العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ

وماذا عن مناهضة العنف ضد الفلسطينيات؟

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في حدث محلي، حرصت وسائل الإعلام الرسمية والدولية على إبرازه حين وقع رئيس وأعضاء مجلس الشورى خلال جلسته الأخيرة على مطوية خاصة بنبذ «العنف ضد المرأة»، وذلك بحضور الممثل الإقليمي لمكتب الأمم المتحدة الإنمائي والمجلس الأعلى للمرأة بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة والذي يصادف 25 نوفمبر/ تشرين الثاني. معلوم أن هذا الاحتفال يأتي في سياق الحملة العالمية التي أطلقها الأمين العام للأمم المتحدة «بان كي مون» تحت شعار «متحدون من أجل إنهاء العنف ضد المرأة».

في واقع الأمر، الحدث والمشهد يفرض على جميع الأطراف الاتفاق بدءا بأن ما تتعرض له النساء من عنف في محيط الأسرة والمجتمع يعد ظاهرة فاقعة في مجتمعاتنا المحلية وليس حالات كما يتخيلها البعض ويصر عليها، بل إن خطورتها تكمن في بعدها المستتر بما يتوافر لها من تسويغ وتبرير ورعاية في إطار الثقافة السائدة ومنظومة الأعراف والتقاليد. بيد أنه من الإنصاف أيضا الإشارة إلى أن المجتمعات العربية في العموم قد شهدت تطورا بنيويا في هياكلها الإدارية وتشريعاتها المناهضة لهذه الظاهرة سواء أكان ذلك باستحداث بعض التشريعات أو بالتوقيع على الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق المرأة والطفل، ومنها «اتفاقية السيداو» حتى وإن تمت بتحفظات على بعض بنودها أو تعالت بعض الأصوات لإلغائها، ومع ذلك فمن الأجدى في الوقت ذاته التنبه إلى ثلاث قضايا مفصلية وهامة، أولها غياب البيانات والإحصائيات الدقيقة والمتجددة التي تبرز مؤشرات الظاهرة، وأسباب هذا القصور بالطبع معروفة. ثانيها تتمثل في غياب القوانين والتشريعات التي تجرم ممارسة العنف الأسري تحديدا بل وتردعه وتوفر حماية آمنة للنساء من الوقوع فيه. الأهم من هذا وذاك، ثالثهما الذي غالبا ما يمضي عابرا دون أن يستوقفنا أو يرف جفوننا حتى وإن كشف عن وجهه القبيح، أعني بالطبع ما تعاني منه نساء فلسطين من عنف تحت الاحتلال وأثناء العدوان والاعتقال.

من المدرك أن الفلسطينيات يتحملن بصورة مباشرة وغير مباشرة نتائج الاحتلال بسبب الانتهاكات اليومية للحقوق الفلسطينية الإنسانية وتوسع العدو في بناء المستوطنات، فضلا عن تفاقم ظاهرة الفقر والبطالة والمشاكل الصحية، إلى جانب حظر التجول الذي يضطر العشرات منهن للولادة عند نقاط التفتيش وقارعة الطريق وفقد أطفالهن بسبب منعهن من المرور وعجز الآلاف منهن من الوصول إلى المرافق الطبية للحصول على الرعاية السابقة واللاحقة للولادة. المأساة تكشف عن أنيابها أيضا بسبب الحصار المفروض وقيوده على الأراضي المحتلة وقطاع غزة، ما يؤدي إلى إضعاف آليات الحماية التي تحد من قدرة الفتيات المعرضات لخطر القتل والأذى جراء «جرائم الشرف» من اللجوء إلى مراكز الحماية إن وجدت ولم يقصفها طيران العدو، إضافة إلى ظاهرة إفلات الرجال من هذه الجرائم مما يشجع على ارتكابها لاسيما وإحصائيات من يتعرضن منهن لهذه الجرائم غير متوافرة، إذ لا يتم التبليغ عنها إلا كحالات وفاة عرضية أو انتحار، ويحدث أن مجرد الشكوك والشائعات حول أن الابنة أو الشقيقة قد تصرفت بنحو يلطخ شرف العائلة وإن لم يكن صحيحا أو ممن يتعرضن للاغتصاب ما يكفي لارتكاب «جريمة القتل» بحقهن. بين أحد الاستطلاعات التي جرت في 2007 وشمل (1200) شخص أن لديهم موقفا مرتبكا تجاه العنف ضد النساء، وأبدى (36.8 في المئة) تفهمهم لبعض حالات ضرب المرأة التي لم تعتني بأطفالها و(37.9 في المئة) في حالة خروجها من بيت الزوج من غير علمه و(30.5 في المئة) من المبحوثين تفهموا لعملية القتل التي تتم على خلفية ما يسمى بـ «شرف العائلة» (انظر: مواقف وقضايا من حقوق المرأة الفلسطينية في «إسرائيل»، فبراير/ شباط 2007، موقع أمان الالكتروني)، ما يعكس التأثير القوي للثقافة السائدة والقيم والأعراف على تشكل هذه المواقف والاتجاهات.

ثمة أمر آخر يشي بعمق معاناة الأسيرات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، وخصوصا منهن الأمهات اللاتي أنجبن في ظروف الأسر القاسية أو تركن أطفالهن دون رعاية، وبعضهن طالبات وفتيات قاصرات دون سن 18 عاما، وأخريات يعانين من أمراض خطيرة يتم تهديدهن وتُساء معاملتهن بممارسة الضغط على أزواجهن لتسليم أنفسهم أو للتوقيع على الاعترافات، فضلا عما يتعرضن له من ضرب أو صفع أو لكم وتحرش واعتداء جنسي وتهديد بهدم منازل العائلات وإصدار أحكام طويلة ومؤبدة بالسجن عليهن وتهديدهن بجلب أطفالهن للاستجواب، فبيانات منظمة العفو الدولية تفيد في هذا الصدد أن قوات الاحتلال الإسرائيلي اعتقلت منذ العام 1967 أكثر من (10,000) فلسطينية (800) منهن تعرضن للاختطاف (انظر: وثيقة رقم 2005/016/15 MDE، مارس/ آذار 2005 صفحة 5).

كما لاحظ دعاة حقوق المرأة اقتران مستوى زيادة العنف والتهديد الذي يتعرض له الفلسطينيون على يد الجيش الإسرائيلي بزيادة ممارسة العنف على المرأة الفلسطينية في المنزل خلال الانتفاضتين الأولى والثانية وأثناء العدوان الصهيوني على غزة، خصوصا وتقارير الأمم المتحدة تشير إلى التأثير الشديد على الفلسطينيات بسبب هدم المنازل وبزيادة حدة التوتر داخل العائلات المتضررة مما يزيد من مظاهر العنف الأسري، كما بين مسح لصندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة شمل (1100) أسرة في غزة بعد الحرب الأخيرة، زيادة حدة العنف خلال الحرب وبعدها وارتفاع حالات الطلاق، وإن نحو (60 في المئة) من المبحوثات تعرضن للعنف الجسدي أو اللفظي، وأغلبهن يعشن في بيت العائلة الممتدة لأزواجهن بسبب تدمير «إسرائيل» لمنازل الآلاف من عائلتهن، فضلا عن معاناة الكثيرات من الزيجات القسرية أو المبكرة وتعدد الزوجات وغالبا ما تتعرض الزوجات اللواتي استشهد أزواجهن للضغط عليهن من أجل الزواج من شقيق الزوج لاسيما إذا كان لديهن أطفال. (انظر المصدر السابق - موقع أمان الالكتروني).

لهذا واستنادا على ما ورد، تحقيق شعار «متحدون من أجل إنهاء العنف ضد المرأة»، لا يمكن تحقيقه إلا باعتماد مبادئ الشراكة والتكامل بين العمل المحلي والدولي، الرسمي والأهلي الجاد في مضمونه ومحتواه بما يتطلبه من تحالفات، لاسيما وظاهرة العنف ضد النساء تعد ثقبا أسودَ في مجتمعاتنا وهي أحد أخطر الأمراض الاجتماعية الفتاكة التي تعبر عن تراجع في التزام القيم الإنسانية والأخلاقية، أما ما يحدث من عنف على المستوى الفلسطيني فهو بحق كارثة إنسانية تعاني منها الفلسطينيات بشكل مزدوج في ظل الاحتلال الذي يجعله أشد مأساوية وأقبح وجها، هذا يفرض على المؤسسات الدولية والأنظمة العربية وشعوبها مسئولية أخذ زمام المبادرة لمواجهة واقع الاحتلال الصهيوني وانتهاكاته والتصدي له على كل المستويات عوضا عن الدفع باتجاه التفريط بالحقوق الفلسطينية والتطبيع مع كيان العدو.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً