العدد 2750 - الأربعاء 17 مارس 2010م الموافق 01 ربيع الثاني 1431هـ

علي سلمان: النظريّة الحجاجية في البلاغة العربية تكاد تكون مفقودة

مركز كانو الثقافي يقرأ «درس» الحِجَاج في الثقافة العربية... الباحث التونسي عبدالله صولة نموذجا

عقد مركز كانو الثقافي ندوة فكرية تحت عنوان «الحجاج في الثقافة العربية عبدالله صولة نموذجا: شهادات في الرجل والمشروع» وقدمت خلال الندوة مجموعة من الأوراق العلمية في قراءة مشروع الحجاج منطلقة من جهود الباحث التونسي الراحل عبدالله صولة وذلك كلمسة وفاء للرجل على جهوده في درس الحجاج، كما قدمت شهادات في المشروع الفكري للباحث عبدالله صولة، أدار الندوة الأكاديمي التونسي محمد النويري، وشارك فيها كل من الباحثين سامي الرحموني، وتوفيق الدعجي، علي سلمان، وصابر حباشة، والأكاديمي علي عمران ومحمد الكحلاوي بورقتين مصاحبتين، وعلى هامش الندوة دارت مجموعة من الحوارات المثرية، حضر الندوة السفير التونسي خالد زيتوني ومجموعة من المهتمين والمثقفين ورواد مركز كانو الثقافي.

وفي مداخلته قدم الأكاديمي علي سلمان ورقة قرأ من خلالها مشروع عبدالله صولة في الحجاج، مشيرا إلى أن قراءته للحجاج تنطلق في ثلاثة أطر هي الحجاج أطره ومنطلقاته وتقنياته عبر «مصنف في الحجاج - الخطابة الجديدة» لبيرلمان وتيتيكاه. ثم الحجاج في القرآن الكريم من خلال أهم خصائصه الأسلوبية. ثم البلاغة العربية في ضوء البلاغة الجديدة أو الحجاج.

وأشار سلمان إلى أن صولة درس الحجاج دراسة «استيمولوجية» إذ رجع إلى جذوره في التراث اليوناني ودرسه عند فلاسفة اليونان وعلى الأخص أرسطو، الذي يعرّف الخطابة بأنها «الكشف عن الطرق الممكنة للإقناع» وهذا الإقناع يتوقف عند أرسطو على ثلاثة أركان:

أولا: أخلاق القائل، وهو ما يمكن أن نسميه بحجّة «الإيتوس»، وثانيا تصيير السامع في حالة نفسيّة ما، وهو ما يمكن أن ننعته بحجة «الإيتوس»، وثالثا: القول نفسه من حيث هو يثبت أو يبدو أنّه يثبت وهو ما يمكن أن ننعته بحجة «اللوقوس» أي الكلام والعقل.

وأضاف سلمان أن صولة عند دراسته للحجاج عند اليونان تنبّه إلى أمرين في غاية الخطورة، الأوّل: أنّ الحجاج حجاجان: الحجاج الذي ينطلق من مقدمات مغالطية، والذي يسمّى بالحجاج السوفسطائي، الذي يسعى إلى غاية نفعية آنية لتحقيق نجاحات في الحياة، والحجاج الذي ينطلق من المقدمات المشهورات والمظنونات وغايته إثبات الحق وتحقيق الخير والجمال.

الأمر الثاني: هو أنّ ثمّة فرقا جوهريّا بين البرهان والحجاج، إذ البرهان يعتمد على مقدمات يقينية، ومن ثم فإنّ نتائجه يقينية، أمّا الحجاج فإنّ مقدماته ظنّية ومن ثم فإنّ نتائجه ظنية.

ثم إنّ صولة قرأ الحجاج في البلاغة العربيّة، فوجد إشارات هنا وهناك عند الجاحظ وغيره من البلاغيين لا تفي بالغرض المطلوب، لماذا؟ لأنّ الجدل دُرس عند المسلمين في الفلسفة والمنطق وعلم الكلام، ولم يدرس في البلاغة.

ملخّص القول إن النظريّة الحجاجية في البلاغة العربيّة تكاد تكون مفقودة؛ لأنّ الإشارات التي وردت عندهم على استحياء في أبواب الجدل، والمذهب والكلام، والاستدلال وغير ذلك لا تنهض في تكوين نظرية قادرة على الاشتغال في تحليل النصوص. وعزوفهم عنه له مبررات لا يمكن فهمها إلا في سياقها الثقافي والحضاري آنذاك.

وتوقف سلمان عند صولة وقراءته للحجاج عند المحدثين: من خلال بيرلمان وتيتيكاه، أوسكوبر وديكرو، والحجاج عند مايير.


أولا: بيرلمان وتيتيكاه

درس صولة كتاب «الخطابة الجديدة» للمؤلفين وتوصل إلى أنّ «أهم غاية يرمي إليها هذا الكتاب هي إخراج الحجاج ـ الذي هو عند المؤلفين سليل الخطابة والجدل معا ـ من تهمة المغالطة والمناورة والتلاعب بعواطف الجمهور وعقله. كما عمدا إلى تخليصه من صرامة الاستدلال، الذي يجعل المتلقي في وضع خضوع واستلاب.

لأنّ الحجاج عندهما معقولية وحريّة، وهو حوار من أجل حصول الوفاق بين الأطراف المتحاورة. لذا عرّفا الحجاج بـ «درس تقنيات الخطاب التي من شأنها أن تؤدي بالأذهان إلى التسليم بما يعرض عليها من أطروحات أو أن تزيد في درجة ذلك التسليم».

وأنجع الحجاج عندهما هو ما وفّق إلى تقوية حدة الإذعان بالشكل الذي يدفع المتلقي نحو إنجاز المطلوب أو الإمساك عنه.

كما أن الحجاج عندهما يختلف عن الخطابة من وجهين:

1- نوع الجمهور: جمهور الخطابة جماعة تستمع إلى خطيب، أمّا جمهور الحجاج فيمكن أن يكون عاما حاضرا أو غائبا، كما يمكن أن يكون منشأ الحجاج بين شخصين اثنين متحاورين أو بين المرء ونفسه.

2- نوع الخطاب: الخطابة انحصرت فيما هو شفوي، أمّا الحجاج فيمكن أن يكون منطوقا ويمكن أن يكون مكتوبا، وهي تلح على المكتوب أكثر من المنطوق.


ثانيا: أوسكوبر وديكرو

- حصر الباحثان درس الحجاج في نطاق دراسة اللغة لا في البحث عمّا هو واقع خارجها.

وأكدا أهمية العوامل الحجاجيّة في توجيه الملفوظ نحو المقاصد، واللغة عندهما كلّها حجاج.


ثالثا: الحجاج عند مايير:

الخطاب مسرح تتحاور على ركحه الأطراف وتتفاوض، وآية ذلك أنّ الكلام بانقسامه عند التخاطب إلى صريح وضمني يكون نصفه للمتكلم وهو النصف المصرح به، ونصفه للسامع وهو النصف الضمني. «إن ظاهر الكلام هو الجواب وضمنيه هو السؤال». إذ ربط الحجاج بنظرية المساءلة، فما الحجة عنده إلا جواب أو وجهة نظر يجاب بها عن سؤال مقدر يستنتجه الملتقي من ذلك الجواب، إذا الحجاج عند مايير هو إثارة الأسئلة، والأسئلة هي الأساس الذي ينبني عليه الخطاب.

بعد أن درس هذه النظريات وتحسس مواقع القوة فيها ومواقع الضعف، حدد موقفه منها، ونهجه الحجاجي الذي سيسير عليه في تحليل الخطاب بعامّة والقرآن بخاصة بقوله «ما كل حجاج بفصل أو وصل، كما أنه ما كل قول بحجاج، وليست اللغة بكل وحداتها المعجمية ذات طاقة حجاجية في ذاتها، وفوق هذا وذاك فإن لطبيعة النص دورا أساسيّا في إكساب لغته بعدا حجاجيّا أو عدم إكسابها إيّاه». ثم يقول: «لقد توافر في القرآن من المعطيات ما جعله خطابا حجاجيا. وما جعل الحجاج يصيب كثيرا من العناصر اللغوية فيه مثل: الكلمات والتراكيب والصور».

ثم يقول: إننا ننطلق من فكرة بديهة جدا وهي أن القرآن خطاب، وكونه خطابا يقتضي أنّه إقناع وتأثير؛ لأن الخطاب كما هو عند (بنفنيست) «كل قول يفترض متكلما وسامعا مع توافر مقصد التأثير بوجه من الوجوه في هذا السامع». وبعد أن حدد منهجه الذي استقاه من النظريات آنفة الذكر طبقه على دراسة الظواهر الأسلوبية المهيمنة في القرآن الكريم، وقد درسها من خلال ثلاثة مستويات:

1 - المعجم: أي تكرار وحدات بعينها.

2 - التركيب: اعتماد ضرب من التأليف يطرد في النص.

3 - الصورة: وهي المجازات والتشبيهات إذا اطرد استعمالها.

وقد خلص من دراسته إلى النتائج الآتية:

1 - أن القرآن حجاج في حالتي إفراده وتركيبه، وفي حالتي حقيقته ومجازه.

هدم الثنائية الضدية التي قامت عليها بلاغة الغرب، وهي أن البلاغة بلاغتان: بلاغة الحجاج ومن أعلامها بيرلمان، وكان اهتمامها منصبا على دراسة الحجج ومصادرها أكثر من انصبابه على دراسة الأسلوب وبلاغته، وبلاغة الأسلوب، وكان اهتمامها منصبا على بلاغة الأسلوب أكثر من انصبابها على بلاغة الحجج ومصادرها، ومن أعلامها جون كوهين صاحب كتاب (بنية الكلام الشعري) وهي نفسها الثنائية التي قامت عليها البلاغة العربية في القديم، وهذه الثنائية وجد صولة أنها تتحكم في الدراسات القرآنية؛ لأنها تفصل بصفة عامة بين بلاغة الحجاج وبلاغة النظم أو الأسلوب، فهي إما أن تدرس الأسلوب والنظم بمعزل عن بعده الحجاجي، أو أنّها تدرس الحجاج (الجدل أو المذهب الكلامي) بمعزل عن فكرة النظم والأسلوب.

3 - أن الجامع بين مستويات المعجم والتركيب والصورة، قيامها إجمالا على العدول من كلمة إلى أخرى، ومن تركيب إلى آخر، والعدول من المفهوم إلى الصورة، لغاية حجاجية وهي توجيه الكلام وتوجيه المتلقي واستغلال عالم المخاطبين وما يشتمل عليه من كفايات منطقية وثقافية ونفسية ولغوية وبلاغية.

4 - الحجاج في القرآن حوار دائر بينه وبين متلقيه، وحضور المتلقي فيه حضور فاعل.

5 - وظيفة الكلام القرآني، أن يوصل قيما، ويبلغ أطروحات ويحاج ويقنع ويجدد ويغير ويبني ويهدم وينقض ويبرم.

6 - وخطاب القرآن حجاج لأنه يلح على صفات ثلاث:

أ- كونه قرآنا عربيا، نزل بلغة العرب التي هي وعاء فكر الأمة وثقافتها، وأنها تحمل المقومات التي يتشكل منها عالم خطاب الأمة.

ب- هدفه إصلاح الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور.

ج- قدرته على التأثير في متلقيه.

7 - إعجاز القرآن لا يمكن أن يكون بنظمه - كما هو عند عبدالقاهر - لأن النظم جمهوره ضيق، وإنما هو في ما اشتمل عليه من ضروب الحجاج، فالحجاج جمهوره مهما ضاق كوني دائما. وآية ذلك أن ما يربط بين الجمهورين الخاص والكوني هو عماد الخطاب الحجاجي، والخطاب القرآني موجّه إلى جمهورين في الوقت نفسه، الجمهور الضيق (يا أيها الذين آمنوا...) (يا أيها الكافرون...) والجمهور العام (يا أيها الإنسان) معا.

ومثل أسلوب العدول في القرآن، بجميع أنواعه، وعلى أصعدة الكلمة والتركيب والصورة الوسيلة التي حقق بها القرآن هذه المرامي الخطابية.

العدد 2750 - الأربعاء 17 مارس 2010م الموافق 01 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:19 م

      عن الموضوع

      صرااحة ما استفدت شي بس مششششكوووور على الجهووووودالاكثر من رائعة وننتظر المزيييد يا استاز

اقرأ ايضاً