العدد 2760 - السبت 27 مارس 2010م الموافق 11 ربيع الثاني 1431هـ

العراق... إرث التسلط وداء الاستبداد

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كثيرون استبشروا خيرا وهم يرون الإقبال الكبير للشعب العراقي على صناديق الاقتراع لاختيار ممثليه بطريقة سلمية هادئة، وكثيرون باتوا يتوجسون شرا يوم إعلان نتيجة الانتخابات.

في مساء يوم الانتخابات، ولمّا تمضِ ساعتان على غلق المراكز الانتخابية، أدلى إياد علاوي بتصريحٍ شكّك فيه بنزاهة الانتخابات، وغمز من قناة التزوير، واستمر في تشكيكه حتى بدأت المفوضية العليا للانتخابات بنشر أرقام توضّح تقارب النتائج، حتى اضطرت للامتناع عن التصريحات بعدما بدأت تتوتر الأوضاع.

في مساء الإعلان عن النتائج بفوز قائمة علاوي على قائمة المالكي بمقعدين، حدث تبادل مواقع بين الرجلين، فالذي حذّر من التزوير رحّب بالنتائج لأنها جاءت في صالحه. أما من رفض حينها تهم التزوير وقال إنها مجرد «تجاوزات طفيفة»، فقد سارع لرفع لواء التشكيك، ودعا بلهجةٍ عالية إلى إعادة فرز الأصوات.

الأسوأ من ذلك، هو اللجوء للشارع لفرض إرادة هذا الفصيل السياسي أو ذاك بالقوة، خصوصا أن لكل فصيل كتلة شعبية لا يستهان بها، في بلدٍ كبيرٍ كالعراق، والزجّ بهذه المجاميع الشعبية المتنافرة لفرض الرأي على الأطراف الأخرى إنما يزيد من التوتر والاحتقان.

لا شك أن المالكي أبلى بلاء حسنا خلال ترؤسه للوزارة العراقية، فقد وصل للحكم بعد مخاضٍ عسيرٍ من المشاورات مع أقرب حلفائه في الائتلاف، استمرت ستة أشهر. ولا شك أن فترته شهدت امتحانا صعبا، دفع البلاد إلى حافة الحرب الأهلية، لولا التماسك الذي أبدته وزارته، إلا أن كل ما يحسب له من نجاحات لا يبرّر له استباق إعلان النتائج بالتهديد بالانهيار الأمني فيما لو فاز غريمه.

مشكلة العراق اليوم ليست في شعبه الذي فوّت الفرصة على مخطّطي الحرب الأهلية والاقتتال الطائفي، بل في نخبه السياسية المستعدة للتفريط بمصير البلد من أجل عيون الحزب والجماعة. هذه القوى السياسية بحاجةٍ إلى أن تتعلّم الاحتكام لصندوق الاقتراع، والنزول عند إرادة الجماهير، فلا يجوز الاعتراف بالديمقراطية عندما أفوز، وأسحب اعترافي بها عندما أهزم.

لا يعني ذلك أن علاوي أفضل من المالكي، فكلاهما تكشّف عن نزعةٍ تسلطيةٍ بدرجةٍ أو بأخرى، لا تصلح لإخراج العراق من المأزق السياسي الراهن. فتجربة علاوي القصيرة في الحكم، شهدت استشراء واسعا للفساد، حتى هرب وزير دفاعه (حازم الشعلان) بطائرته للأردن بعدما اختلس مليار دولار (كاش) «دون تغسيل»، في صفقات مشبوهة وظلّ مطلوبا للإنتربول. كما أن شراسته الأمنية جعلت مكروها لدى الشيعة في النجف والسنة في الفلوجة، بعدما اصطدم عسكريا بالطرفين في 2004، حتى سمّوه «صدام الصغير». ولكن تقلبات السياسة جعلت من اعتبروه خائنا وعميلا للأميركان، يعطونه 80 في المئة من الأصوات!

المالكي وعلاوي، كلاهما من النخبة السياسية المصابة بالأمراض ذاتها. وهي أدواء موروثة متغلغلة حتى العظام، في بلد اعتاد على حكم الديكتاتوريات منذ أيام نمرود، ولا يمكن لمثل هذا البلد أن يتخلص من إرثه التاريخي خلال خمسة أعوام من تجربة الانتخابات. فتداول السلطة مفهومٌ يحتاج إلى استزراع لفترة طويلة حتى تستقر القلوب على تقبله وترجيحه على كل الروابط القبلية والعشائرية والطائفية والقومية العنصرية.

بدأت الانتخابات بتشكيك علاوي في نزاهتها، وانتهت بتشكيك المالكي، فهل يأتي يومٌ على الشعوب العربية يسلّم فيها المهزوم السلطة طوعا للفائز بصندوق الاقتراع

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2760 - السبت 27 مارس 2010م الموافق 11 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 17 | 12:42 م

      00669

      إذا لم يتأثر أحد العراقيين بالدكتاتوريات فلا يعد عراقيا!
      راحت رجال (ما قدرت) ترفع الدروازة وجتنا رجال المطنزة والعازة

    • زائر 16 | 12:15 م

      ههههههههههه

      ابشرك سيد ان الطرف الغوغائي التكفيري المتطرف يقراونك كما يقرأك المواطنون الاحرار... والدليل هذه التعليقات.

    • زائر 15 | 12:13 م

      ضحايا الدكتاتورية

      فعلا كما قلت سيد انها امراض نخبة، فهؤلاء كلهم من ضحايا الظام السياسي ادلكتاتوري السابق، ومع ذلك لديهم استعدادات ليكونوا مثله.إذا كنا نفهم سلوك علاوي الدكتاتوري لأصوله البعثية، فكيف نفهم تهديد المالكي بتفجرالاوضاع الامنية إذا لم يفز. صعب جداً يتخلصون من بلاء الدكتاتورية الذي سرى في دمائهم مئات السنين. تسلم على هذه الاضاءة المنصفة.

    • زائر 14 | 11:59 ص

      الحمد لله نجاح المشروع العربي

      و خسارة المشروع الصفوي ... و ذاك الغوغائي المسمى نور أقل من أن يذكر بجانب الدكتور علاوي.

    • زائر 13 | 10:04 ص

      لماذا هذه المقارنه الظالمه!!؟

      مالكي انسان حكيم ومسالم ويحاول ارضاء كل الاطراف ....كانك يا كاتبنا العزيز خائف من احد يتهمك بشئ لم المجامله !!!!؟؟

    • زائر 12 | 7:44 ص

      حقد على شنو عاد

      ما ندري ويش عندهم العرب عشان يحسدونهم الايرانيين وغير الايرانيين.
      حتى الهنود صاورا احسن منا، عندهم استقلال ذاتي ويعتمدون على انفسهم في كل سيء، اما نحن فمازلنا نستورد حتى الماي من الخارج. شنو قال حقد.... مالت على هالافكار المغلقة.

    • زائر 11 | 7:39 ص

      لنفهم الدم قراطيه

      الغريب في الامر ان الحكومه الامريكيه رفظت بشده اعادة الفرز رغم وضوح التلاعب ,,, لكنها في الانتخابات الايرانييه حاولت جاهده في ايقاع الفتنه بين الايرانين ودعم المعارضه بشتى الوسائل !!! لنفهم الدم قراطيه على الطريقه الامريكيه ,,ولا ننسى مليارات ... لتخري العراق اللذي يوما من الاسام سيباع في سوق العقارات !!!

    • زائر 10 | 6:57 ص

      للزائر 9

      دع القافلة تسير والكلاب هو هو(وش على القمر من نبيح .....)

    • زائر 9 | 4:40 ص

      متى يتطور العقل الإيراني

      و يخلص من عقدة الحقد على العرب.

    • زائر 8 | 2:21 ص

      لا لتسليم السلطة

      هذا هو ما يقوم به الحكام العرب، مستعدون ان يقتلوا ثلثي شعوبهم ليحكموا الثلث الآخر. شوفوا صورة الحكام العرب امس في القمة، كم واحد منهم جديد وكم واحد صار له 40 سنة، ويريدون نتقدم. مالت على البمبرة.

    • زائر 7 | 2:18 ص

      متى راح يتطور العرب؟

      وينك ياسيد جاي تتكلم مع من؟ انت تشخص معضلة قومية يعاني منها العرب وبعض القراء يتكلم عن سنة وشيعة. متى راح تتطور هالعقول؟ الكاتب يتكلم عن تشخيص مشكلة الاستبداد عند الانسان العربي وهذا جاي يهدد بصدام آخر. عقول متخلفة حقيقةً.

    • زائر 6 | 2:07 ص

      عبد علي عباس البصري

      اكبر الفايده من موضوع السيد في آخر سطر ،وأضيف اليه سطر آخر ، وهل سيتطور العقل العربي ليصبح عقل ديموقراطي

    • زائر 5 | 1:04 ص

      (لايجوز الخروج على الحاكم حتى ولو جعل البلاد بحار من الدم)

      باعتقادي ان الكثير من الشيعة من لا يتردد عن قول الحق فانا مثلا اوايد السيد المالكي ولكن لا اتفق معه في التصريحات وخصوصا في نزاهة الانتخابات حيث قال في البداية انها نزيهة وفي النهاية غير نزيهة .
      وتعليقي على زارء(1) فاقول لم يكن من خطكم يوما ما ان تستنكرون على احد من حكامكم وخصوصا صدام التي تدمع عيناك لفراقة (لايجوز الخروج على الحاكم حتى ولو جعل البلاد بحار من الدم) الا اذا كان شيعيا فتسقط تلك النظرية. الكوثري

    • زائر 4 | 1:04 ص

      لله درك ياعراق

      في الانتخابات في كل مكان اللي مايفوز يقول ان الانتخابات مزورة وهدي حال الدنيا اللي مايطال العنب حامض عنه يقول

    • زائر 3 | 11:58 م

      هكذا هم قواد الحركات

      اللجواء الى الشارع لفرض إرادة هذا الفصيل السياسي أو ذاك بالقوة ... أتفق معك تماما سيدي في هذا الكلام وهو ماحدث عندنا في البحرين في التسعينات و ما يحدث الان ولكن أزيد شيئا اخر إنك تؤذى إذا ما صمت ولم تظهر التاييد و الدعم لهم فضلا عن إظهار مخالفتهم في الموقف .

    • زائر 2 | 11:49 م

      فرق كبير

      عيب المساواة بين علاوي وبين رجل كالمالكي, المالكي يحمل هم وطنه وليس حزبه. وعلاوي يحمل هم البعثيين فقط

    • زائر 1 | 11:02 م

      صدام الصغير

      المالكي ما قصر في السنة . فاطلق عليهم كثير من الكلاب دون خشية او ورع . فياما قتل من شيوخ و علماء من السنة . و يا ما شرد من السنة . و لكن صدام اخر قادم يوماً ما .

اقرأ ايضاً