العدد 2550 - السبت 29 أغسطس 2009م الموافق 08 رمضان 1430هـ

أنفاسكم فيه تسبيح

رملة عبد الحميد comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لا توجد حالة أقسى ألما وأكثر مرارة، من أن يكتشف الإنسان نفسه في مرحلة من مراحل حياته أنه أصبح ممن ينطبق عليه قوله تعالى «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا، الذين ظل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا» (103 / 104 سورة الكهف)، من الصعب أن تسعى في حياتك وتعمل على خطى في سبيل أنك تحسن الصنع، ومن ثم تعرف في غدك أن ضجيجك كان بلا جدوى، بل سيكون في عداد الهباء المنثور، شعور لا يمكن وصفه، ربما لو كنت تعرف أو تشعر فذلك أرحم، والأكثر من ذلك اعتقادك فيما ما تعمله هو الأفضل فأي مصيبة تلك؟، وما المخرج؟ وأين الملتجأ؟

إن الرهان على العقل في الاستبصار والتمييز في الاختيار لا يمكن أن يكون شفيعا من عدم الوقوع في محذور الوهم بالعمل الحسن، إذ تدخل الأنا والعصبية واستعظام النفس والغرور، والعزة بالإثم، وضغوط الواقع، لذا كان المعول على المحطات الإلهية التي تلهم النفس الإنسانية هبة البصيرة والرشد والخوف من الله والتقوى، لذا لم تأتي المناسبات الإسلامية المعنية بالعبادة الروحانية، كسياق زمني مرتبط بدلالات تاريخية فقط، إنما لها ارتباطات كونية تتماشى مع النفس البشرية لها من الحكمة الربانية ما يعجز عن إدراكه العقل البشري مهما بلغ من عقله وتفكيره الشيء الكثير. شهر رمضان محطة إلهية خاصة وهو من الشهور المميزة لدى المسلمين، شهر ارتبط بالقران الكريم «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ...» (185/ البقرة) الذي نزل على رسول الله محمد (ص) في العام 610 م في إحدى لياليه والتي تعرف بليلة القدر وهي ليلة مقدسة من هذا الشهر تجري فيها عبادات كثيرة.

هو شهر رمضان الذي ارتبط بالصيام، وهو الشهر التاسع في التقويم الهجري، لقد اشتق معناه من الرمض وهو شدة الحر فيقال: يَرْمَضُ رَمَضا: اشتدَّ حَرُّه. وأَرْمَضَ الحَرُّ القومَ: أي اشتدّ عليهم، وكلمة رمضانَ مأْخوذ من رَمِضَ الصائم يَرْمَضُ إذا حَرّ جوْفُه من شدّة العطش. ولشهر رمضان انتصارات كبرى في تاريخ الدعوة الإسلامية مع إطلالة الرسالة المحمدية إذ ارتبط الشهر الفضيل بانتصارات بدر الكبرى وفتح مكّة، المسلمون يستقبلون الشهر باستعدادات خاصة وتباشير وتبريكات لأنه شهر الخير والبركات وقد دعانا نبي الأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم لاستقباله إذ يقول «أيها الناس إنه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة شهر هو عند الله أفضل الشهور وأيامه أفضل الأيام ولياليه أفضل الليالي وساعاته أفضل الساعات هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله وجعلتم فيه من أهل كرامة الله». فالتوجه إلى الخالق هو سمة الشهر، والدعاء والعبادة هو ديدن العارفين بحقه، حري بنا جمعيا أن نلتفت إليه، ونستغل أوقاته لأنه تلك المحطة السنوية التي تلهمنا البصيرة في أعمالنا لكي لا نكون من الغافلين ولا نحسب من عداد الأخسرين عملا، وهذا من نبه إليه النبي (ص) بقوله «إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم»، لنغتنم الفرص الجليلية في هذا الشهر فهو يهبنا فرصة العطاء، فرصة العمل والإنجاز، فرصة لتقوية الإرادة، فرصة للتكافل الاجتماعي، فرصة للنقاء الروحي، فرصة للتعود على الصبر، فرصة التعلق بالمسجد والأسحار، فرصة لمراجعة القران، وأخيرا فرصة التوبة، لقد مضى ثلث الشهر الذي أنفاس الصائمين فيه تسبيح فهل نحسن ما بقي منه؟

إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"

العدد 2550 - السبت 29 أغسطس 2009م الموافق 08 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • faisal abdullah | 5:30 ص

      انفاسكم فيه تسبيح

      مشكوره على هذا الطرح الجميل
      الله لايحرمنا من كتاباتك

    • زائر 1 | 3:41 ص

      الحسرات

      وأول ما سيواجه هذا الإنسان عند موته هو الحسرات، الحسرات على ما فات وضيع وما ضاع منه، ولكن سيكون الوقت قد فات.

    • ابوهبه | 11:50 م

      موضوع روحاني

      بارك الله فيك على هذا الطرح الايماني والروحاني .. فعلاً نحن نستقبل الشهر الفضيل بالطاعات والقرآن والمغفرة والتوبة الى الله سبحانه وتعالى .. طيب الله انفاسك

اقرأ ايضاً