العدد 2984 - السبت 06 نوفمبر 2010م الموافق 30 ذي القعدة 1431هـ

عودة الاهتمام الدولي بالملف اللبناني

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

عودة الفضاء الدولي للاهتمام بالملف اللبناني بعد فترة نقاهة سياسية استمرت نحو السنتين تثير أسئلة بشأن هذه اليقظة التي يرجح أن تتطور في الأسابيع المقبلة إذا لم تتسارع القوى المحلية إلى احتواء العناصر المتفجرة في الأزمة.

لاشك في أن عودة الاهتمام الدولي بأوراق الملف اللبناني مرتبطة بدوافع إقليمية وعربية أخذت تشد الأزمة إلى متغيرات بدأت تظهر علاماتها في الساحتين العراقية والفلسطينية. عراقياً تبدو أزمة تشكيل الحكومة مفتوحة على التدحرج الأمني في حال تم تأليف وزارة من لون طائفي - مذهبي واحد. وفلسطينياً تبدو أزمة المفاوضات موقوفة على مدى استمرار حكومة تل أبيب في تحدي كل نداءات السلام وما تتطلبه من التزامات بشأن وقف الاستيطان والقبول بحدود دولة فلسطينية قابلة للحياة.

الساحتان العراقية والفلسطينية تطوقان بلاد الأرز في اعتبار أن ساحة لبنان المفتوحة والمكشوفة تعكس في العمق الأهلي ذلك الحراك الإقليمي وما يمثله من امتدادات عربية ودولية.

الملف الإيراني مثلا ليس بعيداً في تعرجاته النووية والخليجية والتفاوضية عن التفاعلات السياسية الساخنة في لبنان. والملف السوري وموقعه الجغرافي الذي يربط ويفصل بين بغداد وبيروت لا يقل تأثيراً عن الدور الإيراني في بلاد الأرز.

عودة الاهتمام الدولي بالشأن اللبناني إذن ليست منعزلة عن الدورين الإيراني والسوري وتطورهما في الفترة الأخيرة. دمشق مثلاً اتخذت خطوة غير موفقه في توقيتها ومنطقها السياسي حين سمحت للقضاء بإصدار مذكرات توقيف بحق 33 شخصية لبنانية محسوبة في معظمها على قوى 14 آذار. وطهران مثلاً بالغت في استعراض قوتها على مقربة من الحدود الإسرائيلية خلال زيارة رسمية للرئيس الإيراني في إشارة غير ضرورية لإبراز وزنها على ساحة تعاني من اضطرابات أهلية ومخاطر عدوان إسرائيلي.

الخطوتان السورية والإيرانية في فترة كان الحزب الديمقراطي يستعد داخلياً لمواجهة خسارة قاسية في معركة الكونغرس استوجبتا رداً من الولايات المتحدة تمثل في تجديد الدعم للمحكمة الدولية معطوفاً على تنبيهات تتصل باستقرار لبنان وأمنه وسيادته.

الخطوتان ناقصتان في التوقيت والحساب العام، وساهمتا في إعادة تسليط الأضواء على أوراق الملف اللبناني وامتداداته الإقليمية والجوارية ما أعطى الانطباع بوجود مشروع مواجهة عسكرية قيد الدرس أو خطة إطاحة بحكومة الوحدة الوطنية (الديمقراطية التوافقية) بقصد تفشيل المحكمة الدولية وتقويض الهدنة في الجنوب (القرار 1701).

الهجوم الإعلامي المضاد الذي قادته واشنطن والعواصم الأوروبية جاء رداً على احتمالات وسيناريوهات مفترضة أخذت تروجها بعض الأجهزة بناء على نقطتين: الأولى التقاطع الأميركي - الإيراني بشأن اختيار نوري المالكي لرئاسة حكومة العراق. والثانية اصطدام المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية بجدار الاستيطان وبدء الحديث عن عودة النشاط إلى المسار السوري وإعلان حماس استعدادها للحوار البديل والانفتاح.

التطور الخاص الذي برز على الساحتين العراقية والغزاوية ارسل إشارات خاطئة بشأن الملف اللبناني وأعطى ذلك الانطباع السلبي بوجود تفاهمات أميركية - إيرانية شاملة لكل القضايا الإقليمية تلعب خلالها سورية دور البرزخ الجغرافي (الفصل والقطع) بين بغداد وبيروت. وأدى رواج هذا الانطباع العام إلى نمو قراءات متسرعة تشي بوجود صفقة أميركية - إيرانية كبرى لا تقتصر على العراق وأفغانستان وإنما تمتد لتشمل الخليج العربي وصولاً إلى لبنان على البحر المتوسط.

الانطباع المذكور كان له ما يبرره حين أعلنت الدول الست عن موعد لقاء قمة مع إيران يجري التحضير له للانعقاد في فيينا أو جنيف وسيتضمن مجموعة أوراق وسيكون على رأسها البرنامج النووي وتفرعاته. فالقمة الموعودة كانت السبب في التحفيز الإعلامي لأنها تحددت بين 15 و18 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري وبات على كل الأطراف الاستعداد لاستقبال كل المستجدات والتفاهمات بما فيها تلك «الصفقة الكبرى» الموعودة التي ستشمل كل القضايا الإقليمية والعربية.

موعد 15 - 18 نوفمبر كان المدخل للاستنفار اللبناني بين فريق 14 آذار وفريق 8 آذار. فالأول استعد للتعرف على مضمون تلك المتغيرات الدولية وانعكاسها السلبي على منظومة العلاقات الإقليمية وموقع إيران في المعادلة الجديدة. والثاني استعد لترجمة الصفقة المنتظرة إلى وقائع ميدانية على الساحة اللبنانية من بينها مطاردة 14 آذار وملاحقتها واعتقال قادتها بناء على مذكرات التوقيف ثم الاستيلاء على المؤسسات الرسمية ومواقع السلطة وأخذ الدولة إلى المحور الإيراني – السوري.

سيناريوهات الاستيلاء على السلطة كانت في معظمها ساذجة وسطحية إلا أنها كما يبدو تركت أثرها النفسي على قوى 14 آذار كما أنها استنفرت انتباه الدول الكبرى وأدت إلى إثارة مخاوف مفتعلة ومبالغ فيها ما استدعى توجيه تنبيهات تحذر دمشق وطهران من العبث باستقرار بلاد الأرز وأمنها وسيادتها.

قوى 14 آذار استفادت من ترويج تلك السيناريوهات العسكرية الغبية، فهي على رغم إدراكها بأن حزب الله أذكى من أن يتورط بهذه المفخخات الأهلية الداخلية توجهت نحو استنفار كل ما تمتلكه من عناصر لتحشيد جبهة تضامن واسعة للدفاع عن الكيان اللبناني وحماية الجمهورية من السقوط تحت حكم الميليشيات «الإيرانية».

هل هذا يعني أن الوضع السياسي استقر على قاعدة لا غالب ولا مغلوب؟ الاحتمالات تؤشر إلى نمو العناصر السلبية ما يفتح الباب أمام التصادم. والسبب أن الاختلاف بين إيران والدول الست عاد وتجدد على موعد القمة وجدول الأعمال. فطهران تريد المكان في جنيف لا فيينا وترفض أن يكون البرنامج النووي على جدول الأعمال. والدول الست تفضل أن يكون المكان في فيينا لحصر جدول الأعمال في بند واحد (الملف النووي) من دون التطرق إلى قضايا إقليمية أخرى ذات علاقة أو بعيدة جغرافياً.

عودة الاختلاف على الموعد والمكان وجدول الأعمال أعاد فتح أزمة تشكيل الوزارة في العراق وأعطى إشارة إلى وجود تعديلات في التوازنات المقترحة في مناصب الحكومة وتراتب الحصص والمسئوليات. كذلك ظهرت على الجانب الفلسطيني علامات إقليمية تحاول تنشيط المسار التفاوضي وتمديده فترة ثلاثة أشهر تنتهي بعد انتقال سلطة الكونغرس إلى الحزب الجمهوري في مطلع العام الميلادي المقبل.

بناء على التطورات الأميركية في الداخل اتجهت الفضاءات الدولية إلى تجميد الحراك الإقليمي على الجانب الإيراني حتى تستكمل قراءة الملفات من مختلف الجهات، ما يعنى أن الكلام عن وجود صفقة كبرى متوافق على تفصيلاتها النهائية لم يعد مطروحاً للتنفيذ في الأمد القريب. فالتأخر حصل وتأجيل موعد قمة فيينا أو جنيف إلى توقيت لاحق بات هو المرجح مع ما يعنيه ذلك من احتمال الانزلاق إلى خيارات قد لا تكون متوافقة مع النسخة الأولى للتقاطع الإيراني - الأميركي. والأمر الأخير يوضح جوانب خفية من الصورة ولماذا تصاعد الاهتمام الدولي مجدداً بالشأن اللبناني

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2984 - السبت 06 نوفمبر 2010م الموافق 30 ذي القعدة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً