العدد 2585 - السبت 03 أكتوبر 2009م الموافق 14 شوال 1430هـ

لماذا يختلفون على حماية المعنّفات؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كشفت وقائع التجاذب والتراشق الذي حدث مؤخرا بين مديرة «مركز بتلكو» لرعاية حالات العنف، والمسئولين في وزارة التنمية ومعها «دار الأمان» للإيواء المؤقت التابع لها، الغطاء عن وجود خلاف حاد وتباين رؤى وربما مصالح حول من يدير برامج «حماية النساء المعنفات»، بل ويتصدر زعامتها محليا وخارجيا.

لا ريب أن السجال مؤشر للكثير من القضايا الإشكالية لها أول وآخر، بيد إن الإشكالية الواضحة من بين زوايا الاختلاف هي انتشار ظاهرة العنف الواقع على النساء، وما يرافقه من خلل يشوب كيفية معالجتها من المعنيين وتحمل مسئوليتها للحد منها أو القضاء عليها.

صحيح أن الجهات الرسمية غالبا ما تقلل من حجم الظاهرة وتعلن أنها حالات لا يرقى الحديث عنها كظاهرة، إلا أن الصحيح أيضا أن الظاهرة استفحلت ولم يعد يجدي تجاهل آثارها وتداعياتها أو التقليل من مخاطرها. فمؤشر طلاق الأزواج ارتفع، وحجم الدعاوى المرفوعة في المحاكم زادت من (950-2588) دعوة بين الأعوام 1995-2006، أما المشكلات الأسرية وتنوعها فقد تفاقمت بسبب الضغوط الاقتصادية والاجتماعية بما خلفته من آثار وتغير لاتجاهات سلوك الأفراد الاجتماعي والاستهلاكي، عدا عما يفرزه الفقر من مشكلات تزيد الطين بللا فتدفع بفئات من المجتمع وغالبيتهم من النساء اللاتي ينشدن مراكز الإرشاد الأسري والإيواء للحماية من العنف، على رغم محدودية تلك الحماية والوقاية والدعم المقدم من المجتمع لفئة المتضررات من حوادث العنف، ما دفع بالاختصاصية الاجتماعية «هدى المحمود» لأن توجه اللوم مؤخرا إلى القطاع الخاص بشأن تقصيره وعدم تجاوبه في الاهتمام بفئة المعنفات.

في إطار التجاذب، ثمة ما استنفر وزارة التنمية وإدارة «دار الأمان» لعقد مؤتمر صحافي للرد على اتهامات المديرة السابقة للدار وهي نفسها المديرة الحالية «لمركز رعاية حالات العنف» التي استنجدت ببعض النزيلات من بين (404 حالات) استقبلتها «دار الأمان» منذ العام 2006، للتدليل على صحة ما جادلت بشأنه إذ ذكرت: «أن نزيلات الدار يتعرضن لمعاملة لا إنسانية وإن مشكلات الدار الإدارية تنعكس سلبا عليهن اجتماعيا ونفسيا»، ولكي توثق الحدث أصدرت باسم المركز بيانا تبرر فيه الانتقاد لمن يدير الدار حاليا وهي «جمعية الاجتماعيين»، انطلاقا من قلق المركز الذي لاذت إليه بعض النزيلات للشكوى من غبن المعاملة، لاسيما وأن مديرة المركز تعتبره أول مركز بحريني - خليجي متخصص لتقديم الرعاية لحالات العنف الأسري والمعني بتقديم الاستشارات والخدمات النفسية والاجتماعية، وعليه وبحسب البيان: «فإن أمر مواجهة هذا المشكلة لا يمكن الصمت عليه وغدا أمرا أساسيا لمواجهته والتصدي له، وهو مهم لإثبات مدى نجاح المركز في تقديم خدمات متميزة للمعنفات».

بعد أيام صدر ثمة بيان آخر عن المركز يناقض السابق، ويقر أن المشكلات والاختلافات لا تحل بالتصعيد الإعلامي المثير، فهناك تنسيق وحرص منه - أي المركز - على إنجاح عمل «دار الأمان» وتسهيل مهماتها في الإيواء المؤقت للمعنفات وعدم التدخل في شئونها الداخلية. أي بيان نصدق؟

الجواب لا يهم، حتما مضمون البيان الثاني جيد وإن جاء متأخرا، بيد إنه يناقض ما سبقه بل وينفيه.

بالنسبة إلى البيان الأول، كان سيكون أكثر جدوى وإقناعا وأمضى مفعولا في سعيه إلى تصحيح الخلل والارتقاء بنوعية الحماية المقدمة للمعنفات المتضررات، لو عالج شكوى النزيلات عبر آليات تحفظ لمهنة «الإرشاد الأسري» ومؤسساتها مقامها ومكانتها في المجتمع، فضلا عن صون كرامة المعنفات أنفسهن وعدم تعريض معاناتهن للفضاء العام لاجترارها، وتجنب إقحامهن في خلافات هي الأقرب إلى تصفية الحسابات.

من المعلوم بعد إعادة هيكلية «دار الأمان» في العام 2008 والتي كانت تدار أصلا من مديرة المركز الحالية التي لم يجدد لها مهمة إدارة «دار الأمان» لأسباب غير معلومة أو مبينة من قبلها أو من قبل وزارة التنمية، ما يفرض سؤالا ملحا عما إذا كان عدم التجديد وأسبابه، يمثل سببا مضمرا وراء الخلاف والتصعيد، علما أن الكلفة التشغيلية للدار بدأت بـ (9 آلاف دينار بحريني) ووصلت إلى (141 ألف دينار بحريني) سنويا، بالطبع هذه المبالغ تسيل اللعاب، أما البيان الثاني فكان سيكون أكثر إقناعا ومنطقيا، ويدلل على نضوج ومسئولية «لو» استطاع وقف إقحام النزيلات وهن في حالة ضعف للكشف عن تفاصيل دقيقة ومحرجة تتعلق بأحوالهن وخصوصياتهن أثناء الإيواء المؤقت في مؤتمر صحافي، إن عدم تدارك ذلك الأمر أخل بمكانة وسمعة «مهنة الإرشاد والدعم الأسري» وأثار الشكوك والارتياب حولها وحول مؤسساتها كملاذ آمن.

ثمة أمر آخر يستوجب مصارحة طرفي النزاع المتزعمين «حماية المعنفات»، وهو أن كليهما أخطأ بقصد أو دونه ولأسباب غير مبررة بحق المعنفات كما بحق مراكز الإيواء عامة، لماذا؟ لأسباب كثيرة، من بينها أن تقديم الإيواء للمتضررات من العنف يعد مهمة إنسانية حساسة وصعبة وتتطلب فيمن يتحملها التصرف بمسئولية ودقة متناهية في كل خطوة وإجراء يتخذ، والأهم من هذا وذاك كسب ثقة المجتمع تجاه هذا النمط من الخدمات والمراكز بالمحافظة على الخصوصية، إذ لوحظ أن الخلاف انقلب سلبا على المتضررات اللاتي يعانين المشكلات في حياتهن الأسرية، وقد وجه إليهن اللوم وإلى من تراودهن فكرة اللجوء إلى مراكز الإرشاد والإيواء، إذ قيل أن ذهابهن إلى مراكز الإيواء يعرضهن وأسرهن للإهانة والتجريح بل ويكشفن أسرار أسرهن، كما أنه ليس من اللائق الحديث عن تفاصيل تتعلق بالمأكل والمشرب وما تتطلبه الرعاية المؤقتة من شئون في مؤتمرات صحافية، مما يضاعف من معاناة الكثيرات ويجعلهن يحسبن ألف حساب قبل اللجوء إلى أية جهة أو مركز من هذه المراكز لحل مشكلاتهم.

بعبارة أوضح، ما حدث يخل بثقة المجتمع تجاه هذا النمط من الرعاية وبمن يقدمها، ما يعني أن الطرفين يتحملان مسئولية ذلك بمقدار يزيد أو ينقص عن الآخر، هذا من ناحية.

من ناحية أخرى، هناك من وجد فيما حدث، فسحة للتنفيس عما يستبطنه من سلبية حيال ثقافة حقوق النساء وما يمارس عليهن من عنف وقهر وتمييز، وذلك بالتأكيد على عدم جواز نقل المشاكل خارج المنازل، فالبيوت أسرار، بل وتمادى آخرون قولا إن نشاط مراكز الدعم والإيواء ما هو إلا تجسس وتدخل في شئون الأسر وإنه مرفوض شرعا. مشاكل البيت تحل بالبيت وبالطرق التقليدية المتعارف عليها، وقيل أيضا إن النساء يخلقن المشكلات ولجوؤهن لهذه الدور والمراكز هو خروج عن القيم والأخلاق الإسلامية، لذا دعوا الرجال إلى تعزيز سلطتهن على النساء وردعهن وحماية سترهن بدل فسح المجال لهن للجوء إلى هذه المراكز وإفشاء أسرار البيوت.

هذا غيض من فيض، فهل يدرك من كشف مستور المعنفات في المؤتمرات الصحافية وعبر البيانات عن حجم الضرر الذي تكبدته المتضررات من العنف؟

ثم إذا كان الهدف «تقديم حماية لهن من العنف»، فعلام الخلاف أصلا؟

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 2585 - السبت 03 أكتوبر 2009م الموافق 14 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً