العدد 2547 - الأربعاء 26 أغسطس 2009م الموافق 05 رمضان 1430هـ

كريم رضي: القصيدة هي البداية والعالم يتكئ عليها

في برنامج «مسامرات ثقافية» الذي يث على «الوسط أون لاين» اليوم

في برنامج مسامرات ثقافية والذي يبث اليوم على «الوسط أون لاين» يأخذك الشاعر كريم رضي إلى ما وراء شعره من أظلة فيحيك إلى البحث عن صفيته داخل القصيدة لا خارجها، فالقصيدة هي البداية والعالم يتكئ عليها، وإلى اعتراف بنبرة عالية تفرضها المناسبة، مع إلغاء مسافة الغموض بين الشاعر والمتلقي، وإلى اعتراف بدس السيرة وسط القصيدة، وإلى أخ أكبر لما بعده من أجيال على مستوى التبني أو شيء من الفرش النقدي، وإلى بوح يتراوح بين الركون إلى أنه لا خوف من أن في النفس أشياء لم يقلها الشاعر، أو خوف من أن تتسرّب الأيام من بين يدي الشاعر وهو لم يحقق الكثير مما يريد تحقيقه كإنسان.

أصدرت ديوان «أحاديث صفية»، وفيه تقول: أنا يا صفية هذا الكلام رماني على حجرٍ طيّبٍ، أنا يا صفية شمس المنام، صفية تلعب بي، وتمنحني عرسها طفلة، صفية أيقونة الوجد، إلى آخر الاستعارات التي أكثرت فيها من مفردة صفية، من هذه الصفية التي يتخذ منها الشاعر قناعا ليقول ما يريد؟ وهل احتملت كل ما أردت قوله حتى توقفت عن النشر طويلا؟

- كثيرا ما نكون مفعمين بفكرة أن الرمز أو مرجعية القصيدة سابق عليها، ولكني أعتقد أن العكس هو الصحيح، لكي نتحدث عن صفية ليس بالضرورة أن تكون صفية موجودة قبل القصيدة، إنما هي قد توجد بعد القصيدة، فالقصيدة هي البداية للعالم، بل العالم يتكئ على القصيدة، وبالتالي اليوم مهمتي كشاعر ومهمة القارئ أن يبحث عن صفية بعد قراءته القصيدة وليس قبلها. ما أريد أن أقوله إن صفية جاءت من القصيدة ولم تأتِ القصيدة من صفية.

إذا، صفية في هذا الديوان هي معطى جديد، صناعة جديدة، صورة جديدة، ليست صورة سابقة، والجزء الآخر من السؤال، هل احتملت كل ما أردت قوله حتى توقفت طويلا عن النشر؟

- لا أعتقد أن للشاعر مفردة أو قصيدة أو ديوان حتى بأكمله أو مجموعة من الدواوين تحتمل كل ما يريد أن يقوله، لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يكمل شاعر قصيدته. فأنا أعتقد أن الشاعر يموت ومازال في نفسه أشياء كثيرة لم يقلها، ومازال يحلم بأن يقول كل ما يريد قوله. ولكن التوقف عن النشر، مختلف عن التوقف عن الكتابة، التوقف عن النشر له أسباب عملية أكثر مما هي أسباب إبداعية، ترتبط بالانشغالات، بأولويات، نحن للأسف بشكل عام، ماعدا قلة من الشعراء، لا نضع الشعر ونشر هذا الشعر والوصول إلى قارئ الشعر في أولوياتنا، غالبا ما تسبق هذه الأولويات أولويات أخرى تتعلق بالحياة وبالعمل وبأمور كثيرة.

في قصيدتك اعتماد كثير على ثيمة البوح التي تصنعها المناسبة أحيانا، وقد يأخذك الإيقاع لأن تردد كلمة ما، فتكون هي مفتاح القول لديك، كما هي حالة صفية أو كما هي بعض القصائد الأخرى.

- إنني في الأصل شاعر مناسبات بامتياز، ونشأت في هذا الجوّ وبدأت أكتب الشعر في هذه الأجواء لفترة طويلة ولازلت حتى الآن على خجل - ولست كما كنت سابقا - أراود هذه الكتابات، فلا مناص وقصيدتي قصيدة مناسبة بالمعنى المتعارف عليه ربما، ولكن هناك مناسبة معينة تتحكم في أجوائها، والمناسبة قد تكون ثيمة معينة، أو فكرة محددة ملحة أكثر مما هي تداعيات، ربما لدى الآخرين الذين لم يأتوا في الأصل من شعر المناسبات، غالبا لديهم قصيدة لتداعيات متتالية، بحيث إنك لا تجد ثيمة معينة أو تجد جوهرا للقصيدة هذه وإنما عدة جواهر. بالنسبة لي أنا أعتقد أن كتابتي لفترة طويلة لقصائد المناسبات واستماعي إليها جعل القصيدة عندي تكاد تكون جاهزة قبل كتابتها، فغالبا ما تكون القصيدة جاهزة في ذهني، أو على الأقل الشطر الأكبر منها جاهز في ذهني وأردده قبل حتى أن أكتبه على الورق، وهذه طبعا مسألة موروثة كوني ارتبطت لفترة طويلة بشعر المناسبات، ولا أقول هذا أمر إيجابي أو سلبي ولكن هذا هو واقع تجربتي.

تميل في كتابتك إلى وضوح قد تفضحه المناسبة أحيانا... هل تحاول عبر هذه العملية، تخليص القصيدة من الغموض حتى تكون قريبا من متلقيك؟

- أنا مهتم جدا بموضوع المتلقي، جاءتنا فترة كنا مضطرين لأن يكون لدينا ردة فعل على من يطالبون بالاحتكام لذائقة المتلقي والاحتكام لذائقة الجمهور، جاءتنا فترة تطرفنا وقلنا كلاما ربما لم نكن نعيه عن أن المتلقي ليس مهما وحول أن ليس من المهم أن يفهم القارئ ما نريد قوله. أعتقد أن واقع تجربتي لا يقول ذلك، أنا مهتم جدا بأن أوصل للمتلقي ما أريد قوله، مع إتاحة المجال طبعا لعدة تأويلات يملكها المتلقي، أنا مهتم بإلغاء مسافة الغموض التي تفصل بين الكاتب والقارئ.

في معجمك تجتمع مفردات مثل العشق والثورة، ولفتات يصنعها الإحساس بالفجيعة أحيانا. هل تشعر أنك تأخرت عن زمنك قليلا وأن هذه الحالة تراوح بين أن تكون موجودة، وأن تكون قد تم تجاوزها؟

- أعتقد أن الشاعر دائما مصاب بشعور أن الزمن يسبقه، ومعظم الشعراء كذلك، وأنا أتكلم عن معلمنا الكبير قاسم حداد وغيره من الشعراء، حين تقرؤهم تشعر بأن هناك إحساسا بأن الزمن يسبقه، وأن هذا الإحساس بالفقد والفجيعة إحساس بأن هناك أمورا كثيرة فاتته، وكان عليه أن يستدركها ويقولها.

وهذا أحد محركات الكتابة، فهناك إحساس دائما بأن الزمن أسرع مما نريد قوله، أو أن الزمن أكثر تقدما مما نريد البوح به، وهذا يولّد دائما إحساسا بالفقد والفجيعة، وهو ليس لفقد الأشخاص أو الذكريات أو اللحظات، بل هو فقد أكبر من هذا، هو فقد للمعنى.

بالنسبة للشاعر، الفجيعة الأكبر هي فقد المعنى، فهو في معظم اللحظات يشعر أن هناك لحظة معينة تسرّبت أو تتسرّب من بين يديه، دون أن يمسك بها في اللحظة المناسبة، لأن المعاني بالرغم مما يقولون ملقاة على قارعة الطريق ولكن تحتاج لمن يلتقطها في الوقت المناسب.

في قصيدتك شيء من سيرة ذاتية أحيانا، ماذا وراء هذا السرّد، أو الميل إلى السرّد أحيانا، حتى في مقالاتك تكتب شيئا من السيرة، ماذا وراء دسّ هذه السيرة في القصيدة، أو في الكتابة؟

- أنا أعتقد أن الشعر بشكل عام هو سيرة ذاتية حتى لو لم يكن يتحدث بشكل مباشر عن السيرة الذاتية. ولكن ما يجعل هذه المسألة أكثر إلحاحا في العالم العربي تحديدا أو في العالم الثالث بشكل عام، أنه من الممنوع عليك أن تتحدث عن سير الآخرين، فليس متاحا لك أن تتحدث عن سير الحكام، لأن الحكام لا يقبلون أن تقول عنهم ما تقول، ولا عن سير المجتمعات، لأن المجتمعات أيضا من قراء ومن جماعات اجتماعية وسياسية ليس متاحا لك أيضا أن تقول عنها ما تريد أن تقوله. فالملاذ أن تتحدث عن سيرتك الذاتية، وليتك تسلم، على الأقل هذا أهون الأخطار وأهون الشرور، ربما لن يتدخل أحد في أنك قلت عن نفسك.

هل اللجوء للسيرة هو هرب للذات، واللجوء إليها، والاحتماء بها بعيدا عن الآخرين؟

- لك أن تسمي ذلك كذلك، ولكنه هرب إبداعي، والفرق بين السيرة الذاتية في الشعر وفي النص الإبداعي عن السيرة الذاتية في النص التقريري أو التاريخي هو أن الهدف في القصيدة ليس الحديث عن السيرة الذاتية. الهدف الأساسي هو الشعر، وتأتي السيرة الذاتية كمادة مكوّنة للقصيدة. بينما العكس يحدث في نشر السيرة الذاتية بالشكل التقريري حيث تكون السيرة الذاتية وإبرازها وتاريخها وتوثيقها هو الهدف، أما بالنسبة للشعر ليس مهما حتى أن تكون الأحداث فعلا قد حصلت كما هي في تاريخ الشخص.

تحمل على عاتقك أعباء جيل شعري، ولقد حاولت أن تنظّر له في «إخوة عنترة»، هل تؤمن بأبوّتك للجيل التسعيني؟ ماذا يضيف التسعيني والألفيني للتجربة الشعرية البحرينية؟

- لا أؤمن طبعا بأبوّتي لهذا الجيل، ربما الأصح أن أؤمن بالإخوّة مع هذا الجيل، كأخ أكبر مع تحفظ لأن الأخ في مصطلح جورج أرويل هو الشخص المهيمن والمسيطر، إنما أنا أخ حنون.

ماذا يضيف الجيل التسعيني والألفيني للتجربة البحرينية الشعرية؟

- بالتأكيد كل جيل أضاف الكثير لهذه التجربة لأنه حينما نتكلم عن الجيل فإننا نتكلم عن مجموعة من الشعراء يخرجون في فترة واحدة، في موجة واحدة معينة مع بعضهم بعضا، ويضعون لمساتهم على هذه المرحلة بما يبقي هذه اللمسات مستمرة لفترة من الزمن بحيث تطبع التجربة الشعرية في البلد بطابعهم.

وأعتقد أن مشكلة الجيل التسعيني أنه أول جيل جاء في فترة انهيار الأيديولوجيات الشمولية الكبرى التي شكّلت مادة خصبة، لفترة طويلة للتجربة الشعرية المعاصرة في البحرين.

هذا الجيل جاء مع نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وهي المرحلة التي شهدت انهيار هذه الشموليات في العالم العربي وغيره. كان هذا جيدا من ناحية لأنه جعل هذه الكوكبة تأتي من غير وصاية مسبقة على إبداعها الأدبي، وهو سيئ أيضا لأنه ليس هناك ما يربط هذه المجموعة بحيث تشكل موجة كما شكّل السبعينيون أو الطليعيون الذين جاءوا بموجة الحداثة الشعرية والواقعية الاجتماعية في الشعر في البحرين.

هذه التجربة جاءت إلى حد ما تجربة أفراد، وحاولوا من خلال لقاءاتهم، في عدة جلسات في أسرة الأدباء والكتاب، أو في بعض المنازل أن يؤسسوا هذا النوع مما تأسس في فترة السبعينيات، ولكن هذا لم يكن ممكنا، لأن فقدان هذه الشمولية الضاغطة والمهيمنة والتي تدفع بهذا الجيل باتجاه محدد وباتجاه يضع بصمته على تاريخ التجربة الأدبية والإبداعية، وفقدان هذا الضاغط جعل هؤلاء الشعراء جزرا منعزلة وهو ما وصلوا إليه اليوم.

وهذا الأمر لم يكن موجودا في التجربة السبعينية التي جاءت في ظل حراك عربي وعالمي سياسي واجتماعي وثقافي والذي أدى إلى أنك حينما تقرأ لقاسم حداد وتقرأ لعلي الشرقاوي في البحرين كأنك تقرأ شاعرا عربيا في موقع آخر، هذا النوع من توارد المفردات، وتماثل أجواء القصيدة بشكل عام، لم يكن موجودا في التسعينيات. وكما ذكرت كان هذا إيجابيا من ناحية، وسلبيا من ناحية أخرى.

بالنسبة للجيل الأخير، الألفيني، أعتقد أن مهمته أسهل من ناحية وأصعب من ناحية أخرى، هي أسهل لأننا في البحرين الآن أصبحنا في واقع جديد مختلف، على الأقل فالجيل التسعيني عاصر فترة مازال فيها الصراع بين الثقافة والتاريخ حادا جدا، فالتاريخ يمضي في اتجاه والثقافة تمضي في اتجاه آخر، كان هناك نوع من المواجهة.

من بعد مرحلة الانفراج الأمني والسياسي في العام 2000، أعتقد أنه تشكّل واقع جديد. لا أقول الآن أصبح بالإمكان الحديث عن صلح كامل بين المثقف والتاريخ في البحرين، لكن هناك واقع مختلف وبحاجة إلى مقاربة مختلفة، فهو سهل من ناحية فالصوت أصبح بإمكانه أن يكون مرتفعا أكبر سواء في الثقافة أو في السياسة أو في غيرها، فالمبدع الآن لم يعد يخشى ما كان يخشاه المبدعون السابقون بأن يكون هناك رصد لكل مفردة ولكل كلمة، ولكن نشأت سلطات أخرى بإزاء سلطات الدولة الآن. مثل سلطة القارئ وسلطة المجتمع والتي لا يمكن إهمالها.

كنت تفرش وتنظّر للجيل التسعيني في «سيرة إخوة عنترة»، الآن أيضا أجدك تنظّر للجيل الألفيني، هناك تحسس أحيانا من مفردة الجيل بالذات الجيل التسعيني، ما وراء هذه الحساسية ؟

- لابد أن نؤكد أننا نستخدم مفردة الجيل لسبب إجرائي فقط، ولا نقصد بأن هذه المجموعة كانت منفصلة تماما عما سبقها، فما كان في الجيل السبعيني لم يكن موجودا في الجيل الثمانيني، وما كان موجودا في الجيل التسعيني لم يكن موجودا فيما قبلهم وما بعدهم. الجيل مصطلح مشروع وهو موجود في جميع الفرشات النقدية في العالم العربي. والتي تتحدث عن عدة أجيال للقصيدة الفلسطينية وعدة أجيال للقصيدة في مصر وغير ذلك.

وهذا أمر مشروع جدا لأنه كل جيل يمثل هموما ومشتركات معينة، أعتقد هذا التحفظ بالنسبة لي غير وارد، هو تحفظ مبالغ فيه، نستطيع أن نقول فيه ما قاله أحد العلماء «لا نستطيع أن نفصل المراحل الاجتماعية عن بعضها البعض، إلا بمقدار ما نفصل طبقات الأرض عن بعضها البعض، فكل طبقة من طبقات الأرض توجد فيها نسبة من الطبقة التي قبلها ونسبة من الطبقة التي بعدها» وهذا الفصل ليس فصلا حديا إنما هو فصل إجرائي فقط.

ألا تحس أن هناك خوفا من الخروج على أُبوّة الجيل السبعيني ومركزيته؟

- أنا لاحظت الذين تحفظوا على هذا المصطلح، أغلبهم ليسوا من السبعينيين، حتى نقول إنهم كانوا يدافعون مثلا عن مركزيتهم في قصيدتهم البحرينية. لا أدخل في النوايا، ولكن أعتقد أن الكلام عن التحفظ على هذا المصطلح ربما يكون مبالغا فيه.

أين ذهب الجيل الثمانيني، ما أهم ما تركه، أهو جيل عابر، ومن عليه أن يرسم الخريطة الشعرية الآن؟

- أعتقد أن الجيل الثمانيني هو جيل هُضم حقه في المقاربة النقدية في البحرين؛ لأننا إذا قرأنا الكشّاف الذي قام به علوي الهاشمي، كشاف الشعر المعاصر في البحرين، وصل إلى هذا الجيل ونشر فقط صفحة واحدة وكتب عليها «شعراء طالعون واعدون» ووضع مجموعة من الشعراء مبشرا بأن هؤلاء هم الجيل المقبل، ولكن لم تتم مقاربة هذا الجيل.

أعتقد أنه يجب أن أتكلم عن أحمد العجيمي، عن جعفر حسن، عن أحمد مدن، عن فوزية السندي، عن فاطمة التيتون، لأنها سبقت الجيل التسعيني، نتكلم عن جعفر الجمري.

أعتقد أن هذا الجيل لم يتوفر لحد الآن على ناقد كما توفر د. علوي الهاشمي للجيل السبعيني، ناقد على استعداد أن يضحي ربما حتى بتجربته الشعرية من أجل أن يعطي الهمّ النقدي لهذه التجربة، كما أن هذا الجيل نفسه لم يقم أيضا بما قام به الجيل التسعيني من مقاربة تجربته نفسه، من النظرة المعاكسة لتجربته.

العدد 2547 - الأربعاء 26 أغسطس 2009م الموافق 05 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً