العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ

الأسطورة الجديدة زهى حديد... بين التفكيك والتكرار... ماركة أم معمارية؟

في حوارية ضمن «تاء الشباب» حول تجربتها وعلاقتها بالتفكيكية

حلة عبد الصالح - محرر فضاءات 

19 أغسطس 2009

أقيمت ضمن مبادرة «درايش» بمهرجان تاء الشباب، محاضرة تخصصية تحت عنوان «زهى حديد... أسطورة جديدة» بمتحف قلعة البحرين، الذي استضاف مجموعة من الشباب المعماريين وغير المعماريين، إلى جانب بعض المختصين، في طرحٍ للتفكيكية الفكرية والمعمارية وصولا إلى المعمارية العالمية زهى حديد التي أثارت العديد من الجدليات والأطروحات بما قدمته من طفرة وثورة.

وطرح الأستاذ المشارك بكلية الهندسة في جامعة البحرين رافع حقي والذي تواصل مع الحضور بالصوت والصورة من سورية الشقيقة العديد من التساؤلات التي أدهشت الحضور, وعرض للتفكيكية محاولا تقديم صورة موضحة للتفكيكية. وأوضح حقي بحسب بحثه عبر الشبكة العنكبوتية، أن المواقع وبالتحديد «ويكبيديا»، يمنح المتصفحين تعريفا يحاول تبسيط النظرية بالقول إنها اسم منحه دريدا لمنهج يحاول من خلاله الوصول لمعنى النص، عن طريق البحث عن المتضادات التي يتضمنها والقائم عليها، لذا فَهوَ عند التمحيص في ذاك النص، تجد أن أسسه غير ثابتة وقابلة للطعن.

وفي محاولة لتبسيط التعريف التفكيكي، استعان حقي بمجموعة من رؤى المفكرين المؤمنين بدريدا، الذي يرى أحدهم أنه «من الممكن أن نصيغ من نص سؤالا، ويمكن تحليل النص من خلال عناصره المكونة له»، أي تركيب المتضادات مع بعضها بحيث تعمل على إضعاف التركيب الأساسي. أما ريتشارد روتشي فيرى أن هنالك تضادّا أساسيا في النص نفسه، بين ما يظهره وبين الفكر المتضمن له، بينما يقول بول ريكوير إن التفكيكية طريق لفك الأسئلة التي بُنيت عليها الإجابة لفهم النص.

بعد كل ذلك، أوجد حقي تعريفا مبسطا بيّن فيه أن التفكيكية يمكن فهمها كطريقة لتحرير النص للوصل إلى جزئياته التي توضح التناقض بين منطق النص وشكله. ولمحاولة الفهم والإيصال بين الشكل والمعنى فالتفكيكية طريقة تحليل غير متعارف عليه يعني بالتشكيل بكل أنواعه، ويعالج الدقائق والجزئيات متناولا التناقضات غير المحدودة التي تخضع لظروف صياغة النص والمتلقي في الآن ذاته في محاولة للوصول إلى الأساسيات، في هدفٌ لإظهار أن ما يبرزه الشكل المتماسك هو في الأساس باطلٌ لوجود العديد من المتناقضات.

التفكيكية والعمارة كانت المحور الآخر الذي انتقل إليه حقي، مبينا أن العلاقة مازالت غير واضحة، فالعمارة التفكيكية برزت في نهاية الثمانينيات في تطور ضمن مجال عمارة ما بعد الحداثة، والتي تعمد إلى التجزيء وتهتم بالتلاعب، حيث يتم التشويه وإزاحة الملامح كما يحدث في الكتل والغلاف الخارجي والحجوم لتنتج في النهاية «فوضى محكومة». وبين التفكيكية والعمارة ودريدا كانت علاقة ما، وخصوصا أن الأخير كان مهتما بالعمارة وله علاقة ببعض المعماريين مثل آيزنمان. ما اختلف فيه دريدا عن المعماريين هو أن علاقته بالمباني والعمارة كانت مثل أي نصٍ يمارس عليه تمريناته التشكيلية ويتسلى بها من خلال تطبيق نظرياته وآرائه. وكون آيزنمان هو المعماري الأقرب من دريدا جعله ذلك يتشرب من فكره، رغم أنه يصنف نفسه منتميا إلى التشكيلية المتطرفة، التي تقوم على تفكيك المبنى لعناصره الأساسية، ومن ثم تركيبه بطريقة مختلفة عن الطرق العادية معتمدا على الما بينية والاثنينية والغرابة والداخلية، وكلها مفاهيم ترتكز على التناقض ما تجعلها في مقاربة مع التفكيكية أو التقويضية.

أين زهى حديد؟... هو السؤال الأول الذي طرحه حقي بعد محاولته للتعريف بالعمارة التفكيكية وعزلها عن المدارس المشابهة لها، مبينا أن زهى قد فهمت واستوعبت هذه النظرية، مدعمة إياها بالرياضيات، لتجمع بذلك ما بين نهرين، إلى جانب ملكة المنطق والغنى بالعلم والثقافة، ما ساعدها على تخليق فكرها الخاص الذي يعتمد على المرونة والانسيابية، تعدد نقاط الرؤية، الهندسة المجزّأة والمكسرة، عدم الارتباط والالتصاق بهويتها بشكل واضح، الاهتمام بالظل والغموض واستخدام اللون بفكرها الفني. وقد عمدت زهى في أعمالها إلى ربط الفراغات بشكل سلسٍ وجميل تتابع فيها الفراغات على نحو مرن من السطوح والخطوط المنحنية، كما تميزت جداريات المبنى وتكوينه الخارجي بتعدد المناظير التي لا ترتكز على نقطة الدخول الكلاسيكية، بل التفرد الذي لا يدع المجال لأن تكون هنالك واجهة رئيسية واحدة، تحدي الجاذبية بتشكيل بنائي يبدو وكأنه يحلق دونما المساس بالأرض، والربط ما بين الداخل والخارج من خلال المساحات، الفراغات والنوافذ كتمرد على الانعزالية التي ترفضها تماما وتعتبرها نقصا ديمقراطيا ينقله ذاك الإغلاق.

وفي استعراض لما يقوله النقاد عنها، كان العديدون يتعرّضون لعدم تكلمها عن فلسفتها ومعاني الأشكال، والذي اعتبره حقي نقطة ذكاء تُحسَب لصالحها تاركة الحرية للناس للتفكير كيفما شاءوا. إن المبادئ التي ارتبطت بها زهى حديد هي خاصة بها، لكن يمكن القول إنها قد استفادت من الفكر التفكيكي، وذلك حين المقاربة بين أعمالها وأعمال المعماريين التفكيكيين مثل آيزنمان، وبين موقف السيارات الذي صممته والمتحف اليهودي للمعماري ليبسكايند، وأعمال أخرى تتشابه تشكيليا كتصميمها لمبنى التزلج الذي يتشابه كثيرا مع ناطحات السحاب في موسكو. وبغض النظر عن الأسبقية، إلا أن التقارب بينهما وبين هؤلاء المعماريين صنّفها ضمنهم دون الإقلال بأي طرف. وحول الأعمال التي كانت جريئة، بيّن حقي أن المخطط لمنطقة فيستا يبدو كلوحة فنية أكثر من كونه تخطيطا لمنطقة، كما أن توظيفها للمثلثات في متحف الفنون الذي صممته كان بطريقة متمردة خاصة بها. وبالرغم من التشابه إلا أنه لا يمكن إنكار الاستقلالية لزهى حديد!

وأوضح حقي أن المشاكل الحقيقية برزت لدى حديد عندما بدأت بتصميم المباني المرتفعة، فرغم انسيابيتها إلا أنها قد فقدت ما تفوقت به عليها الأفقية منها، لذا فقد اتجهت المعمارية للزخرفة الخاصة بها، ومع ذلك فقد عادت مرة أخرى للتوازن والترتيب. من جهة أخرى، فقد انتقلت زهى حديد لتكون مصممة عامة، فبرزت في تصميم المطابخ، بارات، صنابير المياه، الثريات وحتى الأحذية! ورغم ذلك فقد كانت لها بصمتها ذاتها في كل ما فعلته!

وفي أطروحة مثيرة قال حقي: «هل نحن نتعامل مع الشكل نفسه؟ أم هي ذاتها المبادئ؟... إن الطابع المعماري ليس مشكوكا في أمره، ولكن هل بلغت هي لقوة الفكرة فأعادتها؟ أم فقدت القدرة على التشكيل؟» متسائلا: «أهي تحمل الآن نظرة المنتصر؟ أم الساخر؟ أم المسيطر؟» مفجرا مفاجأته: «زهى حديد لم تعد معمارية!... بل نجمة معمارية (Starchitect)، لقد صارت ماركة وأسطورة، ولربما لم تعد تعاني من مشاكل التصميم بل تتمتع بوقتها!». وقد نقل توقيعها المختلف في الشرق الأوسط، بعرض صور مشاريعها كمركز المعارض في القاهرة، ومجلس الشعب في دمشق الذي لا يوجد علاقة ما بين تصميمها وبين الصورة القديمة، مُفقدَة بذلك الارتباط بين المبنى ومحيطه. وقد أثار الدهشة حين قارب بين مشروعها هذا وبين تصميمها للحذاء، واللذين بديا للوهلة الأولى في تشابهٍ غريب أشار فيه حقي بالقول: «هل هذا المبنى مرتبطٌ بالمكان أم بالحذاء الذي صممته؟ أعتقد أنه مرتبط بزهى حديد فقط!».

ثم انتقل لاستعراض مركز الفنون التعميرية في أبوظبي الذي كُتِبت عنه مئات المقالات متسائلا في لوحة مقاربة أخرى إن كان مرتبطا بالمكان كما تدّعي أو أنه أقرب للثريا التي صممتها!... واصفا أن فكرة التصميم المرتبطة بالمكان - كما تشير حديد - والمستنبطة من الكثبان الرملية الجميلة هي مجرد تعامل سطحي مع الأمور. متوقفا عند مشروعها في البحرين (fr excellence and car experiences .. Car shwrm)، والذي سيُشيّد بالقرب من حلبة البحرين الدولية، قائلا إنه لا يعبر عن البحرين، ولا التراث، بل عن زهى حديد!... ثم انتقل إلى متحف البحرين الذي وضعت تصميمه، الذي وصفه أنه في منتهى الجمال والروعة إلا أن روحه لا تمت إلا لحديد، وقد استشهد بتعليق كتبه «إنسان عادي» قال فيه: «أتساءل إن كان العميل قد طلب من المعمارية جزءا من نسخة من متحف أبو ظبي، أم أن التطور المعماري يتطلب نماذج مكررة من كل مكان كما هو الحال في التصنيع».

إن لزهى حديد خطا واضحا لا يمكن إنكاره، لكن المشكلة أن هذا التفكير بدأ ينقاد لتكرار الشكل ذاته في كل التصميم، فهل على المعماري التمسك بشكل ما؟ هكذا طرح حقي جدليته، مواصلا: إن العمارة تعاملت بسطحية دونما فكر، ففي عصر النهضة كان التشكيل قائما على نسخ الجسم الإنساني كما هو الحال مع الكنائس، والآن في التفكيكية قد عملت على مسخ الفكر الإنساني، وطغت ملامح المعماري، مؤكدا أن ذلك حصل مع معماريين ذائعي الصيت من أمثال: فيليب جونسون، آيزنمان وفرانك غيري، الذين تكررت خطوطهم فأصبحوا يكررون ويقلدون أنفسهم.

موضحا في ختام حديثه، أن الجميع يكرر، لذا لا يمكن أن نطلب من زهى حديد الامتناع عن تقليد نفسها، فهي كأي معماري آخر له مساحته الخاصة، وكل واحد منهم يعمل على خلفية فكرية خاصة وبصمة تميزه عن غيره، أما الحديث عن الموقع والمستخدمين والناس فهو مجرد كلام كبير ينظّرونه.

العدد 2540 - الأربعاء 19 أغسطس 2009م الموافق 27 شعبان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً