العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ

تطور طرق الغوص (2)

في الحلقة السابقة تناولنا أفكارا محورية تناولها الكتاب في القديم، واستمر بعض منها بصورة متطورة، بقي علينا أن نصف الصورة التي بقت متعارفا عليها حتى المنتصف القرن السابق وهي وجود الغائص (الغيص) ومساعده (السيب).

5 - وجود الغائص ومساعده:

أقدم ذكرا موثقا لطريقة الغوص بوجود غائص ومساعد له يمسكه بحبل حتى يخرجه من قاع البحر. كان عند يحيى بن ماسويه (المتوفى عام 857م) حيث ذكر في باب صفة الغواصين والغاصة:

«الغاصة يركب منهم السفينة ما بين الستة نفر إلى اثني عشر رجلا نصفهم غاصة، ونصفهم يمسكون الحبال على الغاصة، كل رجل لرجل، وإنما يستأجرهم التاجر مشاهرة، وفي كل سفينة أمين من قبل التاجر، ولهم حبال من كتان طولها ما بين العشرين ذراعا إلى الخمسين».

ويلاحظ أن ابن ماسويه حدد ثلاثة من العاملون على السفينة وهم الغاصة (الغيص) ومساعديهم (أي السيوب) وأمين من قبل التاجر. وهذه الطريقة استمرت حتى نهاية صنعة الغوص في القرن المنصرم، إلا أنه بسبب وجود السفن الكبيرة وغزو المناطق العميقة من البحار كان لابد من حدوث تطوير لهذا النظام، فكثر أفراد طاقم السفينة وكثرت الأدوات التي يستخدمها الغاصة، وسنلخص فيما يلي تفاصيل الغوص منذ القرن التاسع عشر حتى نهايته في القرن العشرين.


العاملون في مهنة الغوص

يمكن تقسيم الأفراد العاملين في مهنة صيد اللؤلؤ إلى نصفين: الممولون والمشتغلون. فالصنف الأول يوفر الأموال اللازمة لإعاشة المشتغلين عندما يذهبون إلى البحر ويتركون عوائلهم خلفهم، بينما يعمل الصنف الثاني لتوفير الدخل اللازم لتسديد القروض المقدمة من الممولين وتحقيق أرباح أخرى. ويسمى الممول بـ «المسقم» أو «التاجر» وهو الذي يدفع الأموال للنواخذة (أو أصحاب السفينة في حالة كونهم غير نواخذة)، فصاحب السفينة قد تكون لديه الأموال اللازمة وقد يقترض هذه الأموال من المسقم بفوائد تترواح من 10 في المئة - 25 في المئة. ويسمى المشتغلون فيها عموما بـ»الغواويص» ومفردها «غوّاص» فكما هو معروف فإن العملية كلها تسمى «الغوص» إلا أن هذه تسمية عامة، فإذا أردنا التخصيص فهناك عدة مسميات لطاقم سفينة الغوص وهم كالتالي:

1 - النوخذة : وهو الربان المسئول عن السفينة.

2 - الجعدي: الشخص الذي يحل محل النوخذة في السفينة.

3 - المجدمي: رئيس البحارة، وهو المسئول عن العمل في السفينة، وجميع السفن الكبيرة يكون فيها المجدمي.

4 - النهام: المطرب البحري وغالبا ما يكون موجودا في السفن الكبيرة.

5 - الغيص: الشخص الذي يغوص في البحر لجمع المحار.

6 - السيب: هو الشخص الذي يسحب الغيص من قاع البحر.

7 - الجنان: وهو الشخص المنوط به تنظيم حبل «الخراب» وطيه في المكان المخصص له في «الخن» وهي عملية شاقة تحتاج إلى دراية وخبرة.

8 - راعي الشيرة: وهو أحد الذين لهم دراية وخبرة وقوة تحمل في تخليص المرساة من القاع في حالة وجود ما يعيقها من أحجار وشعب مرجانية وخلافه.

9 - الرضيف: هم الصبيان الذين يقومون بالأعمال الخفيفة، وللتدرب على العمل.

10 - التباب: صبي صغير يسمونه يخدم من في السفينة، ويتدرب على العمل في البحر.

11 - العزال: وهو غيص يتفق مع أحد السيوب في البر على أن يركب الغوص مع أحد النواخذه بحيث يعزل ما يحصلان عليه من محار عن باقي المحار الذي يجمعه البحارة.


أدوات الغواص

قبل وصف عملية الغوص يتوجب علينا إعطاء تعريفات لأدوات الغواص وهي كالتالي:

1 - الفطام: قطعة صغيرة تصنع من عظام السلاحف طولها نحو إصبع، وللفطام فتحة يضعها الغائص على أنفه لمنع تسرب الهواء ودخول الماء.

2 - الديين: وعاء من الحبال الرفيعة كهيئة الغربال وله من الأعلى قوس من الخشب يضع الغائص المحار بداخله.

3 - الخبط: وعاء صغير من الجلد يوضع على أطراف الأصابع، يضعه الغائص أحيانا لحفظ أصابعه من شر الجروح التي تحدث له من بعض أنواع المحار.

4 - الحجر: قطعة من الرصاص تساعد الغائص على النزول إلى قاع البحر بواسطة ثقلها.

5 - الشمشول: هو سروال قصير أسود اللون يلبسه الغائص، لمساعدته على حرية الحركة والسباحة.

6 - لباس الغوص: من القماش الخفيف أسود اللون يشبه البنطلون، وقميصه له أكمام طويلة يلبسه الغائص ليتجنب شر «الدول» أي قنديل البحر.

7 - الأيدة: حبل طويل ليسحب السيب الغائض من قاع البحر بواسطته وطوله 72 مترا إلى 81 مترا.

8 - الزيبل: حبل طويل يسحب السيب بواسطته الحجر من قاع البحر بعد وصول الغائص إلى قاع البحر وطوله نحو 36 مترا.


وصف عملية الغوص

في الصباح الباكر وبعد طلوع الشمس يبدأ الغواصون العمل، و يكون الغواص لابسا «الشمشول» أو مؤتزرا بالإزار في حالة ما إذا كان البحر خاليا من «الدول» الذي يحتك بجسم الغائص وتسبب له التهابات مؤلمة، إما إذا كان «الدول» منتشر في «الهير» المراد الغوص فيه فإن الغاصة يقومون بإرتداء لباس الغوص المذكور آنفا. بعد أن يلبس الغائص ثياب الغوص ينزل إلى البحر ويمسك بحبل قصير اسمه (القلطة) مربوط بأحد مجاديف السفينة ويضع الديين على رقبته ويضع الفطام على أنفه ثم يضع الزيبل (وهو الحبل الذي يربط به الحجر لإنزال الغائص إلى قاع البحر) في رجله، وكذلك الأيدة حيث يضعه الغائص ليجره السيب بواسطته وهنا يكون الغائص جاهزا للغوص.

عندما يصل الغيص إلى قاع البحر يسحب السيب الزيبل حيث لم يعد الغيص بحاجة إليه، ويأخذ الغيص في اقتلاع المحار بيديه وتجميعه في الديين، وقبل أن ينتهي نفس الغيص يحرك حبل الأيدة ويكون السيب آنذاك متيقظا فيجره حالا بأقصى قوته، ويضع الغيص الديين في يده ويمسك حبل الأيدة في اليد الأخرى حتى يخرج إلى سطح البحر قرب السفينة.


نظام القحمات

يتبع في الغوص نظام الدور للغاصة، ويسمى هذا النظام بنظام «القحمة» إذ إن الغاصة يقسّمون إلى مجموعات وكل مجموعة تغطس عدة غطسات، مجموع عدة الغطسات هذه يسمى (قحمة أو أقحمة) وكل غطسة من تلك الغطسات تسمى (تبة)، وفي الغوص الكبير عادة ما تكون القحمة بها عشر تبات. وما بين (تبة) وأخرى يستريح الغيص نحو خمس دقائق ثم يعود ثانية للغوص وهكذا حتى تنتهي نوبته (قحمته) بأن يغوص عشر مرات، والمرة الواحدة من الغوص تسمي (تبة). هكذا كان عمل الغيص طوال اليوم حتى قبل غروب الشمس بقليل عندئذ ينتهي العمل الشاق المتعب، والمحفوف بالمخاطر ويظل يعمل في الغوص مدة الغوص كله.

العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً