العدد 2644 - الثلثاء 01 ديسمبر 2009م الموافق 14 ذي الحجة 1430هـ

العلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

تنعقد قريبا في الكويت القمة الدورية لمجلس التعاون الخليجي والتي تتطلع إليها الجماهير والنخب الخليجية باهتمام كبير وخصوصا في ظل ظروف خليجية وعربية ودولية حرجة على الصعد الاقتصادية والأمنية والسياسية.

ومن المواضيع التي ستناقشها القمة المفاوضات ما بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي الذي أنجز للتو دستوره وانتخب رئيسه وهو تطور مهم في مسيرة الاتحاد، والتي ستنعكس على مسار المفاوضات الجارية ما بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي للتوصل الى اتفاقية تجارة حرة (FTA) هي مستمرة منذ العام 1993 دون التوصل الى اتفاق.

وتجري مراجعة المفاوضات مرة في شهر أبريل/ نيسان من كل عام في اجتماع مشترك على مستوى وزراء الخارجية بالتناوب ما بين بروكسل وعاصمة خليجية وآخرها في مسقط في 2009، حيث أبدت دول مجلس التعاون تذمرها بل عدم إصرارها على عقد اتفاق، والاكتفاء بالعلاقات الحالية.

أما أهم العقبات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق فهي من وجهة نظر الطرفين كما يأتي:

أ‌- مجلس التعاون الخليجي:

1 . الاتحاد الاوروبي يتحسس قضايا حقوق الانسان، وحقوق العمال المهاجرين، استنادا إلى قيم أوروبية دون مراعاة الخصوصية الخليجية.

2 .إن الاتحاد الاوروبي يصر على وضع تعرفات جمركية عالية على النفط والغاز والبتروكيماويات ويفرض حصصا لكل بلد خليجي وهي أهم صادرات مجلس التعاون.

-3 إن الاتحاد الاوروبي يرغب في أن يشمل اطار الاتفاق دور لمنظمات المجتمع المدني.

ب - الاتحاد الأوروبي:

1. إن احترام حقوق الإنسان بما في ذلك حقوق العمالة المهاجرة للاطراف المتعاقدة منصوص عليها في نظام الاتحاد واشتراطات عقد اتفاقيات التجارة الحرة.

2. إن التعرفة الجمركية العالية المفروضة على البتروكيماويات يمكن ان تخفض تدريجيا.

3. إن دور منظمات المجتمع المدني في إطار الاتفاق معمول به مع الآخرين مثل الشراكة الاورومتوسطية.

أما نمط العلاقة القائم فهو كما يأتي:

1. وجود سفير للاتحاد الأوروبي لدى مجلس التعاون الخليجي في الرياض مقر الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي، ووجود سفير لمجلس التعاون الخليجي في بروكسل مع طاقم محدود لكل من السفارتين.

2. تبادل ثقافي محدود بين مجلس التعاون والاتحاد الاوروبي.

3. قرب شمول مجلس التعاون ببرنامج إيراسموس العلمي ويستفيد منه طلبة الدراسات العليا.

4. هناك اتفاقات تعاون في ميادين التجارة والاستثمار والتعليم والثقافة والصناعة والملاحة ومنع الازدواج الضريبي ما بين دول مجلس التعاون ودول الاتحاد الاوروبي منفردة، حيث يمثل الاتحاد الاوروبي المصدّر الأول لدول مجلس التعاون، كما يمثل مجلس التعاون المصدّر الأول للاتحاد، وخصوصا النفط والغاز والبتروكيماويات.


الأزمة الاقتصادية والمالية وانعكاساتها على العلاقات:

انعكست الأزمة الاقتصادية والمالية أولا في الولايات المتحدة ثم انتقلت الى أوروبا، وكان لهذه الأزمة انعكاسات أيضا على العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون وهي بالإجمال تتعلق بعدد من القضايا أهمها:

1. ان الصناديق السيادية في دول المجلس تستثمر المليارات في سندات الخزانة الاميركية.

2. ان الصناديق السيادية لدول المجلس لها استثمارات في البنوك والشركات والعقارات الاميركية والاوروبية وهي مترابطة.

3. ان للمستثمرين الخليجيين استثمارات في البنوك والشركات والعقارات وحتى الاندية الرياضية والبورصة الأميركية والاوروبية، كما ان كثيرا من صناديق الاستثمار وودائع البنوك الخليجية مودعة في البنوك الاميركية والاوروبية.

4. باستثناء الكويت، فإن العملات الخليجية مثبتة بسعر الدولار.

انعكست الأزمة الاقتصادية والمالية في الولايات المتحدة على دول المجلس دولا وشركات وأفرادا وكانت انعكاساتها السلبية كما يأتي:

1. اندثار قسم كبير من قيمة هذه الاستثمارات وخصوصا في البنوك والشركات والعقارات.

2. اندثار قسم من صناديق الاستثمار وودائع البنوك والافراد في البنوك الأميركية والأوروبية.

3. مع هبوط قيمة الدولار فقد انخفضت القدرة الشرائية للعملات الخليجية.

4. مع تخفيض سعر الفائدة لبنك الاحتياط الفيدرالي الاميركي وكذلك اسعار الفوائد للبنوك الاميركية، فقد تراجعت مداخيل السندات والودائع الخليجية.

5. افلاس بعض البنوك الخليجية مثل بنك أوال واندثار قسم كبير من رأس مال المؤسسة المصرفية العربية وموجودات بنوك اخرى.

ومع انتقال الازمة الاقتصادية والمالية الاميركية إلى اوروبا، فقد انتقلت الازمة إلى أوروبا والتي ترتبط بدول مجلس التعاون بروابط اقتصادية ومالية كبيرة، وخصوصا أنه بعد احداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، فقد انتقل قسم كبير من الاستثمارات الخليجية من الولايات المتحدة إلى أوروبا.

1. ان للصناديق السيادية الخليجية استثمارات كبيرة في البنوك والشركات والعقارات في اوروبا وخصوصا في المملكة المتحدة وفرنسا وإيطاليا وألمانيا وهولندا وسويسرا وغيرها.

وكما نعرف فقد لحقت بكثير من هذه البنوك والشركات خسائر ضخمة مثل شركة أوبل ورويال بنك استكتلندا وبنك باركليز وكذلك الأمر بالنسبة لكثير من الصناديق وقد تسبب ذلك في خسائر كبيرة للصناديق السيادية والبنوك الخليجية والشركات والأفراد.

2. انعكست الأزمة على أسعار السلع الرئيسية التي تصدرها دول المجلس إلى الاتحاد الاوروبي وخصوصا النفط والغاز (وإن تحسنت أسعاره قليلا) والبتروكيماويات ومنتجات الألمنيوم، وقد انعكس ذلك سلبا على مداخيل الدول والشركات الى حد أن أكبر شركة خليجية غير نفطية مثل سابك (شركة الصناعة الاساسية السعودية) سجلت خسائر لأول مرة في تاريخها وكذلك الأمر بالنسبة لشركات الالمنيوم والبتروكيماويات.

3. إن هناك أزمة كبيرة في قطاع البنوك والمال، فهناك بنوك أفلست مثل بنك أوال والشركة الاستثمارية المالية العالمية في البحرين وجرى تعويم المؤسسة المصرفية العربية من خلال ضخ رأس مال جديد من قبل الدول المالكة وكثير من البنوك قلصت من عملياتها واستغنت عن عدد كبير من موظفيها وخصوصا في البحرين.

4. هناك هبوط شديد في قطاع العقارات يتمثل في تباطؤ بناء العقارات وتجميد مشاريع عقارية كبرى، وانخفاض شديد في قيمة العقارات والايجارات بما له من عواقب وخيمة على نشاطات اقتصادية مثل قطاع التشييد والسياحة والتأجير. وتمثل دبي نموذجا لانهيار قطاع العقارات؛ ما ادى الى تراكم الديون والتي بلغت ما لا يقل عن 80 مليار دولار على دبي وحدها وعجزها عن السداد.

الاتحاد الأوروبي يستنجد بمجلس التعاون:

1. مع تفاقم الأزمة في أوروبا فقد وجد الخليجيون دولا وشركات وأفرادا أنفسهم في مأزق. لقد وجدوا ان استثماراتهم تتبخر مع انهيار بعض الشركات الاوروبية، أو أنها تندثر تدريجيا. والمطلوب منهم ضخ استثمارات جديدة لإنقاذ هذه البنوك أو الشركات، وبالفعل فقد اضطر صندوق أبو ظبي إلى ضخ أموال في استثمارات اوروبية، وكذلك كبار المستثمرين مثل الوليد بن طلال (شركة المملكة القابضة).

2. جرى إدخال السعودية ضمن مجموعة العشرين، وشاركت في اجتماعي لندن وبتسبورغ ويستهدف ذلك تحميلها مسئولية المشاركة في إنقاذ الاقتصاد الأميركي والأوروبي.

3. أرسل الاتحاد الأوروبي ودول الاتحاد وفودا على مستوى عال مثل زيارة جوردن براون، وساركوزي ومفوضية الاتحاد الأوروبي للعلاقات الخارجية فيرارو. وكانت الرسالة التي يحملها هؤلاء هي ضرورة ان تساهم دول مجلس التعاون من خلال صناديقها السيادية في ضخ استثمارات في البنوك والشركات الاوروبية المتعثرة وهو ما طالب به الرئيس اوباما ايضا خلال زيارته للسعودية. وقد استطاع ساركوزي ان ينتزع صفقة عسكرية ضخمة بانشاء قاعدة عسكرية وتزويد ابو ظبي بمعدات وتجهيزات عسكرية جوية وبحرية وبرية.

4. هناك بالطبع فرص استثمارية جيدة لاحت للمستثمرين الخليجيين خصوصا الصناديق السيادية في اكتساب اصول في شركات متعثرة او تواجه صعوبات وخصوصا في قطاع صناعة السيارات والبنوك وشركات الطيران.


الاستخلاص:

1. إن الاتحاد الاوروبي وهو يتفاوض مع مجلس التعاون الخليجي ينطلق من موقف موحد ومنسق مدعوم من قبل جميع دول الاتحاد الاوروبي حكومات وقطاع خاص وبرلمانات، وبفرق مفاوضات متمكنة وعلى معرفة جيدة بالمواضيع التي يجري التفاوض فيها.

2. ان مجلس التعاون وهو يتفاوض فإنه لا ينطلق من موقف موحد. ففي حين يحبذ الاتحاد الاوروبي توصل المجلس الى سوق خليجية مشتركة فعلية، فإن ذلك لم يتم فعليا، وهناك تناقضات في اولويات الدول، إذ إن السعودية والامارات وعمان مثلا تعارض تماما تضمين الاتفاق حقوق الانسان كما ان اهمية الصادرات الخليجية تتفاوت من بلد لآخر، كما ان استمرار ارتباط العملات الخليجية ما عدا الكويت بالدولار لا يساعد في التوصل الى اتفاق.

3. ان مصالح الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والتجارية مصانة سواء تم التوصل الى اتفاق ام لم يتم، لكن التوصل للاتفاق أفضل لمصلحة الطرفين.

4. في حين ان الاتحاد الاوروبي يحبذ وإن لم يكن لجعله شرطا لازما، بمشاركة المجتمع المدني في اطار الاتفاق، فإن ذلك يسجل لصالح الاتحاد، وبالفعل فقد استدعيت وفود اهلية خليجية لمقر الاتحاد. في حين ان دول مجلس التعاون يستبعد تماما أي دور للمجتمع المدني. فكما نعرف فهناك البعض ممن يسمح بوجود جمعيات أهلية ونقابات بقيود في حين انه حتى وجود الجمعيات ممنوع أو مقيد بشدة عند البعض. أما الأحزاب فهي محرمة باستثناء البحرين حيث هي مقيدة بشدة وفي الكويت توجد كأمر واقع... وحتى قطاع رجال الأعمال الخليجيين ممثلا بغرف التجارة، فهم مستبعدون من المفاوضات.

في ضوء ذلك فإنه لا يتوقع التوصل سريعا إلى اتفاق تجارة حرة لكن المفاوضات ستستمر ويمكن توسعة التعاون الحالي. ومما يفاقم الأمر أن مجلس التعاون يعاني من اهتزازات جديدة أبرزها الأزمة المتفجرة ما بين السعودية والامارات، وأزمات صامتة مع الدول الأخرى، والحرب الأهلية في اليمن وأزمه دبي وانسحاب عمان والامارات من مشروع العملة الخليجية المشتركة بحلول 2010.

وهذه الأزمات مرشحة للتفاقم في ضوء غياب استراتيجية خليجية جماعية لمعالجتها، والاستمرار في سياسات تقليدية وذاتية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 2644 - الثلثاء 01 ديسمبر 2009م الموافق 14 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً