العدد 2973 - الثلثاء 26 أكتوبر 2010م الموافق 18 ذي القعدة 1431هـ

منظمة التجارة العالمية وحكم القانون

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

منبر الحرية

سلام الربضي - كاتب أردني، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org» 

في ظل الحراك العالمي والمستجدات التي تفرضها قضايا العولمة، لابد من وجود قانون يستجيب لتلك المشاكل المترتبة على فرضية تداخل الفضاءات، ويحدد العلاقة بين الدول والقانون والمجتمع على كافة الصعد، حيث يمكن الاستفادة من هذه المرحلة الحالية التي تشهد إلى حد ما الانتقال من دولة الشرعية إلى دولة القانون.

إن واقع الإدارة العالمية الاقتصادية لن يكون مستقراً، إلا إذا برز نظام كوني متجانس قادر على مواجهة القوى الاحتكارية، وتطبيق كل قواعد الحكمانية عليها من المجاهرة والإيضاح والشفافية والديمقراطية وتحمّل المسئولية الاجتماعية، وهنا تكمن أهمية القضاء ودوره. وإلا فإن كل صيحات الديمقراطية الاقتصادية الجديدة ومضمونها ستكون نظاماً دولياً احتكارياً لم يشهد العالم مثيلاً له.

وإذا طغت السيطرة على النظام الاقتصادي العالمي، فإن كل دعاوى الديمقراطية الاقتصادية التي نسمعها ستكون مجرد همسات في ريح عاتية. وفي حال غياب أداة قادرة على الفصل كالمحاكم تكون قد تركزت دعائم دكتاتورية السياسة الدولية. وفي هذا الإطار يمكن الرجوع إلى عمل منظمة التجارة الدولية لمحاولة فهم هذه المتغيّرات، خاصة نشاطها على الصعيد القضائي.

إن إجراء تقييم دقيق للسجل القضائي لمنظمة التجارة العالمية، يظهر أن النظام قد سجل تقليصاً لدور الدبلوماسية الدولية وعمل بالمقابل على تعزيز حكم القانون. والنزاعات التجارية الدولية الآن تسوّى من قبل منظمة التجارة العالمية، وعلى أساس حكم القانون وليس من خلال اللجوء إلى سياسة القوة المحضة. وتمنح تلك المنظمة كل عضو حقوقاً متساوية وكذلك التزامات متساوية في قبول النتائج، ومن أكثر الأمثلة تعبيراً عن واقع عمل هذه المنظمة على الصعيد القضائي، هو ما يتعلق بقضية الهرمونات بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا.

المسيرة القضائية لمنظمة التجارة العالمية أثبتت نجاحها بوجه عام على الرغم من بعض الملاحظات والاعتراضات على مسيرتها القضائية كالاعتراضات على نظام التسويات القضائية للمنظمة مثل سرية المداولات، ونفقات المقاضاة ...إلخ.

وتظهر سجلات منظمة التجارة أن عدد الخلافات أو الشكاوى الواقعة بين الدول والتكتلات داخل المنظمة حتى نهاية العام 2005 بلغت نحو 335 شكوى بين الأعضاء، والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هي أكثر الدول الشاكية والمشكو منها أيضاً. وتشير إحصاءات المنظمة أن عدد الشكاوى الموجهة من الولايات المتحدة ضد الدول الأخرى بلغت 81 شكوى منذ العام 1995، فيما بلغ عدد الشكاوى ضدها 90 شكوى. والنسبة العظمى من الخلافات التي تم تقديمها إلى المنظمة، مقدمة من قبل الدول والتكتلات الكبرى، فيما الدول النامية والصغرى وهي التي تعتبر الأكثر تضرراً من غيرها من الواقع الاقتصادي العالمي، هي الأقل تقدماً أو تذمراً أمام مراجع المنظمة القضائية.

والقضايا المطروحة في أروقة المنظمة متنوعة منها ما يتعلق بحقوق الملكية، وفرض قيود على حرية وصول المطبوعات، وسياسة الإغراق. وفي نيسان 2007 تقدمت الولايات المتحدة بشكوى ضد الصين تتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وشكوى أخرى تتهم الصين بوضع قيود على حرية وصول المطبوعات والأفلام والموسيقى الأجنبية إلى الأسواق الصينية. وأصدرت منظمة التجارة العالمية أول أحكامها ضد الصين وشملت القضية ثلاث دعاوى رفعتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وكندا في شأن الضرائب التي تفرضها على واردات مكونات السيارات، وهذا أول حكم ضد بكين منذ انضمامها لعضوية المنظمة العام 2001، وطالبت لجنة فض المنازعات في المنظمة من الصين بمطابقة نظام الواردات لديها مع قواعد التجارة العالمية.

والخلافات القضائية داخل المنظمة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي معظمها قائم على دعم الدول لصناعتها وزراعتها التي تصب في خدمة ودعم الشركات. وقد تكون المنافسة القضائية بين الشركتين، إيرباص وبوينغ تدخل في إطار استراتيجيات الدول التي تعتبر صناعة الطيران صناعة استراتيجية تدخل في صميم الأمن القومي السياسي والأمني والاقتصادي. فالولايات المتحدة قدمت شكوى ضد مؤسسة الطيران الأوروبية، تتهم فيها الحكومات الأوروبية بتقديم الدعم لشركة إيرباص، وتعتبر هذه القضية من أكثر القضايا تعقيداً التي تبت بها المنظمة الدولية. وقد قدمت الولايات المتحدة أدلة على أن السلطات في مقاطعة ويلز، قدمت 9,5 مليون دولار على شكل منحة لتدريب فنيين جدد لطائرة إيرباص A350 المنافسة لطائرة البوينغ 787 حيث يحاول كلا الطرفين تقديم الأدلة والبراهين على مخالفة الطرف الآخر لمبادئ المنظمة ودعمه لشركته الوطنية. ولقد أصدرت منظمة التجارة العالمية حُكمها القضائي المكون من نحو 1200 صفحة والذي تدين فيه الاتحاد الأوروبي.

قوى السوق بأمسّ الحاجة إلى سلطة القضاء من أجل إعطائها الشرعية القانونية، ومن أجل صون ملكيتها وحماية حرية عملها. والمنظمات غير الحكومية تستطيع أن تلعب دوراً على صعيد العمل القضائي للمنظمة، من خلال الحق الذي أعطي لها في تقديم مذكرات النصح والإشارة لهيئة الاستئناف في منظمة التجارة العالمية. ويمكن الاستفادة من السلطة القضائية العالمية للمحكمة الجنائية الدولية، خاصة فيما يتعلق بقضايا النزاعات المسلحة وانتهاك حقوق الإنسان. فلابد من الإشارة إلى نظام المحكمة الجنائية الدولية المتعلق بمسئولية الاشتراك في الجريمة، والذي يمكن أن يخلق مسئولية جنائية دولية للموظفين والمسئوليين. وعلى المجتمع المدني الضغط والعمل لإيجاد تعديلات في نظام المحكمة من أجل إدراج مسئولية المؤسسات عن الانتهاكات، في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

المجتمعات بحاجة إلى قوانين مالية واقتصادية وسياسية تنظم حركة الأسواق الاقتصادية بكافة جوانبها، والقضاء قد يكون مدخلاً لهذه الحركة. وإلى أن يتم الاتفاق على وضع تلك القوانين، يبقى القضاء وقدرته على الحركة خاصة من باب الاجتهاد ـ المدخل الأسهل والأسرع لمعالجة هذا الوضع. وفي إطار لعبة السلطة والسلطات المضادة يمكن للقضاء أن يملأ الفراغ الناتج عن هذه المتغيرات، سواء على صعيد الفاعلين من شركات، منظمات غير حكومية، حكومات، منظمات دولية، أفراد، أو الأسواق وضروراتها. وفي ظل عصر السوق لا يمكن إيجاد توازن بين كل تلك الجهات سوى من خلال القانون. وفي ظل غياب مدلول قانوني معولم واضح لكثير من القضايا الشائكة. وقد تكون قرارات واجتهادات المحاكم المدخل لواقع جديد يتبلور في ظل التباين في العلاقة بين العولمة والقانون.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 2973 - الثلثاء 26 أكتوبر 2010م الموافق 18 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً