العدد 2529 - السبت 08 أغسطس 2009م الموافق 16 شعبان 1430هـ

أميركا وبريطانيا تريدان تسليم هلمند الأفغانية لمغتصبي الأطفال

تهدف استراتيجية الهجوم العسكري الأميركي والبريطاني الضخم على محافظة هملند الأفغانية، إلى القضاء على عناصر طالبان فيها وتسليمها لقوات الجيش والشرطة الأفغانية، لتمكين القوات الأجنبية من الذهاب للقتال في مناطق «متمردة» أخرى في أفغانستان.

لكن هذه الاستراتيجية تواجه مشكلة عويصة، ألا وهي أن قوات الشرطة في محافظة هلمند، المرتبطة ارتباطا وثيقا بأسياد الحرب المحليين، دأبت على ارتكاب العديد من الانتهاكات ضد السكان، بما في ذلك اغتصاب صغار الأطفال، بحسب تأكيدات شيوخ القرى لعدد من الضباط البريطانيين.

وبلغت حدة غضب الأهالي من تصرفات الشرطة الأفغانية وانتهاكاتها وخروقاتها، حد أن حذر شيوخ قرية باباجي الواقعة شمال لسكغار غاه، أنهم سيدعمون «طالبان» للتخلص من الشرطة الأفغانية حال عودتها إلي المنطقة، وفقا لتقرير لمراسل وكالة «رويترز» بيتير غراف في 12 يوليو/ تموز.

كما أفاد مراسلا وكالة «اسوشيتيد برس»، جيسون سترازوسو وديفيد غوتينفيلدر، اللذان رافقا القوات الأميركية في شمال هملند، في 13 يوليو أن أهالي قرية أنياك يكنون الغضب والحنق من انتهاكات قوات الشرطة.

وكتبا أنه بعد مرور مجرد ساعات على وصول القوات الأميركية إلى القرية، بدأت جماعات من الأهالي في الشكوى من أن الشرطة المحلية «مشكلة أكبر من طالبان».

هذا، ولا تمثل الأعمال الفظة التي ترتكبها الشرطة الأفغانية ضد الأهالي المدنيين في هلمند أي مفاجأة للسفير الأميركي السابق لدى أفغانستان (2005 -2007) رون نيومان.

فقد صرح السفير لوكالة «إنتر بريس سيرفس»، بأن مثل هذه الخروقات، بما فيها اغتصاب صغار الأطفال، هي «جزء من مشكلة أكبر من (ممارسات) القمع والسحق» ضد الأهالي في أفغانستان.

وشرح السفير الأميركي أن مشكلة الانتهاكات التي ترتكبها قوات الشرطة الأفغانية ترجع إلى زمن تأسيس الشرطة الوطنية بعد الإطاحة بنظام «طالبان» في العام 2001.

وأفاد السفير بأن الشرطة الأفغانية لم تؤسسها قوات الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي بعناصر جديدة، وإنما «تم تشكيلها من قوات كانت تحارب طالبان في ذلك الحين».

وهكذا تشكلت قوات الشرطة في محافظة هلمند من ميليشيات تابعة لأسياد الحرب بقيادة القائد السابق بحركة مجاهدين شير محمد أخوندزادة، من قبيلة علي زاي، الذي سيطر على المحافظة قبل هيمنة «طالبان» على جنوب باشتون في 1994. وتولي أخوندزادة منصب حاكم محافظة هلمند في 2002.

ويشار إلى أن غرماء قبيلة علي زاي، هم من قبيلة إشاقزاي التي مارست نفوذا مهما في المحافظة في عهد «طالبان»، وفقا لأنطونيو جوستوزي في كتابه «قرآن، كالاشنيكوف، وكمبيوتر محمول» الصادر هذا العام.

وشرح السفير نيومان لوكالة «إنتر بريس سيرفس»، أن عودة أخوندزادة إلى السلطة أتاحت لأسياد الحرب والميليشيات التابعة لهم الفرصة لاستخدام قوات الشرطة للانتقام من غرمائهم بقبيلة إشاقزاي.

وأضاف «في مثل هذه الظروف، لو كنت أنت الشرطي، فستستولي على أراضي الناس ونسائهم، وتسرقهم وتسلبهم، كجزء من الحزمة نفسها».

هذا، وقد توقفت الانتهاكات التي كانت ترتكب في عهد أخوندزادة وميليشياته، للمرة الثانية عندما سيطرت «طالبان» على مناطق عريضة من المحافظة في العام 2008.

وإضافة إلى ما سبق، نقل جيروم ستاركي من صحيفة «سكوتسمان»، أقوال صاحب متجر في مدينة لاشكار، قريبا من قيادة القوات البحرية الأميركية والبريطانية شمال هلمند، في 16 من الشهر الجاري.

فأكد صاحب المتجر، أن طالبان «كانوا جيدين بالنسبة إلى معيشة عامة الشعب الأفغاني وللفقراء مثلي». وشرح أن «السبب هو أنه في عهد طالبان، كانوا يعاقبون المجرمين».

بيد أن القوات الأميركية والبريطانية في محافظة هلمند تبدو غير معدة للتعامل مع الغضب الشعبي السائد من خروقات قوات الشرطة الأفغانية.

فقد أكد المتحدث باسم الوحدة الثانية لكتيبة «مارينز» الأميركية، وليام بيلليتير، لوكالة «إنتر بريس سيرفس» عبر البريد الإلكتروني، أنه «ليس لديه معلومات عن مزاعم سوء التصرف» من جانب الشرطة التي بلغت لضباط بريطانيين، على رغم أن مقر القيادة في هلمند قريب من قيادة القوات البريطانية الخاصة في المحافظة.

ولم يجب المتحدث العسكري الأميركي على سؤال للوكالة بشأن تأكيدات الأهالي لضباط أميركيين بشأن خروقات جارية في المنطقة الواقعة تحت مسئولية الولايات المتحدة في هلمند.

وبدوره، أجاب المتحدث باسم القوات البريطانية الخاصة في هلمند، نيك ريتشاردسون، على سؤال للوكالة بشأن الانتهاكات التي أطلع شيوخ القرية ضباط بريطانيين عليها. وقال المتحدث: «نحن على دراية بها».

لكن الناطق باسم القوات الخاصة البريطانية رفض توضيح نوع الشكاوى المقدمة ضد الشرطة المحلية، وإن قال «لو كانت هناك (انتهاكات)، فستتولى السلطات المخاصة التعامل معها»، شارحا أن المقصود بذلك هو سلسلة القيادة في الشرطة الوطنية الأفغانية.

لكن قيادة الشرطة الوطنية الأفغانية لا تكاد تملك أي سلطة على الشرطة في محافظة هلمند. فمنذ منتصف العام 2007، استطاعت هذه القيادة تعيين أربعة قادة شرطة فقط من أصل 13 إقليم في محافظة هلمند، وفقا لدراسة لمجموعة الأزمات الدولية.

أما الأقاليم التسعة الأخرى، فقد كانت بوضوح تحت سيطرة محلية، ما يعني أن أخوندزادة استطاع الإبقاء على رجاله في مواقعهم في غالبية مناطق هلمند.

وعلى رغم أن دراسة مجموعة الأزمات الدولية في العام 2007 لم تحدد ما هي الأقاليم الأربعة التي تقع تحت سلطة قيادة الشرطة الوطنية الأفغانية، فإن الأقاليم التي تستهدفها العمليات العسكرية الأميركية البريطانية، تعتبر بالغة الحساسية، لأنها تشمل حقول الأفيون الرئيسية في المحافظة.

مع العلم أن أخوندزادة يحافظ على سلطته في هلمند، بسبب تحالفه السياسي الثابت مع الرئيس الأفغاني حميد قرضاي أيضا. فقد أجبرت ضغوط القوات البريطانية الرئيس قرضاي على إقالة أخوندزادة من منصبه في يناير/ كانون الثاني 2006، بعد أن عثرت فرقة بريطانية متخصصة في مكافحة المخدرات على نحو 10 أطنان من الهروين في منزل أخوندزادة.

ومع ذلك، فقد حرص الرئيس الأفغاني على ضمان ممارسة أخوندزادة لسيطرته الكاملة في هلمند، وأجبر المحافظ الذي حل محله محمد دواود، على تعيين أمير محمد، شقيق أخوندزادة، نائبا له، ما أكد أن أخوندزادة يمارس السلطة الحقيقية.

وعلى إثر ذلك، شرع قرضاي في تشكيل ما يسمى «الشرطة الأفغانية الوطنية المساعدة» التي تضم عناصر من جيش أخوندزادة الخاص وغيره من أسياد الحرب المكون من 500 جنديا.

وفي نهاية 2006، أقال قرضاي داوود، وعين محله محافظا لهلمند مسنا ومريضا يصعب أن يرفض التعاون مع أخوندزادة. وفي سبتمبر 2008، أشار الرئيس الأفغاني لنواب في برلمان بلاده إلى أنه لكان قد أعاد أخوندزادة لمنصبه لولا أن رئيس الوزراء البريطاني غوردون براون هدده بسحب القوات البربطانية من هلمند إذا ما فعل ذلك.

وأخيرا، يشار إلى أن محافظة هلمند هي مركز صناعة المخدرات الرئيسي في أفغانستان، التي تدر عائدات سنوية يقدرها مكتب الأمم المتحدة لشئون المخدرات والجريمة، بما يعادل ثلاثة مليارات دولار. ويتحكم سادة الحرب ومنهم أخوندزادة في جانب كبير منها لحماية عمليات أسياد قطاع المخدرات.

وفي هذا الشأن، صرح نيومان للوكالة بأنه يعتقد أنه ينبغي إبعاد قوات الشرطة عن تولي مسئوليات أمنية في المحافظة. لكنه ليس من الواضح ما إذا كانت القوات البريطانية والأميركية ستحول دون عودة قوات الشرطة نفسها التي ارتكبت جرائم ضد الأهالي في المحافظة

العدد 2529 - السبت 08 أغسطس 2009م الموافق 16 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً