العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ

قراءة في كتاب «البحث في قرية شيعية في البحرين» (سار)

للباحثة الأنثروبولجية هني هانسن الدنماركية

قبل الولوج في غمار هذا الكتاب التاريخي الخصب علينا أن نعرف الكاتبة، هي: هني هارالد هانسن انثروبولجية «دنماركيه»، التحقت الباحثة ضمن البعثة الدنماركية التي كانت تنقب عن الآثار في البحرين تحت إدارة عالم الآثار الدنماركي (جفري نيبي) صاحب كتاب البحث عن دلمون أو بالانجليزية Looking for Dilmun في الخمسينيات من القرن الماضي، وطبع الكتاب المتحف الوطني الدنماركي العام 1968م واقتنيته في تلك السنة.

تقول هني إنها توجهت إلى قرية سار لكتابة بحثها بمساعدة حسين منديل مدير دائرة العلاقات العامة الذي دلّل لها الطريق في الستينيات من القرن الماضي، نزلت ضيفة لمدة ثلاثة أيام في بيت السيد يوسف (مختار القرية) ثم استأجر لها السيد بيتا خاصا بها للتفرغ ولتكون عن كثب من المواطنين. كما عين لها السيدين حميد وعدنان اللذين كانا يتقنا الانجليزية ويعملان في شركة نفط البحرين (بابكو) ليكونا معها، أقامت في سار أربعة أشهر امتدت من 20 فبراير/ شباط حتى 19 أبريل/ نيسان سنة 1960م وخلالها قامت بهذه الدراسة الميدانية وأنجزت هذا البحث الاثنغرافي والانثروبولجي الخصب والمهم من الناحية التاريخية.

وصفت هانسن قرية سار كما شاهدتها طيلة إقامتها القصيرة، طبعا قبل تطورها الدراماتيكي السكني التي عليه الآن، فتقول: مجتمع قروي نائٍ عن المدينة ويبلغ عدد سكانها 450 نسمة، قرية فلاحية تعتمد حياتها الاقتصادية على الفلاحة وبلح النخيل (الرطب أو التمر).

يحتوي هذا الكتاب على 9 فصول مع الخاتمة ويجدر بمن يجيد الانجليزية أن يقرأه بعناية وليكون مصدرا مهما لتأريخ البحرين الانثروبولوجي والاثنوغرافي.

تنطلق هانسن في بداية هذا الكتاب عن الخلفية التاريخية للبحرين القديمة فتقول: إن اسم البحرين كان يُعرف بمجموعة الجزر الواقعة في الخليج العربي إلى خليج سلوى الواقع بين إقليم الإحساء بالمملكة العربية السعودية وشبه جزيرة قطر والتي تبعد تقريبا 20 ميلا عن السعودية و18 ميلا عن قطر وهذا الأرخبيل الذي يُعرف الآن بمملكة البحرين، وتقول في خلال العصور الماضية كانت لجزر البحرين أسماء مختلفة منها التسمية الرومانية الإغريقية (Tyros or Tylos) كما ذكرها المؤرخ اليوناني (Herodotus) المتوفى العام 485 قبل الميلاد، كما زارها الأدميرال (Nearchos) قائد أسطول الاسكندر الأكبر عندما كان في طريقه من السند إلى الفرانين وعند عودته من الهند العام (325 قبل الميلاد). كما ذكرت عددا من المؤرخين اليونانيين الذين كتبوا عن تأريخ وأهمية البحرين الاستراتيجية قبل الإسلام وأطلقوا عليها أسماء مختلفة، وأكدت أنها في العصور المتوسطة كانت تعرف باسم «أوال» كما ذكر العالم العربي الجغرافي الشريف الإدريسي في خارطته المشهورة وبعد القرن السادس عشر عرفت باسم البحرين الساحل الشرقي للمملكة العربية بين الكويت وقطر.

تؤكد هانسن نظرية أن تشكيلة جزر البحرين يمكن أن تكون متطابقة مع أرض دلمون المذكورة في ملحمة جلجامش السومرية على نحو: «الأرض الحية» أو الجزيرة الحية والمعروفة جيدا من النصوص الآشورية والبابلية المسمارية.

إن الظواهر الطبيعية قد جعلت لهذه الجزر موقعا متميزا ليس تاريخيا أو جغرافيا فحسب بل بنعمتي الماء العذب والنفط، وتتابع قولها: إن وجود عيون المياه العذبة ليس على اليابسة فقط وإنما داخل البحر، مما أمكن زوارق صيد اللؤلؤ والسمك الاستفادة من هذه الينابيع، ومازالت تشدد على الماء العذب وتؤكد أن وجود الماء العذب جعل البحرين مرفأ وسوقا تجارية للزوارق والسفن العملاقة كما تعتقد أنها احتفظت بخطها البحري المهم بين بلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات) ووادي السند والهند، وتؤكد قولها إن الأختام الحجرية الدائرية التي اكتُشفت في البحرين هي شبيهة بأختام السومريين الاسطوانية ووادي منطقة السند والهند.

وقالت إن الذي يدعم هذه النظرية في تحديد هوية البحرين مع أرض دلمون أعمال التنقيب التي قامت بها بعثة الآثار الدنماركية في البحرين العام 1954م بإشراف جفري بيبي.

وتقول: إن للبحرين شهرة عالمية انفردت بها وهي صيد اللؤلؤ وتجارته، واستشهدت بهذه الميزة الخاصة بالجغرافي المشهور الإدريسي و الرحالة ابن بطوطة، كما عرضت صورة للمرحوم الحاج حسن المديفع (تاجر بحراني مشهور) وهو يصنف حبات اللؤلؤ.

وتسترسل حديثها عن تاريخ الجزيرة قائلة: إن أرخبيل هذه الجزر والساحل الشرقي للمملكة العربية السعودية كان تحت حكام العرب، أما البحرين في ذلك العصر كانت تحت حكم الساسانيين عندما غزا المنطقة القائد الإيراني (شابور) الثاني من بوشهر الميناء الرئيسي وفي القرن العاشر رجعت البحرين إلى الحضن العربي، وقد تسلسلت الأحداث التي مرت بها البحرين كما ذكرها الإخباريون من مؤرخي التاريخ وكان لها رؤية خاصة بهذا التدوين، في الفصل الثاني من الكتاب إلى الخلفية الدينية لشعب البحرين وقرية سار قائلة إن الإسلام هو دين شعب البحرين الرسمي بسنته وشيعته والحكومة تنتمي إلى المذهب المالكي وأكدت أن أهالي قرى البحرين ينتمون إلى المذهب الإسلامي الشيعي الموالي (لعلي) خليفة المسلمين الخليفة الرابع، إلا أنها وقعت في خطأ لم تعر انتباها إلى المذهب الجعفري لأهالي البحرين، إذ تربط عقيدتهم بإيران حيث تقول إن الشعب الإيراني الشيعي يعمل مثل شيعة البحرين علما بأن البحرانيين قديمو التشيع قبل الإيرانيين.

منا هنا نخلص إلى أن تأريخ البحرين لعب دورا حضاريا في المنطقة خلال وجودها في ملحمة (جلجامش) وأن التشيع فيها قديم وأن التطورات التي طرأت عليها غيرت كثيرا من معالمها المعجزة كتفجر العيون في أنحائها وفي البحر ومما يؤكد أنها أرض محورية لكل الذين حاولوا الوصول إلى بلاد السند والهند، وأنها كانت مركزا لالتقاء كل الحاضرات الإنسانية هو مرور (هيرودوت) المؤرخ القديم وكذلك (نيرشوس) قائد أسطول الأسكندر الأكبر عليها كذلك فإنه لا يوجد رحالة إلاّ وبهرته البحرين.

ومنذ زمن أنت عريق يا وطني عراقة الإنسان المتحضر ولهذا أعشقك.

العدد 2778 - الخميس 15 أبريل 2010م الموافق 29 ربيع الثاني 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً