العدد 2850 - الجمعة 25 يونيو 2010م الموافق 12 رجب 1431هـ

20 % من كهرباء الدنمارك تأتي من مزارع الرياح

إذا عشت في جزيرة سامسو الدنماركية، فلن تأتيك الكهرباء من محطة طاقة تقليدية، بل من الرياح التي تهب عليها من بحر البلطيق. وهي مثال علىمجتمعات كثيرة في الدنمارك تستثمر في الطاقة المتجددة

عشرة عمالقة طالعتنا في البحر بعد نحو ساعة على انطلاقنا من الميناء إلى جزيرة سامسو في وسط الأرخبيل الدنماركي. توربينات الرياح تلك، التي تنتصب شاهقة في المياه، تقابلها إحدى عشرة توربينة أخرى على أرض الجزيرة. وهي، مجتمعة، تمد «جزيرة الطاقة المتجددة» بكل ما تحتاجه من كهرباء.

كل توربينة في مزرعة الرياح البحرية قبالة الجزيرة تنتج كل سنة طاقة كافية لتشغيل 2000 منزل، وتنتج كل توربينة أرضية على الجزيرة طاقة تكفي 600 منزل. ويتم إرسال فائض الكهرباء النظيفة إلى الشبكة العامة في البر الرئيسي.

تضم جزيرة سامسو مجتمعاً زراعياً مكوناً من 4300 نسمة. وكانت تعتمد سابقاً على الوقود من البر الرئيسي، إلى أن فازت العام 1997 في مسابقة وطنية لبناء أول مجتمع محايد كربونياً في الدنمارك. وبعد عقد من الزمن، باتت تولد كل كهربائها من الرياح. وفي الأيام الهادئة تستعير الكهرباء من الشبكة العامة في البر الرئيسي، وتعيدها إلى الشبكة عند هبوب الريح مجدداً.

تنتشر مزارع الرياح في أنحاء الدنمارك. ويشاهدها الزائر خلال اللحظات التي تسبق هبوط الطائرة في مطار كوبنهاغن. يبدو أنه الانطباع الأول الذي تريد البلاد أن يكوِّنه القادم إليها، باعتبارها رائدة عالمية في الطاقة المتجددة.

تنتج طاقة الرياح 20 في المئة من الكهرباء المستهلكة في الدنمارك، وهي نسبة أكبر مما في أي بلد آخر. وتحتل صناعة توربينات الرياح فيها المرتبة الثالثة في السوق العالمية، بريادة شركة «فستاس» التي تقيم مزارع رياح برية وبحرية حول العالم.

نشأت «الثورة الخضراء» في هذه البلاد الإسكندينافية أثناء أزمة الطاقة في سبعينيات القرن العشرين، عندما قررت الحكومة الدنماركية اتخاذ إجراء جذري لتقليل اعتمادها شبه الكامل على النفط المستورد، وأدى الرفض الشعبي المنعكس سياسياً إلى استبعاد خيار الطاقة النووية. فكان حلاً بديلاً تمثل في طاقة الرياح التي تهب عبر أراضيها المنخفضة من بحر الشمال. وشجعت الحكومة انطلاق هذا القطاع بتقديم إعانات مالية مجزية لبناء التوربينات وتقديم ضمانات قروض للمصنَّعين.

أما مفتاح النجاح فكان تجييش الدعم الشعبي. إذ قُدمت للمجتمعات المحلية حوافز تشجيعية لبناء التوربينات، مع إلزام شركات الكهرباء بشراء طاقة الرياح منها بأسعار محددة، ما يضمن للمستثمرين دخلاً موثوقاً مستمراً. وازداد انخراط القطاع الخاص، لكن نحو ثلاثة أرباع توربينات الدنمارك التي يبلغ عددها نحو 5300 مازالت مملوكة من جمعيات تعاونية أهلية تنخرط في عضويتها 150 ألف أسرة ومؤسسة.


سيارة كهربائية على الرياح

طاقة الرياح المولدة في الدنمارك ليست فقط لتزويد الكهرباء. عندما كنت في كوبنهاغن لحضور قمة تغير المناخ في ديسمبر/ كانون الأول 2009، أردت التوجه من مركز المؤتمر إلى وسط المدينة. قصدت محطة الحافلات المخصصة للمشاركين، فلم أجد حافلة في الانتظار، ولم ألبث أن لمحت شابة مقبلة إليّ، سألتني: «ألا تريدين أن تختبري قيادة سيارة كهربائية؟».

لقد تعاقدت شركة Move About مع منظمي المؤتمر لوضع سياراتها الكهربائية مجاناً في تصرف الإعلاميين المشاركين. ولا بد أن الشابة رأت بطاقتي الصحافية حول عنقي. وتملك الشركة التي تعمل فيها أكبر أسطول للسيارات الكهربائية المسيَّرة تجارياً، تؤجرها سنوياً لأفراد وشركات. وقد أمَّنت محطات لشحن البطاريات موزعة في أنحاء كوبنهاغن ومدن أخرى في الدنمارك والسويد وألمانيا. وما يميز هذه المحطات أن كهرباءها ليست مولدة من وقود تقليدي، بل من طاقة الرياح.

جولتي في تلك السيارة الخضراء شملت وسط المدينة ومنتزه حورية البحر وضاحية كريستيانيا الممنوعة على السيارات ومعالم أخرى في العاصمة الدنماركية. وهي انطبعت في ذاكرتي إلى الأبد، لا لقيمتها السياحية، بل لأنها مثال النقل النظيف الذي تسيِّره طاقة متجددة.

العدد 2850 - الجمعة 25 يونيو 2010م الموافق 12 رجب 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً