العدد 2880 - الأحد 25 يوليو 2010م الموافق 12 شعبان 1431هـ

متى ستنهار منطقة اليورو؟

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

بصفتي ناقداً قديماً لمفهوم العملة الأوروبية الموحدة، لم يغامرني البتة شعور بالفرح والسرور للمشكلات الحالية التي ضربت منطقة اليورو، والتي تهدد اليورو وبقاءه.

وقبل أن أتطرق للأحداث التي صاحبت أزمة الدين اليونانية بالمزيد من النقاش، عليّ أن أقدّم هنا تعريفاً عملياً لمعنى كلمة «انهيار». ففي سياق اليورو، هنالك تفسيران على الأقل يتبادران إلى الأذهان. التفسير الأول يرى أن مشروع منطقة اليورو، أو مشروع صك عملة أوروبية موحدة قد انهار مسبقاً، وذلك بسبب إخفاقه في تحقيق النتائج الإيجابية التي كانت متوقعة منه.

إن عملية إنشاء منطقة اليورو قد تم تقديمها على أنها منفعة اقتصادية لا لبس فيها لجميع البلدان الراغبة في التخلي عن عملاتها النقدية التي كانت موجودة لعقود، أو قرون.

لقد نُشرت دراسات مكثفة، ولكنها منحازة، شبه علمية، قبيل الشروع بإطلاق العملة الموحدة. وقد وعدت هذه الدراسات بأن اليورو سيساعد على النمو الاقتصادي، ويقلل التضخم، وأكدت بشكل خاص على التوقعات بأن الدول الأعضاء في منطقة اليورو ستكون في مأمن من جميع أنواع الأزمات الاقتصادية غير المرغوبة والصدمات الخارجية.

لم يؤدِ اليورو إلى نموٍ مرتفع في منطقة اليورو:

من الواضح جداً أن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث. فبعد تأسيس منطقة اليورو، تباطأ نمو دول الأعضاء الاقتصادي مقارنة مع ما كان عليه الحال في العقود السابقة، مما زاد في حجم الفجوة بين سرعة النمو الاقتصادي في بلدان منطقة اليورو ونظيره في الاقتصاديات الكبرى كاقتصاد الولايات المتحدة والصين، والاقتصاديات الأصغر في جنوب شرق آسيا وبعض الدول النامية، فضلاً عن دول أوروبا الشرقية والوسطى، التي لم تنضوِ إلى منطقة اليورو.

منذ ستينيات القرن العشرين تباطأت معدلات النمو الاقتصادي في بلدان منطقة اليورو، ولم يؤد وجود اليورو إلى الحد من هذا التباطؤ.

وحسب بيانات البنك المركزي الأوروبي كان معدّل النمو الاقتصادي السنوي في بلدان منطقة اليورو 3.4 % في عقد السبعينيات، و2.4 % في الثمانينيات، و2.2 % في التسعينيات، و1.1 % منذ العام2001 وحتى العام 2009 (عقد اليورو). لم يحدث أي تباطؤ مشابه في أي مكان آخر في العالم.


اقتصاديات منطقة اليورو لم تندمج

حتى الاندماج المتوقع في معدلات التضخم لبلدان منطقة اليورو لم يحدث. وتشكّلت مجموعتان مختلفتان من الدول ضمن منطقة اليورو، إحداهما بمعدل تضخم منخفض، والأخرى (والتي تشمل اليونان، وإسبانيا، والبرتغال، وإيرلندا، وبعض الدول الأخرى) بمعدل تضخم مرتفع. ورأينا أيضاً زيادةً في حالات عدم التوازن التجاري طويلة الأمد. فمن ناحية، هنالك بلدان ذات ميزان تجاري يفوق فيه حجم الصادرات حجمَ الواردات، ومن ناحية أخرى، هنالك بلدان تستورد أكثر مما تصدّر.

لذا فليس من قبيل المصادفة أن تعاني البلدان الأخيرة أيضاً من معدلات تضخم أعلى. لذا فإن تأسيس منطقة اليورو لم يؤدِ إلى أي تجانس أو انسجام فيما بين اقتصاديات الدول الأعضاء.

ولم تقم الأزمة المالية العالمية إلا بمفاقمة وكشف جميع المشكلات الاقتصادية في منطقة اليورو، لكنها لم تتسبب في خلق تلك المشكلات. غير أن هذا الأمر لم يشكّل مفاجأة بالنسبة لي. فمنطقة اليورو، التي تتضمن 16 بلدا أوروبيا، ليست «منطقة عملة مثلى» كما تزعم بعض النظريات الاقتصادية المغلوطة.

أوتمار إيسينغ، العضو السابق في المجلس التنفيذي، وأحد الاقتصاديين الكبار في البنك المركزي الأوروبي، قال مراراً وتكراراً (مؤخراً في خطاب له في براغ في ديسمبر/ كانون الأول العام 2009) إن تأسيس منطقة اليورو كان قراراً سياسياً في المقام الأول (!!). لكن ذلك القرار لم يأخذ بالحسبان مدى ملاءمة هذه المجموعة الكاملة من الدول لمشروع عملة واحدة. ولاشك أن تكاليف تأسيس منطقة العملة الموحدة وإدامتها ستفوق الفوائد المتوخاة منها.

واختياري لمفردتَي «تأسيس» و»إدامة» ليس اختياراً عرضياً وبمحض المصادفة. فمعظم المعلقين الاقتصاديين (ناهيك عن المعلّقين غير الاقتصاديين) كانوا قانعين وراضين عن سهولة وانخفاض كلفة الخطوة الأولى (أي تأسيس منطقة عملة واحدة). وقد ساعد هذا على تشكيل انطباع خاطئ بأن كل شيء على ما يرام في ما يتعلق بمشروع العملة الأوروبية الموحدة. كان هذا خطأ أشار إليه بعضنا على الأقل منذ لحظة ولادة اليورو. ولسوء الحظ، فإن أحداً لم يُصغ لنا.

لم أشكك أبداً بحقيقة أن أسعار الصرف في البلدان التي انضمّت لمنطقة اليورو كانت تعكس بشكل أو بآخر حقيقة الوضع الاقتصادي في أوروبا في زمن ميلاد اليورو. ولكن، خلال العقد الأخير، اختلف الأداء الاقتصادي لبعض أعضاء منطقة اليورو، وأصبحت التأثيرات السلبية «الإجبارية» لفرض عملة واحدة على الدول الأعضاء أكثر وضوحاً. فعندما ساد «الجو الجيد» (بمعناه الاقتصادي)، لم تظهر أية مشكلات. ولكن ما إن وصلت الأزمة، أو «الجو السيئ»، أخذ الافتقار إلى الانسجام بين أعضاء منطقة اليورو يتجلى بوضوح. ومن هذا المعنى، أستطيع القول إن منطقة اليورو قد أخفقت كمشروع واعد بالنفع والفائدة الاقتصادية الكبيرة لأعضائه.


التكاليف الخفية لليورو

من المسائل المثيرة بالنسبة إلى السياسيين وغير المختصّين (وليس بالنسبة إلى الاقتصاديين) هي التساؤل عن إمكانية انهيار منطقة اليورو كمؤسسة. وجوابي على هذه المسألة هو «لا» سوف لن تنهار. لقد استُثمِر الكثير من رأس المال السياسي في وجود اليورو ودوره بوصفه «الأسمنت» الذي يربط الاتحاد الأوروبي في طريقه نحو (ما فوق الأممية) بحيث لن يُتخلى في المستقبل المنظور عن منطقة اليورو بكل تأكيد. هذه المؤسسة سوف تستمر، ولكن بثمن باهظ للغاية سيدفعه مواطنو بلدان منطقة اليورو (كما سيدفعه بشكل غير مباشر الأوروبيون الذي أبقوا على عملاتهم النقدية الخاصة).

أما ثمن إدامة اليورو فسيكون النمو الاقتصادي المتدني في منطقة اليورو.

إن النمو الهزيل في منطقة اليورو سيتسبب في خسائر اقتصادية في بلدان أوروبية أخرى، مثل جمهورية التشيك، وفي سائر أنحاء العالم. وسيكون سعر اليورو المرتفع ملحوظاً جداً في حجم التداولات المالية التي يتوجب إرسالها إلى بلدان منطقة اليورو التي تعاني من أكبر المشكلات المالية والاقتصادية. أما الفكرة القائلة بأن هذه التحويلات لن تكون سهلة دون وجود اتحاد سياسي فكانت معروفة لدى المستشار الألماني هولمت كول منذ العام 1991 عندما قال إن «التاريخ الحديث، ليس في ألمانيا فحسب، يعلّمنا أن فكرة إيجاد اتحاد اقتصادي ونقدي على المدى البعيد، دون وجود اتحاد سياسي، ما هي إلا مغالطة كبيرة». ولكن يبدو أن كول قد نسيها، لسوء الحظ، مع تقادم الزمن.

إن حجم المال الذي ستتلقاه اليونان في المستقبل المنظور يمكن أن يقسم على عدد سكان الاتحاد الأوروبي، ويمكن لكل شخص أن يحسب مساهمته بسهولة ويُسر. ولكن تكلفة «الفرصة» البديلة الناجمة عن خسارة معدّل نمو اقتصادي محتمل أعلى، وهو أمر يصعب حسابه وتأمله على غير الاقتصاديين، ستكون - أي تكلفة الفرصة البديلة - أكثر إيلاماً بكثير. مع ذلك، لا أشك بأنه، ولأسباب سياسية، سيتم دفع هذا الثمن الباهظ لليورو، وأن سكان منطقة اليورو سوف لن يعرفوا على وجه الدقة حجم تكلفة اليورو عليهم.

وللإيجاز، فإن الاتحاد النقدي الأوروبي لن يكون مهدداً بالإلغاء. وسيستمر ثمن الإبقاء عليه بالارتفاع. غير أن جمهورية التشيك لم ترتكب خطأً عندما تجنبت اللحاق بركب منطقة اليورو حتى الآن. ولسنا البلد الوحيد الذي ينحى هذا المنحى. ففي الثالث عشر من أبريل/ نيسان، 2010 نشرت «الفاينانشال تايمز» مقالاً لمحافظ البنك المركزي البولندي الراحل سلاومير سكرازيبيك - وهو رجل تشرفت بمعرفته جيداً. لقد كتب سكرازيبيك هذا المقال قبيل موته المفجع في حادث تحطم الطائرة الذي أودى بعدد من رجال الدولة البولنديين قرب سمولنيسك في روسيا. في ذلك المقال، كتب سكرازيبيك: «بولندا، بوصفها دولة ليست عضواً في اليورو، كانت قادرة على الاستفادة من مرونة أسعار صرف الزلوتي (العملة البولندية) بطريقة ساعدت على النمو وخفّضت من العجز دون استيراد التضخم». وأضاف أن «القصة التي استمرت لعقد من الزمن والتي توضح كيف خسر أعضاء منطقة اليورو قدرتهم التنافسية بشكل كبير هي درس وعبرة مفيدة». وليست هناك حاجة إلى قول المزيد.

* رئيس جمهورية التشيك، ورئيس وزرائها الأسبق خلال الفترة 1992 - 1997، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org»

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2880 - الأحد 25 يوليو 2010م الموافق 12 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً