«روبن هود» أسطورة إنجليزية، لا أحد يعلم إن كانت من الحقيقة أو الخيال، مثلها مثل قصة «جحا» في التراث العربي، ولكن الفيلم الأخير الذي يعرض حالياً في دور السينما من بطولة نجم هوليوود «رسال كرو» يحاول إعادة صوغ القصة ضمن أحداث عاشتها إنجلترا (آنذاك كانت مملكة منفصلة عن بريطانيا الحالية) في العام 1198م، وذلك بعد مقتل ملك إنجلترا «ريتشارد قلب الأسد»، وتسلم أخوه الملك جون العرش، وما تبع ذلك من انتفاضات وحروب. الفولكلور الإنجليزي يعرض روبن هود كشخصية خارجة على القانون... يخترق قوانين الملك الظالم (الملك جون) ويستخدم مهاراته في الرماية والقتال لسرقة الأغنياء وتوزيع الأكل والمال على الفقراء.

الفيلم الجديد يطرح قصة يعتبرها كاتب السيناريو أنها حدثت قبل أن يتحول «روبن هود» إلى سارق من أجل الفقراء، وفي هذه القصة يقوم الفيلم بربط «روبن هود» بأحداث يذكرها التاريخ، مع إضافات موجهة لإيصال رسائل عدة. فالملك ريتشارد كان شجاعاً ولكنه أفقر إنجلترا لأنه نقل المال والرجال للقتال في الحروب الصليبية في فلسطين، وهو قتل عند عودته من القدس عبر فرنسا، ومن ثم تسلم العرش الإنجليزي الملك جون، الشخص البخيل والظالم والمتقلب المزاج والناقض للعهود.

على أي حال، فإن الفيلم ينقل رسائل جديدة... فهو يحتوي على حديث بين «روبن هود» و «الملك ريتشارد»، عندما يطلب الملك رأيه في الحملة الصليبية التي يقودها، فيرد «روبن هود» بأنها خاطئة، ويعلل ذلك بالقول (أترجم من ذاكرتي) «عندما سفكنا دم 2500 مسلم في عكا بفلسطين نظرت إليّ امرأة قبل أن أقتلها، ولكنها لم تكن خائفة مني بقدر ما كانت مشفقة علي؛ لأنني أمارس عملاً يثبت أنه ليس لدي رب»... والملاحظ أن المترجم الذي استخدم لكتابة الترجمة العربية على الفيلم لم يكن مرتاحاً مما قاله «روبن هود» ولذا فقد شطب هذا الاعتذار للمسلمين. هذه رسالة أولى مهمة في الفيلم.

الرسالة الثانية، هي أن الملك جون استبدل حاجبه والمسئول عن تقديم المشورة إليه بإخلاص، بشخص آخر جشع يعمل من أجل مصلحته الشخصية فقط، وبالتالي فإنه كان يتآمر وحتى على الملك جون نفسه، وذلك بالتعاون مع ملك فرنسا آنذاك. وهذا يؤدي إلى انتفاضة ملاك الأراضي الإنجليز الذين كان يتم التنكيل بهم، وهؤلاء يستعدون للثورة، إلا أن «روبن هود» يتدخل ليقنع ملاك الأراضي والملك جون بالتوقيع على «الميثاق العظيم» Magna Carta، وهو الميثاق الذي اعتمده الملك جون مع ملاك الأراضي في العام 1215م، ومازال لحد الآن يعتبر حجر الزاوية لبداية الملكية الدستورية في بريطانيا... ولكن الملك جون، وبعد أن يتخلص من أعدائه بمساعدة ملاك الأراضي، يخلف وعده مرة أخرى ويحرق الميثاق قائلاً إن سلطاته تأتي من السماء ولا يحدها أي عهد وأي ميثاق، وتبدأ بعد ذلك الانتفاضات والقلاقل، وينتهي الفيلم الحالي بالإشارة إلى أن أسطورة «روبن هود» كخارج عن القانون يسرق الأغنياء وثروات الملك ويوزعها على الفقراء تبدأ بعد نقض الملك جون للمواثيق.

رسائل سياسية أخرى عديدة حملها الفيلم، وهو يطرح مراجعة تاريخية للأسطورة، ويربطها بأحداث وقعت فعلاً بحسب كتب التاريخ، والفيلم يستحق المشاهدة، ولكن مع ضرورة عدم قراءة الترجمة العربية المصاحبة له؛ لأنها منحازة ضد المسلمين، و«غبية» في الوقت ذاته.