العدد 2629 - الإثنين 16 نوفمبر 2009م الموافق 29 ذي القعدة 1430هـ

استقالة عباس: نكتة ممجوجة!

محمد علي الهرفي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

اعتاد بعض الرؤساء العرب على إطلاق نكات - غير مضحكة - من النوع الذي أطلقه محمود عباس الذي أعلن وأكد أنه لن يترشح لولاية ثانية لأن طريق المفاوضات مع الصهاينة أصبح مسدودا ولأن وعود الأميركان لم يتحقق منها شيء!

ذكّرتني هذه النكتة بالنكتة التي أطلقها الرئيس اليمني علي عبدالله صالح والتي أكد فيها - مثل عباس - أنه لن يرشح نفسه لولاية جديدة لكنه لم يفعل وكان هذا من المؤكد عند معظم الناس وأنا أحدهم.

هذا النوع من النكت بدأه الرئيس جمال عبدالناصر، ثم بدأ بعض الرؤساء بتقليد تلك النكتة بصورة أو بأخرى، فبعضهم يؤكد عند بداية توليه الرئاسة بأنه لن يتولى الحكم إلا لولاية واحدة أو اثنتين على أكثر تقدير، ثم نراه يفعل كل المحرمات القانونية لكي يبقى حاكما مدى الحياة، فمن تزوير للانتخابات، ومن تغيير للقانون، ومن سجن لكل الخصوم، ومن كبت للحريات وغير ذلك من الأعمال لكي يضمن البقاء الأبدي وبدون أي منغصات.

البعض تمادى أكثر من ذلك فعمل على توريث أبنائه، ومهد لهم الأمر لذلك، فأصبحنا نرى «جمهوريات ملكية» ولكنها - كما يقولون - ديمقراطية بكل المقاييس! - طبعا مقاييسهم -!

أبومازن سيكون رقما بين هؤلاء، والطريق الذي سيسلكه سيكون نفس الطريق الذي سلكه سابقوه؛ مظاهرات شعبية منظمة ترفض فكرة استقالته لأنه الوحيد القادر على إنقاذ الشعب والدولة من الأخطار المحيطة بهم! الحزب سيرفض بدوره استقالة الرئيس! وأمام هذه الضغوط سيجد الرئيس الحنون أنه يستحيل عليه عدم الاستجابة لشعبه الكريم ومن ثم سيعدل عن الاستقالة ليواصل طريق النجاح الهائل الذي بدأه!

وأتساءل: كيف يمكن أن يصدق أحد أن عباس يفكر - مجرد تفكير - في الاستقالة وقد عمل كل شيء من أجل أن يبقى رئيسا؟! كيف يمكن أن يفكر في الاستقالة وهو مازال مستعدا لفعل أي شيء لكي يبقى رئيسا؟!

عباس قالها بصراحة: إن طريق المفاوضات أصبح مسدودا، وإن الأميركان يواصلون الضغط على الفلسطينيين وحدهم... فهل يتوقع عباس أن هذا الوضع سيتغير لو استقال أو عدل عن الاستقالة؟! هل يتوقع عباس أن أياديه البيضاء لدى اليهود والأميركان ستجعلهم يقدمون له شيئا يعيد له بعض الكرامة التي فقدها؟!

دعونا نرى... الرئيس شمعون بيريز قال لموقع «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني بعد إعلان عباس: «إن الجميع جرحه، نحن والأميركيون، لذلك فهو غاضب، ويجب الشروع في مفاوضات سياسية من أجل إبقائه في الصورة»! تخيل: مفاوضات فقط! ومن أجل إبقائه في الصورة فقط! ما الجديد إذن؟!

ورئيس وزراء «إسرائيل» وفي لقائه مع أوباما في واشنطن 9 نوفمبر/ تشرين الثاني وبحسب مصادر إسرائيلية إن نتنياهو حاول إقناع أوباما أن إعلان عباس بعدم ترشحه لرئاسة ثانية إنما هو خدعة تكتيكية وأنه لم يعد هناك من جدوى من تقديم هدايا مجانية له قبل أن يتخذ قرارا شجاعا ويدخل في مفاوضات بدون شروط!

الواضح أن «إسرائيل» لن تقدم شيئا له قيمة على الإطلاق، كل ما في الأمر استعدادها للتفاوض بدون شروط وهذا في مصلحتها؛ هي تفعل كل ما تشاء وتوهم العالم أنها منخرطة في المفاوضات فإذا امتنع الفلسطينيون عن المتابعة فهم السبب في تأخير عملية السلام!

بداية التمثيلية بدأت تتضح؛ فصناديد فتح أعلنوا تمسكهم بأبي مازن وأنه مرشحهم الوحيد، وبعض القادة العرب اتصلوا به لإقناعه بالعدول عن استقالته! طبعا هم يعرفون أنه لن يستقيل بطوعه واختياره لكن لابد من المضي في هذه اللعبة حتى النهاية.

اللافت للنظر أن أبومازن وبعد إعلان إصراره على عدم الترشح أعلن في لقاء مع قناة «أبوظبي» أنه متمسك بالمبادرة العربية بكل ما جاء فيها، وأنه ضد الاستيطان، ومع دولة فلسطينية ذات حدود ثابتة، لكنه أكد أنه ضد المقاومة - وسماها عنفا - ولست أدري كيف يقول كل ذلك الكلام وهو عازم على الاستقالة؟!

ظني أن أبومازن لن يستقيل؛ فالذي حارب المقاومة والمقاومين وشكل دوريات أمنية مع الصهاينة لا يمكن أن يستقيل، والذي شجع على حصار غزة، وأعلن الانتخابات من جانب واحد من المستحيل أن يفكر في الاستقالة.

أبومازن يقول: إن لديه خيارات أخرى قد يفعلها غير المقاومة، ويبدو من كلامه أنه متفائل بتلك الخيارات.

ليت أبومازن يدرك أن كل خياراته السابقة فاشلة ولكن بصدق وقناعة، وليته يتجه إلى خيار المقاومة وينسق مع كل الجماعات الفلسطينية ليكون لعملهم تأثير حقيقي.

سيعدل أبومازن عن استقالته... فليكن، لكن عليه أن يعدل أيضا عن قناعاته السابقة... عندها سيجد أن جميع الفلسطينيين سيكونون معه، وأن قلوب الآخرين ستقف معه كذلك... فهل يفعلها؟!

إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"

العدد 2629 - الإثنين 16 نوفمبر 2009م الموافق 29 ذي القعدة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:40 ص

      ولاية عباس منتهية الصلاحية منذ زمن

      العجيب في الأمر أن عباس انتهت ولاية ، ولا سلطة لها بحسب الدستور الفلسطيني ، لكن جامعة الدول العربية مددت له ! على حساب شعب كامل لو حق الاختيار ، وعاشت الديموقراطية المزعومة !

    • زائر 3 | 2:31 ص

      شكر أبا عبد الرحمن

      أبا عبد الرحمن .
      لا تلام عندما تنشر مقالاتك الرائعة خارج حدود المملكة ، وتحديدا في صحفنا المحلية ، التي جاءت في الترتيب الأخير في الحرية ! .
      صدقني لو أرسلت هذا المقال لأي صحيفة محلية لم ولن ينشر حتى لو ولج الجمل في سم الخياط !
      سددك الله ووفقك .

    • زائر 2 | 11:47 م

      الاعراب اشدكفرا من اليهود!!

      الحكام العرب قاطبة لايؤمنون باالشورى في الحكم ولا باالديموقراطيه ولابحكم الله وولا ولا و الف لا بل يجثمون على صدور شعوبهم ولايحركهم الا ملك المووووووووت ويأتي ابنه وهكذا حتى يرث الله الارض ومن عليها واليه المشتكى وحده.

    • زائر 1 | 10:30 م

      شتان بين الثرى و الثريا

      اخي العزيز عبدالناصر من رفع رأسكم يا عرب .
      و عبدالناصر من جعل لكم انتصارا .و عبدالناصر تنحى بمحض ارادتة . و لم يتكسب من قضية فلسطين مثل الباقين . و عبدالناصر رحل و لم يملك شيء من متاع الدنيا . و عبدالناصر الذي قال ما أخذ بالقوة لا يسترجع إلا بالقوه .فشتان بينة و بين الآخرين .و عبد الناصر مات برتبة مقدم و غيرة وصل إلى فريق . و كانت الرتب تحت يده . فأين الثرى من الثريا .

اقرأ ايضاً