العدد 2924 - الثلثاء 07 سبتمبر 2010م الموافق 28 رمضان 1431هـ

نعمة التنوع الديني في البحرين... أم نقمته؟

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

الدين قد يكون خياراً حراً وقناعة تمخضت عن دراسة وتمحيص كما قد تكون بالطبع «تركة أجداد» يرثها المرء من أجداده وأسلافه الأوائل، أو هي انسجام مع ثقافة مجتمع يعيش فيه المرء ويتأثر به ويؤثر، ولكن الوطن ليس كذلك، الأوطان ليست خيارات مفتوحة ولا ترفاً فكرياً يساوم عليها، إنها حقائق جغرافيا وقوة تاريخ وسمة من سمات الكينونة للبشر.

الدين يعزز المواطنة الصالحة والوطن يصون الحقوق المدنية ويحميها. الدين طريق للعبد لربه، والوطن محلاً للعيش المشترك والتآلف الإنساني، وفي تاريخنا العربي الزاهي نلاحظ أن الحركات الوطنية الاستقلالية انطلقت من المحضن الديني، فالحركة الاستقلالية الجزائرية تمتد بجذورها إلى الشيخ المجاهد عبدالقادر الجزائري والمجاهد عبدالحميد بن باديس والمجاهد محمد البشير الإبراهيمي الذين كانوا فقهاء التأسيس الوطني في الجزائر ومثلهم كان الفقيه المجاهد عبدالكريم الخطابي والشيخ علال الفاسي، وفي تونس كانت مدرسة الجهاد تتواصل بعلمها البارز الشيخ عبدالعزيز الثعالبي ثم تلميذه محي الدين القليبي. وقاد فقهاء الإسلام في العراق الحركة التحررية ضد الاحتلال البريطاني كالشيخ مهدي الخالصي والسيدمهدي الحيدري.

ونهض بهذه المهمة الجهادية في السودان المهدي وتلميذه عبدالله بن محمد التعايشي مثلما امتدت روح الجهاد في الصومال بقيادة الشيخ محمد عبدالله حسن، وكانت الحركة السنوسية بزعامة محمد بن علي السنوسي ومحمد المهدي السنوسي قد هيأت للحركة الاستقلالية التي قادها في ليبيا الشيخ الشهيد عمر المختار. وليس غريباً بالطبع أن نجد على رأس قوى الممانعة العربية حركتي حماس الفلسطينية وحزب الله اللبناني في تأكيد واضح على مدى قدرة الدين على تعبئة الحماس الجهادي في الذود عن حياض الأوطان.

البحرين كانت ولاتزال عبر مسيرها التاريخي الطويل موئلاً لذوي الطموح الجامح ولعشاق المغامرة والنجاح، وبفضل موقعها الاستراتيجي الجاذب انصهرت فيها أقوام وأعراق وأديان ومذاهب من بقاع شتى، وكان هذا الثراء والتنوع الجميل يعكس سر الحيوية الاجتماعية التي كان يتسم بها المواطنون والمقيمون على هذه الأرض، وعندما زارها أمين الريحاني في الربع الأول من القرن الماضي وقف منها موقف المندهش فقد كان يظنها مجرد «جزيرة صغيرة حقيرة يأوي إليها الصيادون» أو هي في أحسن الأحوال معبراً للأحساء لكنه عثر على الجانب المضيء من حياة الناس فيها، ودوّن مشاهداته وذكر أن هذه الجزيرة الوادعة على صغرها عامرة بمئتي ألف من العرب والأعاجم من الشرق والغرب. ويضيف أثناء حديثه عن مدينة المنامة: «عدد سكانها أربعون ألفاً من العرب والإيرانيين والهنود والأوروبيين وفيهم المسلم والمسيحي واليهودي والفارسي والهندوسي» (ملوك العرب).

وعندما تحدث المؤرخ محمد علي التاجر عن التنوع الديني «وفيهم من المذاهب الإسلامية الشيعة الجعفرية والمالكية، والشافعية، والحنابلة وهم الذين استوطنوها من أهل نجد، والأحناف، وهم خليط من الأحساء والهنود والأكراد وإسماعيلية الهند ووثنية ويهود العراق وفارس ونصارى العرب والغرب». (عقد اللآل في تاريخ أوال).

ما كان يعد مفاخرة ودليل عافية في السابق، بات البعض منا اليوم يقاتل من أجل تشويه وخنق هذه «الأناقة الحضارية» التي تتمتع بها البلاد في ظل هذا التنوع الجميل والضروري، ويتقزز المرء وهو يعاين مستوى الخطاب المتطرف الذي يرفع شعارات شتى في مسعى بغيض لإثارة الشحناء، وقد تورط مع شديد الأسف في هذا الأمر بعض من حملة الأقلام والمشتغلين بالتاريخ، فصار تاريخ الوطن يكتب بحبر الانتماء «المذهبي» وقلم «الطائفية»، وقد استمرأت الذهنية الاجتماعية هذا السلوك فصارت الهويات الفرعية تعلو على الهوية الوطنية الجامعة.

فهل بات التنوع الديني وبالاً على البحرينيين بعد أن كان آية من آيات الفخر والاعتزاز؟

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 2924 - الثلثاء 07 سبتمبر 2010م الموافق 28 رمضان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 5:48 م

      اهلا وسهلا بك يا رفيق الدراسو في

      اهلا وسهلا بك يا رفيق الدراسو في صحيفة الاباء والكلمة الصادقة ولو اني كنت متحفظ على قلمك في تلك الصحيفة المشؤومة .... بالتوفيق
      السيد نجيب

    • زائر 5 | 12:29 م

      شكراً للمرور

      زائر رقم 4 شكراً لكلماتك العذبة .. وثقتكم الغالية.. مودتي
      الزوار الافاضل .. شكرا لمروركم الجميل
      وسام

    • زائر 4 | 6:23 ص

      قلم جديد في مكانه المناسب

      أستاذنا العزيز ... نبارك لكم انتقالكم إلى الوسط ونتمنى لكم الموفقية في عملكم وأنا متأكد إلى درجة اليقين إنكم ستحضون بشعبية منقطعة النظير لأن قلمكم عذب سلسبيل ومعرفتكم وثقافتكم واسعة ... وهذه البداية تدل على أن هناك رؤية واضحة لسلسلة من الموضوعات القادمة ستدهش الجميع ... ضيعت سنوات من عمرك بعدم انضمامكم للوسط كما أشكر الاستاذ منصور الجمري لثقته فيكم وإتاحته الفرصة لكم. نلتقي على المحبة.

    • النعيمي2 | 2:29 ص

      نعم كلنا يدا واحدة ضد الطائفية والجاهلية الرعناء ..

      نعم كلنا يدا واحدة ضد الطائفية والجاهلية الرعناء ..

    • زائر 3 | 12:52 ص

      اوافك الراي اخي وسام

      إن من اهم اسباب التقدم ووالاذدهار عدم التفرقة بين بني البشر بسبب الدين والعرق واللون لان التفرقة هي نوع من الظلم والله سبحانه وتعالى حرم الظلم على نفسه وإن الله ينصر الدولة الكافرة العادلة ولا ينصر الدولة المؤمنة الظالمة ولكن هذا الذي يحصل الان في كل الدول التي ذكرتها في مقالك ومعانتها كان بسبب الاستعلاء العرقي او الديني ولكن ماذا نقول مع الشخوص الجهال الذين يتكلمون في امر العامة والله المستعان
      منزر زين العابدين - السودان

    • زائر 2 | 12:37 ص

      نعمة التنوع الديني في البحرين... أم نقمته؟

      التنوع الديني في البحرين نعمه لا يعلمها الا الله سبحانه وتعالى ، جب على الجميع أن يكتب عن حب الوطن ، وأرجو من الله سبحانه وتعالى ،أن يبعدنا عن أهوال الحروب.

    • زائر 1 | 12:33 ص

      عبارة واعية ومهمة ليت الكل يعيها

      الدين يعزز المواطنة الصالحة والوطن يصون الحقوق المدنية ويحميها. الدين طريق للعبد لربه، والوطن محلاً للعيش المشترك والتآلف الإنساني

اقرأ ايضاً