العدد 2574 - الأربعاء 23 سبتمبر 2009م الموافق 04 شوال 1430هـ

ضمانات الانتخابات الحرة والنزيهة والعادلة (-2 2)

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

رابعا: متطلبات حرية ونزاهة وعدالة الانتخابات

هناك اشتراطات لضمان حرية ونزاهة وعدالة الانتخابات أهمها:

أ - حيادية الدولة

لماذا يحدث أن يفقد الحزب الحاكم أو الرئيس الحاكم في البلدان الديمقراطية الانتخابات العامة رئاسية أو برلمانية حتى بعد عقود من الحكم، فيما لا يحدث ذات الشيء في النظم الاستبدادية واللاديمقراطية؟

فمثلا فاز حزب العمال في بريطانيا في العام 1996 بزعامة توني بلير بعد عشرين سنة من حكم حزب المحافظين الذي تعاقب على زعامته ادوارد هيث وتاشر وميجور وفاز الحزب الاشتراكي الفرنسي بزعامة فرانسوا ميتران بعد عقود من حكم التجمع من أجل الديمقراطية الذي أسسه ديجول منذ العام 1945 حتى العام1971. وفي الولايات المتحدة يتناوب الحزبان الجمهوري والديمقراطي على الحكم. وحتى في بلدان عالم ثالث مثل السنغال فقد خسر الحزب الحاكم بزعامة عبدو ضيوف الانتخابات بعد عقود امتدت من الاستقلال في الستينيات حتى 2004 عندما فازت المعارضة بزعامة عبدالله واد.

من هنا فإن الدولة لا تختزل بالفئة الحاكمة أو الحكومة أو الرئيس وإنما الدولة هي أكبر من الحكومة والحزب الحاكم يتمتع بسيطرة محدودة للسلطة التنفيذية وتكون له أغلبية في البرلمان (باستثناء بعض الحالات كما في النظام الأميركي) كما أن آليات التنافس السياسي في ظل الديمقراطية تتيح لقوى المعارضة أن تعمل في إطار القوانين المحترمة من الجميع، وتعمل على كسب جمهور الناخبين، وعندما يقرر الناخبون بإرادتهم الحرة إسقاط الحزب أو التحالف الحاكم وانتخاب حزب أو تحالف المعارضة يتحقق ذلك. وحياد الدولة له متطلبات عديدة أهمها:

1 - محدودية تدخل الحزب الحاكم أو الحكومة المنبثقة عنه في التعيينات في أجهزة الدولة، بل لا تتعدى هذه التعيينات عشرات المناصب السياسية. وبالطبع تبقى أجهزة الدولة بمجملها من الأجهزة العسكرية والأمنية والقضائية والرقابية لا تمس من قبل الحزب الحاكم فهذه لها آلياتها ضمن مفهوم الخدمة المدنية من هنا فإن الدولة ليست غنيمة للحزب الحاكم أو الحاكم، وإنما يقتصر دور الحكومة على وضع السياسات والإشراف على تنفيذها وليس الاستيلاء على الدول ومفاصلها.

2 - وتشمل حيادية الدولة مختلف الأجهزة الأمنية الإعلامية والتمويلية وبالطبع السلطات المناط بها الإشراف على الانتخابات. وفي معظم الديمقراطيات فإن وزارة الداخلية هي من ينظم الانتخابات أمنيا، بينما يشرف القضاء عليها، فيما يقوم مواطنون متطوعون ومدربون بإدارة الانتخابات. ففي الديمقراطيات الراسخة ليس من شك في حيادية الأجهزة المعنية بالانتخابات، ولذلك نادرا ما يتم إبطال الاقتراع أو التشطيط بها باستثناء حالات نادرة كحادثة فلوريدا خلال انتخابات2001 والتي تنافس فيها بوش الابن مع آل غور. وقد تحدث حالات من التزوير لكنها منفردة.

3 - في كثير من النظم الديمقراطية تشكل هيئة وطنية للإشراف على الانتخابات، وهي عادة من شخصيات مستقلة تضم قضاة سابقين وشخصيات مدنية قيادية وحقوقيين. ولا تتبع الحكومة ولا أي من الأحزاب بل هي مستقلة فعلا وتشرف فعليا على سير العملية الانتخابية بدءا من تسجيل الناخبين وشطب لوائح القيد، وتسجيل المرشحين، وإعداد مراكز الانتخابات وإجراء الانتخابات وفرز الأصوات، وتلقي الطعون والفصل فيها وإعلان النتائج النهائية.

ب - حيادية وسائط الإعلام وموضوعيتها

تعتبر التعددية الإعلامية من ميزات النظام الديمقراطي، وبالطبع ليس هناك حياد مطلق للأجهزة الإعلامية مثل التلفزيون أو الراديو أو الصحيفة أو النشر الإلكتروني، ولكن في ظل الأنظمة الديمقراطية فإن موضوعية وسائط الإعلام تراقب بدقة. وخلال الحملات الانتخابية فإن هناك معايير دقيقة لموضوعية الوسائط الإعلامية. وتنص قوانين بعض الدول أو العرف السائد على تنظيم مناظرات للمترشحين وإعطاء أوقات متساوية للمتنافسين افرادا أم أحزابا. وبالنسبة لأجهزة الدولة الإعلامية مثل هيئة الإذاعة البريطانية مثلا فإنها تتمسك بالحيادية التامة والموضوعية خلال الحملات الانتخابية وتلعب وسائط الإعلام دورا حاسما في مراقبة الانتخابات وكشف خفاياها.

ت- الحد من استخدام المال للتأثير على الانتخابات

لا شك أن المال يلعب دورا حاسما في تمويل الحملات الانتخابية في الأنظمة الديمقراطية. لكن هذه الأنظمة تعمل للحد من تأثير المال على الانتخابات من خلال عدة وسائل، منها تكفّل الدولة بتحمل الجزء الأكبر من التكاليف تبعا لعدة صيغ مثل عدد نواب الحزب أو نسبة الأصوات التي حازها في أخر انتخابات كما في ألمانيا. في حين أنه في الولايات المتحدة يُلزم المتبرعون بنشر تبرعاتهم. فالمهم أن لا يتم الدفع من تحت الطاولة.

ث- شفافية المعلومات عن الناخبين والعملية الانتخابية

جرى التقليد في الأنظمة الديمقراطية إعلان الذمة المالية للمترشحين وإعلان الأحزاب المتنافسة لإنفاقهم. وعادة ما يقدم المترشح استقالته من إدارة الشركة قبل خوض الانتخابات. وعملية الشفافية عملية واسعة تتناول كل ماله علاقة بالعملية الانتخابية وتشمل:

1 - قيد الناخبين في كل دائرة انتخابية ونشرها قبل فترة وقبول الطعون والتصحيح.

2 - الإعلان عن أسماء المترشحين وتقبل الطعون بشأن أهليتهم للترشح.

3 - إعلان الأحزاب أو الكتل المتنافسة عن مرشحيها وكيفية اختيارهم.

ج- مراقبة الانتخابات

تتم مراقبة الانتخابات من قبل منظمات وطنية وإقليمية ودولية مختلفة ومن قبل مراقبي الأمم المتحدة. لقد أضحى عاديا في البلدان الديمقراطية وجود أكثر من منظمة مجتمع مدني تعنى بمراقبة الانتخابات والإصلاح الانتخابي. ويوجد مثل هذه المنظمات في المغرب والجزائر ومصر ولبنان، لكن لبنان هو البلد الوحيد الذي ينص نظامه الانتخابي على المراقبة الوطنية.

ومن أهم المنظمات الدولية لمراقبة الانتخابات منظمة أيديا السويدية (IDEA) ومعهد كارتر الأميركي والوقف الوطني الديمقراطي (NED) الأميركي والمعهد الجمهوري الأميركي، والفرنكفونية الدولية ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، والاتحاد الأوربي، والبرلمان الأوروبي.

عربيا فهناك الشبكة العربية لمراقبة الانتخابات ومنسقها مركز عمان لحقوق الإنسان والذي راقب الانتخابات اليمنية والفريق العربي لمراقبة الانتخابات والذي راقب الانتخابات اللبنانية والموريتانية.

ولدى الأمم المتحدة ضمن البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة مكتب خاص معني بالانتخابات ومراقبتها إذا ما طلب منه ذلك. لكن المراقبة لا تعني المراقبة يوم الانتخابات فقط إذ يجب أن تسبقها بعدة أشهر، بحيث يتم رصد عملية تحديد الدوائر الانتخابية، وتسجيل الناخبين وتسجيل المرشحين والإعلام والأجهزة الرسمية المعنية بالانتخابات وغير ذلك.

ح- حرية الناخب

إن حرية الناخب هي الركيزة الأساسية في حرية الانتخابات، وحرية الناخب من الضغوط والمؤثرات عملية معقدة. وتنبع أولا من اطمئنان الناخب بأن خياره الانتخابي لن يضر به أو بمصالحه أو مكانته. كما أن بعض الدول الديمقراطية تستثني المنتمين للمؤسسة العسكرية والأمنية من العملية الانتخابية، وذلك للحفاظ على حيادية المؤسسات العسكرية والأمنية وعدم استخدام المنتسبين إليها من قبل السلطة الحاكمة. هذا خلاف للدول الاستبدادية والتي تستخدم المنتمين للأجهزة العسكرية والأمنية ككتائب انتخابية لترجيح فوز الرئيس الحاكم أو الحزب الحاكم وإسقاط مرشحي المعارضة.

خ- عدالة الانتخابات

جوهر عدالة الانتخابات هو أنها تستند إلى صوت واحد لناخب واحد، أي تساوي الوزن التصويتي للناخبين. من هنا أغلب البلدان الديمقراطية تحرص على عدم تفاوت أعداد من يحق لهم التصويت في مختلف الدوائر الانتخابية بما لا يتجاوز 3 في المئة من دائرة لأخرى.

ومن أجل ضمان عدالة الانتخابات أيضا، أي من حيث تمثيلها لمكونات المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية والقومية والأثنية والجندرية فإن هناك عدة صيغ ومنها:

1 - نظام القوائم النسبي، أي أن تحصل كل قائمة على ممثلين في البرلمان يتناسب مع عدد الأصوات التي حازتها القائمة على مستوى محافظة أو ولاية أو على مستوى البلد.

2 - النظام المختلط وهو يقوم على قاعدتي نظام التمثيل النسبي ونظام التمثيل الفردي.

3- نظام الكوتا لفئات معينة يرى ضرورة تمثيلها مثل مجموعات دينية أو عرقية أو قومية وهذا معمول به في أوروبا الشرقية بالنسبة للأقليات وللنساء كما هو معمول به في المغرب.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2574 - الأربعاء 23 سبتمبر 2009م الموافق 04 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً