بمهن حرفية أخرى، وأهمها صناعة النسيج، فقد كانت أبوصيبع وحتى وقت قريب من أشهر قرى البحرين في صناعة النسيج العالي الجودة، وخاصة ما يعرف بالرداء الصيبعي، و إلى جانب ذلك، فقد اشتغلوا بالتجارة وبعض الصناعات الحرفية البسيطة التي تعتمد على منتجات سعف النخيل.

ويشير الباحث السيد شبر في بحثه إلى أصل التسمية، وهي رواية يتناقلها الآباء عن الأجداد حول سبب التسمية بهذا الاسم، حيث يقال حادثة الحاج «علي» أبو صبع المذكورة سابقا، هي سبب تسمية القرية بهذا الاسم، لكن لم يثبت بالتحديد تاريخ قيام القرية أو بناء أول منزل أو ما شابه، حيث إن المنطقة مسكونة منذ مئات بل وآلاف السنين حسب الشواهد الأثرية الموجودة بالمنطقة، لكن ما هو ثابت، ومن خلال التسمية حينما تمر في كتب السير والأعلام، فإن عمر تسمية أبو صيبع لا يقل عن 500 سنة هجرية على الأقل.


عين زامل والصبخة

وقد توالى العمران والمساكن في المنطقة على مر العصور بسبب غنى المنطقة بالعيون والمياه العذبة والأرض الخصبة، وكان يوجد بها عيون تضاهي أشهر وأقوى العيون في البحرين مثل عين السوق، وعين زامل، وعين الصبخة (وراء مجمع المنصور)، والعينين الأخيرتين (زامل والصبخة) لم تكونا في الوقت القريب كقوة وشهرة العيون الأخرى، لكن سبب ذكرهما على حسب ما يقول الرواة أنه قبل نحو 1350 سنه، أي في عهد الأمويين، قام الخليفة الأموي عبدالملك بن مروان أثناء قضائه على إحدى الثورات في الجزيرة بطمس 7 عيون في البحرين وسدهم سدا نهائيا، ومن ضمنهم العينين المذكورتين.

ومن أشهر العيون التي تم طمسها في ذلك الوقت هي (عين السجور) في منطقة الدراز والتي تقول بعض الروايات أنهم حاولوا سدها بالصخور لكن لم يفلحوا في ذلك لشدة قوة دفع الينابيع، فأشاروا على قائد الجيش باستخدام جوالات من نوى التمر (الطعام)، فقام بذلك وأفلح في سد الينابيع ولو إلى حين، لكن الأهالي قاموا باستخراج هذه العيون مرة أخرى لكنها لم تعد في قوتها ودفقانها كالسابق.


علماء أفذاذ من القرية

وقد شهدت منطقة أبو صيبع في الفترة التي امتدت لعدة قرون وانتهت قبل مئة سنة الأخيرة، تطورا من ناحية ازدياد رقعتها وعمرانها وعدد سكانها، فقد كانت لفترة قريبة أكبر تجمع سكاني على مستوى المنطقة، والأهم من ذلك، فقد كانت منطقة أبو صيبع منارة للعلم والعلماء، وقد ازدهر العلم والأدب في القرية حتى أن بعض الرواة يقول إنه وصل في أحدى الفترات لوجود ما يقارب الأربعين عالما في وقت واحد، حتى أنه عندما يأتي وقت الصلاة، فإن كل عالم يطلب من الآخر أن يتقدم للصلاة، ثم يتم اختيار الأكبر سنا ليؤهم في الصلاة.

وحسب نقل بعض الرواة، في بحث السيد شبر، أن مقبرة أبو صيبع تضم ما يقارب ال 70 فقيها وخاصة في مقبرة مسجد الشيخ علي (الوسطي)، وفي جانب مسجد (أبو عنقود) الذي كان مدرسة وحوزة علمية يتم تدارس العلوم والمعارف فيها، ويقال إن مسجد أبو عنقود سمي بهذا الاسم لأنهم وجدوا فيه عنقودا طازجا من العنب لم يكن في أوانه أو فصل زراعته، حيث إن الناس في السابق لم يكونوا يستوردون الفواكه والخضار، بل كانوا يزرعونها في أرض البحرين الخصبة الطيبة.

و من الأسماء التي حفظها التاريخ من علماء القرية، العالم الجليل الشيخ محمد بن الشيخ علي (والذي تم اكتشاف قبره قرب قبر السيد حسين الغريفي) ووالده الشيخ علي، وابنه أيضا الشيخ علي، والشيخ سليمان بن محمد بن سليمان، وكلهم مدفونون في مقبرة القرية.


محطات تاريخية مهمة

في العام 1958 قام سمو الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، طيب الله ثراه، وكان وليّا للعهد آنذاك بزيارة تاريخيّة لقرية أبو صيبع، وافتتاح مدرسة أبو صيبع الابتدائية للبنين، وكانت أول مدرسة في المنطقة، وفي نفس ذلك التاريخ دخلت الكهرباء إلى القرية حيث ابتدأت بالمدرسة، ومن ثم تم العمل على توصيل الكهرباء إلى باقي منازل القرية عن طريق المقاول (إبراهيم الشكر)، واستمرت أعمال تمديد أسلاك الكهرباء إلى معظم منازل نحو سنتين، وبعدها تم توصيل الكهرباء بالكامل في العام 1960، حيث كان الناس يستخدمون مصابيح التنجستن لإنارة البيوت في ذلك الزمان، ويقول بعض الرواة إن أول بيت استخدم مصابيح الفلورسنت هو بيت الحاج طاهر - رحمه الله - وكان منزل الحاج إبراهيم لطف الله أول من استخدم المكيف وسخان الماء.


السيارة والدراجة الهوائية

وحسب الباحث السيد شبر، فإنه ونقلا عن بعض المصادر التي عاصرت ذلك الزمان عن أن أول سيارة شهدتها قرية أبوصيبع، كانت السيارة التي يأتي بها المرحوم (جبر بن سوار)، والتي كانت تعمل على طريقة التشغيل اليدوي، وكانت هذه السيارة عندما تدخل القرية يذبّ العجب والهلع فيصبح ذلك اليوم حدثا عجابا مشهودا في القرية، أما أول من اشترى سيارة من أهالي القرية فيقال أنه الحاج إبراهيم لطف الله، وحيث إنه كانت يسكن خارج القرية، فإن أخاه الحاج جمعة لطف الله أول من اقتنى حافلة خشبية (بست)، وكان الملاّ عبدالله الزاكي من أوائل من استخدم السيارة من أهالي القرية، أما أول من قاد درّاجة هوائية في القرية فهو المرحوم الحاج ملاّ منصور - رحمة الله عليه - حيث إنه كان يستخدمها للذهاب لقراءة المجالس الحسينية في قرية القدم (التي كان يقرأ فيها لفترة تجاوزت خمسة وعشرون عاما).


أبو صيبع وعين السوق...علاقة تاريخية مترابطة

قديما، كنت عندما تذكر قرية أبوصيبع، فإنك تذكر عين السوق، فكأنما قد أصبحتا وجهان لعملة واحدة، فعلى الجهة الشمالية للمسجد الواقع في الفريق الجنوبي من منطقة أبو صيبع (مسجد الخضر)، يتفجر ينبوعان من الماء العذب الصافي الزلال، في مقابل الحائط الغربي لما يعرف الآن ببيت (المرحوم سيد علي النجار)، أحدهما أقوى من الآخر، ويصنعان معا عينا من الماء البارد صيفا والدافئ شتاء، ماء عذب حلو لا تشوبه ملوحة يصل في العمق في بعض المناطق إلى ما يقارب 7 أمتار، لدرجة أنه ما إن يسقط فيه شيء ثمين إلا انتظر صاحبه لأيام المناسبات حيث يتم تشغيل المضخات فتسحب الماء وينخفض مستواه فيستغل صاحب ذلك الشيء المفقود ليتمكن من الحصول عليه، وكان يجري من هذه العين مجرى نهر (ساب) يمر عبر بيت حجي سلمان بن الشيخ ماجد، وعبر بيت الحاج أحمد بن علي الزاكي حتى يخرج من التجمع السكني إلى المزارع الخصبة، وما زال بعض من بقايا أطلال هذا النهر الصغير غرب مزرعة (الحرامي)، حيث يقدر عرضه بين 8 إلى 10 أمتار، وعمقه ما يقارب 4 إلى 5 أمتار، ويظل هذا (الساب) يمشي حتى يتسلل من تحت شارع البديع عند مسجد (بارك الله فينا)، تحت جسر تم بناؤه لتسهيل مرور المشاة والمركبات، ويمضي النهر في سبيله ساقيا المزارع الممتدة عبر قريتي (كرانه) و (جد الحاج).

وكان يقام سوق شعبي مشهور عند موقع هذه العين في اليوم الأول من كل عيد، وكان الناس يتوافدون على هذا السوق من جميع مناطق البحرين، ابتداء من قرى الدراز وبني جمرة وباربار وجدحفص والنعيم والمنامة وعراد والدير، وانتهاء بعالي وسند وكرزكان، وكان يتجمع فيه الباعة والتجار وحتى القصابون، حيث كانوا يحضرون منصة التقطيع من سوق اللحم بالمنامة قبل العيد بيومين أو ثلاثة، فتذبح الذبائح، وتصبح الفرحة عارمة في هذا اليوم، ويقال إن هذه العادة كانت سارية منذ مئات السنين.

وعند نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، بدأ هذا النبع يضعف شيئا فشيئا، وبدأت تتحول مياهه العذبة الصافية الفوّارة، إلى مياه صفراء تتدفق في خجل ومستنقع خراب! هكذا تدريجيا، حتى جف نهائيا وأصبحت أطلال حفرة جرداء.

في القرية توجد مجموعة من المساجد القديمة والجديدة، و9 مآتم، صندوق خيري، مركز شبابي، وبعض المزارع، ومن مساجدها: مسجد الوطية، المسجد الشرقي، مسجد السبخة، المسجد الشيخ علي (الوسطي)، مسجد أبو عنقود، مسجد الخضر، مسجد بارك الله فينا، ومسجد الإمام علي، أما مآتمها فهي: المأتم الشرقي (رجال)، المأتم الوسطي (رجال)، المأتم الغربي (رجال)، مأتم الحوراء زينب (نساء)، مأتم بيت هلال (نساء)، مأتم الزاكي (نساء)، مأتم الحسيني (نساء)، مأتم بنت حجي يوسف (نساء)، مأتم الزهراء (نساء)، ويعتبر مأتم «أبوصيبع» الحديث الذي بناه الحاج إبراهيم لطف الله، وهو من أبناء القرية، تحفة معمارية بديعة.

ومن مؤسساتها: صندوق أبو صيبع الخيري، جمعية أبو صيبع الحسينية الثقافية، مركز شباب أبو صيبع، مركز الأطهار للعلوم الإسلامية.

وتضم عددا من العوائل منها: عائلة السادة والخباز والزاكي وأبناء زهير وحبيب حسين والصائغ والصغير والمحاري والمنصور والتاجر والنجار والملك واليوسف والفردان وبن شهاب ورجاء الله ولطف الله وأبناء قاسم وأبناء محمد حسين والزاير وهلال.

وتحوي القرية أراض زراعية خصبة، وعددا من عيون الماء الطبيعية، مما جعل بيوتها محفوفة بالنخيل والمزارع التي تشكل الغالبية من مساحتها بفضل عيون الماء التي كانت تنتشر فيها قديما، واندثرت كل العيون ومعظم المزارع من القرية لعدة أسباب وعوامل منها طبيعية ومنها بشرية.

واعتمد أهالي القرية قديما على الزراعة بشكل أساسي في تحصيل قوت يومهم، وأيضا وبصورة ثانوية على تربية المواشي، ومع ذلك، فقد اشتهروا بمهن حرفية أخرى، وأهمها صناعة النسيج، فقد كانت أبوصيبع وحتى وقت قريب من أشهر قرى البحرين في صناعة النسيج العالي الجودة، وخاصة ما يعرف بالرداء الصيبعي، وإلى جانب ذلك، فقد اشتغلوا بالتجارة وبعض الصناعات الحرفية البسيطة التي تعتمد على منتجات سعف النخيل.


الموقع

تقع على شارع البديع شمال قرية الشاخورة وشمال شرق مقابة، وتحدها من جهة الشرق قرية الحجر، ومدخلها من شارع البديع هو دوار جنوسان.


مجمعاتها

تتكون من أربعة مجمعات: 475، 473، 471، 469.


مساحتها

0,83 كيلومترا مربعا. 0,83 كيلومترا مربعا.


تعداد سكانها

يبلغ عدد سكانها نحو 3135 نسمة.

العدد 2499 - الخميس 09 يوليو 2009م الموافق 16 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:36 ص

      أبو صيبع: قرية العلماء

      نشكر صحيفة الوسط على هذا التوثيق، وكل من ساهم في جمع المعلومات ليضل تاريخ القرية متوارث بين الأجيال 2

اقرأ ايضاً