العدد 2529 - السبت 08 أغسطس 2009م الموافق 16 شعبان 1430هـ

الصفات الحسنة للإنسان

سألني ابني ذات يوم عن الصفات الحسنة للإنسان في حياته فلم أجبه بسرعة بل فكرت مليّا وطويلا ولما تكلمت قلت بهدوء: الفضائل الأساسية التي يجدر بالإنسان أن يتحلّى بها هي الإيمان والتفاؤل وعمل الخير. وصَمَتُ قليلا ثم أردفتُ: وتتوج هذه الفضائل إن استطعت بسعة الصدر ومحبة الناس، فإذا طبقت هذه المبادئ ستكون أهلا للحياة وتمدك بالسعادة، أما الإيمان فهو حجر الزاوية فمتى آمنت لا تبغض ولا تغضب ولا تنفر، والاعتقاد بوجود الله سبحانه وتعالى ينبوع لا ينضب، منه تستقي الخير ومنه تتعلم سحر الصفح، لقد فكرت كثيرا في أحوال الخلق وأيقنت أن لكل إنسان رسالة مهمة لا تتحقق بالنفور والغضب بل بتفهم وجهة نظر الناس بذلك تتسم حياتنا بالتسامح، وما التعود على النفور إلا لعنصر الضعف فينا، وما لم نفكر في مواقف الآخرين يظهر الغضب وتحصل البغضاء، فكل حديث ينبعث منه الاحتقار يثير النفور ومن يتحدث باحتقار واستخفاف ينسى ما يربط بيننا من صلات مشتركة وصداقات توكد على أن الشعوب مهما تباينت آراؤها ومذاهبها تستطيع أن تتفاهم. يجب على الإنسان أن يستوعب أخاه الإنسان وليس الاستخفاف به الذي يؤدي إلى انهيار المقاييس، فالغضب وما يتبعه من نفور مصدره كثير من العلل والأمراض النفسية والعاطفية والجسدية وبالفعل ثبت لدى كبار العلماء والأطباء أن العوامل النفسانية تسبب المرض كما ثبت أن الأعصاب متى استجابت للعلاج النفسي يسر العلاج. أن تدليل الطفل قد يكون السبب الأساسي للغضب والنفور وكذلك يكون المرتع الخصب لنشوء الغيرة ولتفاعل الشعور بالنقص. والنفور لا يتوارثه الإنسان فهو حالة تطرأ ولها أسباب. الطفل في مستهل حياته يعتبر لا شعوريا دنياه تقتصر عليه أما سواه من الناس فليس لهم في مقياسه المحدود أي وزن واعتبار وقد أفرط ذووه في تدليله فأخضعهم من حيث لا يدري إلى شهواته ونزواته لتنمو تلك الفكرة المستأثرة مع مرور الوقت فيتجمد فكره على اليقين الخاطئ بأنه الوحيد الذي له أهمية وكيان وغيره لا وزن له أطلاقا. هذه الحالة متى اتسعت في تغلغلها تمهد لمظهر الاحتقار الأناني لكل شيء وتتبع ذلك حالة فوضى ذهنية يطلق عليها المفكرون اسم «الفصام»؛ فالطفل الذي ينشأ على الدلال والغنج لا يرضيه شيء بل يطلب المزيد من كل شيء ويصر بطرق شتى على تحقيق نزواته، وعندما تتقدم به السن ويرى الآمال المشبعة أنانية تتحطم وتصطدم بالرفض الذي لم يعهد من قبل يثور غضبه ويستولي عليه شعور بالنفور والحقد ويخرج من قوقعته العائلية إلى عالم فسيح، عالم غير متسامح، ويجابه أوضاعا خشنة فتنهار أحلام الطفولة وينفر ويؤدي به هذا النفور إلى إيثار العزلة والانفراد والانزواء ويحاول جاهدا أن يعود بنفسه إلى عهد الطفولة المدللة ويكره الدنيا ويتجنب الخروج إليها لكي لا يواجه الحقيقة المرة، وهذا الواقع الذي يكتشفه يضاعف من نفوره ويكون التفاعل عنيفا، لقد أفسدته المعاملة المغرقة في اللين وواقع الحياة الذي يدهمه على حين غرة يذهله عن الحقيقة فيحتار في أمره ولا يعرف كيف يتكيف ويصبح ضعيفا لا يعتمد على نفسه ويأبى أن يعتمد عليها، إذا ضربه فتى في سنّه هاج وثار وبكى واكتفى، وإذا تعثر ووقع وجُرح ملأ الدنيا صراخا، لم يتعود على الألم، لم يتعود النضال، خُيِّل إليه أن الدنيا دلال ويصر على أن يبقى الطفل المدلل.

جعفر عبدالكريم الخابوري

العدد 2529 - السبت 08 أغسطس 2009م الموافق 16 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً