العدد 2722 - الأربعاء 17 فبراير 2010م الموافق 03 ربيع الاول 1431هـ

اقتصادات النخلة: صناعة الجريد

سنتناول في هذا الجزء أهم الصناعات التي اعتمدت على جريد النخيل. فبعد قطع السعف من النخيل يجرد من الخوص ثم يترك ليجف, بعدها يمكن الاستفادة منه بثلاث طرق: إما أن يستخدم الجزء بأكمله دون تقطيع وهو ما يسمى بالگادوف والذي يتكون من الجريدة والقذف, أو أن تستخدم الجريدة فقط بعد قطع القذف, والطريقة الثالثة وهي التي يستخدمها القفاص وتعتمد على تقطيع الجريد إلى أعواد مع تحديد سمك العود ومن ثم ثقب تلك الأعواد (إن كان العمل يحتاج إلى ذلك) وتركب الأعواد مع بعضها البعض لتكوين أدوات مختلفة. وسوف نتناول تلك الطرق الثلاث بالتفصيل.


أولا: القادوف أو القافود

الگادوف (القادوف) ويسمى في الكويت الگافود (القافود) وهو عصا السعفة بعد أن تجرد من الخوص والأشواك النابتة عليها. وتبدو هذه العصا مستقيمة في أولها (وهو الجزء المسمى بالجريدة) ومعقوفة في آخرها (وهو الجزء المسمى بالقذف). ومن أهم استخدامات القادوف بشكله الكامل دون تقطيع:

1 – صناعة الفرتة أو الورجية

وهي قارب صغير يصنع من جريد النخل وذلك باستخدام القطعة بأكملها دون تقطيع أي ما يسمى قادوف، وربما يقطع الجزء الطرفي المتضخم في نهاية القذف وقد ذكرنا تفاصيل صنع هذه القوارب في جزء ثقافة البحر.

2 – لعبة «الحمارة»

يسميها البعض في البحرين القادوف وتسمى أيضا «الحمارة» وآخرون يسمونها «الجحش» و»الجحيشة» والأسماء الثلاثة الأخيرة معروفة في شرق الجزيرة العربية لهذه اللعبة بينما تسمى في الكويت الگافود (القافود). وهذه اللعبة عبارة عن قادوف يربط فيه حبل قصير عند آخره في نهاية طرف القذف، والبعض يقوم بتزيينه بمواد مختلفة وعادة يتم التزيين بخيوط أو بقايا خرق على شكل مثلثات, ويلعب الطفل هذه اللعبة وذلك بركوبه فوق العصا، ويمسك بيده عصا قصيرة ويأخذ بالجري وهو يضرب الحمارة أي القادوف متوهما أنها ستجد في السير وهناك من يعيش الدور وكأنه يركب حمارا حقيقيا فيردد قائلا «حي وعزر يا حمارتي» وهي جملة تقال للحمار ليجد في السير.

ثانيا: صناعات الجريد

الجريدة هي الجزء المستقيم من سعفة النخيل بعد أن يتم تجريدها من الخوص وقطع الجزء المعقوف منها وهو القذف, وقبل العمل بالجريد يتم أولا تحضير الجريد بصورة معينة وهي عملية تمر بمراحل عدة تبدأ بجمع السعف أو الجريد وقطع القذف منه, ومن ثم يتم غمر الجريد في الماء (تنقيعه) لمدة يومين, بعدها ينظف السعف من أوراقه ويجفف تحت أشعة الشمس لمدة يومين أو أكثر بعد ذلك يمكن الاستفادة من الجريد في العديد من الصناعات منها:

1 – صناعة الحظرة

وهي إحدى أنواع مصائد صيد الأسماك وقد ناقشناها بالتفصيل في جزء ثقافة البحر.

2 – الزفن

وهو سور مصنوع من الجريد المربوطة مع بعضها بالحبال, وقد ناقشنا صناعة الزفن وكيف يستخدم في صناعة رادة العريش وكذلك في صناعة الغميلة وذلك في فصل بناء العريش.

3 – الدجينة أو الفرتية

وهي عبارة عن سطح أو حصير مصنوع من الجريد ومربوط بالحبال وتستخدم هذه الدجينة في عدة أمور منها

أ – في المدبسة

حيث توضع الدجينة كغطاء لقنوات المدبسة ويوضع جلال التمر فوق الدجينة وقد ناقشنا ذلك في الحديث عن المدبسة.

ب – السرير أو السجم

تستخدم دجينة مصنوعة من عدد من الجريد كسطح توضع طوليا على السرير أو السجم وتربط مع بعضها بالحبال. والسرير عبارة عن أربعة أعمدة خشبية متصلة من أعلاها بأخشاب أفقية وتوضع (الفرتية) أو (الدجينة) على أخشاب السرير العلوية ويوضع الفراش على الفرتية.


ثالثا: منتجات القفاص

القفاص هو الشخص الذي يقوم بصناعة أدوات مختلفة من جريد النخل. وتعتبر هذه المنتجات من السلع المهمة التي كان يستخدمها الناس في معيشتهم اليومية سواء لاستخدام المنازل أو الأنشطة التجارية. ويستخدم القفاص في إنتاجه مادة خامة أساسية وهي جريد النخل. فيقوم بشراء السعف, ومن ثم تنظيفه من الخوص وقطع الكرب, بعد ذلك يقوم بغمر الجريد في الماء وتجفيفها تمهيدا للاشتغال بها وهي نفس الخطوات المتبعة في تحضير الجريد المذكورة سابقا, وبعدها تزال القشرة الخارجية للجريد ومن ثم مرحلة التقطيع والتخريم، والتجميع النهائي. ويعتمد القفاص في صناعة جميع منتجاته من أدوات على جريد النخل فقط دون أن يدخل فيها أية مسمار أو مادة أخرى، وإنما تثقف الجريد أو العصي ويشبك بعضها في بعض بإدخال رؤوسها خلال تلك الثقوب، وبحسب المقاسات والأحجام ونوعية الظرف المصمم من أجله. ويراعي القفاص في صناعته طول العود وقوته بحيث توضع عوارض في الهيكل لتقلل من نسبة المتانة (الطول/ نصف القطر) مما يساعد على جعله مترابطا. فمثلا قفص الرطب يوجد به عارض أو عارضين في وسطه يكونان مع قاعدتيه العلوية والسفلية مسافات متساوية، يكون الفراغ بينهم ما يعرف بالدجن (وحدة قياس حجم شعبية للقفص) لذلك نرى أن قفص الرطب يتكون من دجنين أو ثلاثة.


أدوات القفاص

يستخدم القفاص مجموعة من الأدوات التي يستخدمها في تقطيع وثقب الجريد إذ يستخدم في عملية القطع الساطور, ثم تعلم مواقع الثقوب المراد ثقبها على قطعة الجريد وذلك بأداة تسمى النيشان أو (المعلم)، وهي عبارة عن مسمار حديدي بمقبض خشبي, ومن ثم تبدأ عملية الثقب إذ يستخدم فيها أداة تسمى «مجوب» وهي عبارة عن آلة على شكل قلم سميك مجوف حاد في طرفه السفلي, وهذه اللفظة ورد ذكرها في معاجم اللغة، جاء في تاج العروس:

«الجَوْبُ: الخَرْقُ والنَّقْبُ كالاجْتِيَابِ جَابَ الشيءَ جَوْبا واجْتَابَه: خَرَقَه، وكُلُّ مُجَوَّفٍ قَطَعْتَ وَسَطَه فَقَدْ جُبْتَهُ....والمِجْوَبُ: الذي يُجَابُ به، وهي حَدِيدَةٌ يُجَابُ بهَا أَي يُقْطَعُ».

ويقال أيضا مجواب وقد جاء في مادة ثطب من المعجم ذاته:

«الثُّنْطُبُ، كَقُنْفُذٍ أَهْمَله الجَوْهريُّ، وقال ابنُ الأَعْرَابِيِّ: هو مِجْوَابٌ وهو آلَةُ الخَرْقِ الَّتِي يَخْرِقُ بِهَا القَفَّاصُ الجَرِيدَ والقَصَبَ ونَحْوَه للاشْتغَالِ، ولم يَذْكُرْهُ المُصَنِّفُ في ج و ب، كأَنَّهُ لِشُهْرَتِه، قاله شَيْخُنَا، واللهُ أَعْلَمُ.»

ويمتلك القفاص أحجاما مختلفة من المجوب ويَستخدم كلا منها حسب سعة الثقب المطلوب صنعه. وأثناء عملية الثقب يستخدم القفاص قطعة من جذع شجرة أو قطعة من الخشب يستخدمها كسندانة، إذ توضع قطعة الجريد على السندانة ويوضع طرف المجوب الحاد عليها ويطرق بمطرقة خشبية بعدها يحرك المجوب لإزالة بقايا الجريد من الثقب.


منتوجات القفاص

1 – أقفاص

تعتبر الأقفاص المنتج الأساسي ومنها جاءت تسمية صاحب المهنة, ويصنع القفاص أقفاصا مختلفة الأشكال والأحجام لمختلف الأغراض, منها ما يكون خاصا للطيور يكون به باب قابل للفتح والغلق, وهناك أقفاص خاصة بنقل الفواكه وأواني «الحليلب», ويعمم اسم الرك على قفص الفواكه وخاصة الخاص بالرطب وجمعه ركوك, أما بالنسبة للأشكال فهناك المربع وهناك ما يكون على شكل مخروطي مقلوب قاعدته مربعة ويستخدم في نقل وتسويق الرطب.

2 - المنز

المنز أو المهد أو سرير الطفل وهو عبارة عن قفص من الجريد مستطيل الشكل ليس له قاعدة في أسفله بل تكون القاعدة في المنتصف تقريبا وبذلك يقسم المهد لقسمين, قسم علوي يوضع عليه فراش الطفل أما القسم السفلي وهو الفراغ الذي ما بين الأرض أو المستوى الذي يوضع فيه وأرضية المنز فيستخدم كمستودع لملابس الطفل. وقد وردت كلمة المنز في معاجم اللغة إذ جاء في تاج العروس:

«المِنَزُّ، بكسر الميم: المَهْد مَهْدُ الصَّبيِّ، سُمِّي بذلك لكَثرَة حَرَكَتِه».

أي أن اللفظة أخذت من عملية هز الطفل وهو داخل المنز إذ تقوم الأم بهز المنز وهي تقول بعض الأهازيج الشعبية كي ينام.

3 – المبخرة أو العمارية:

هي ذلك الحامل الهرمي الذي توضـع فوقه الملابس لتتشبع بعبق روائح البخور المنبعث من أسفلها, وتُصنع من جريد النخل إذ تُجدل شرائح الجريد وتُشَبَّك بشكل هندسي يترك فتحات سداسية لها فائدتها في تمرير رائحـة البخور. ويُشَكَّل من ذلك أربع قطع مثلثة الشكل تُجمع لتُثَبَّت على أربع قوائم قويّـة من جريد النخل بطول ذراع ونصف الذراع، ثم يُضاف إليها حلقات خارجية من الجريد لتزيد في التماسك والتثبيت، وتغـدو بعدها جاهزة للتبخير بشكلها الهـرمي المفتوح من الأعلى والمستند على أربع قوائم ترفعـه عن مستوى الأرض.

العدد 2722 - الأربعاء 17 فبراير 2010م الموافق 03 ربيع الاول 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً