العدد 2987 - الثلثاء 09 نوفمبر 2010م الموافق 03 ذي الحجة 1431هـ

أبيي وكركوك... وجنوب اليمن

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ثلاثة ملفات تنتظر الانفجار في ثلاث دول عربية. الأول في السودان بسبب الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب والخلاف على هوية المقترعين في ولاية أبيي الغنية بالمراعي والنفط. الثاني في العراق بسبب الخلاف على الإحصاء (التعداد السكاني) في محافظة كركوك الغنية بالنفط والتنوع السكاني - الأقوامي. والثالث في اليمن بسبب ذلك التحالف الموضعي اللامفهوم بين الحراك الجنوبي (الانفصال) وتنظيم «القاعدة» وشبكة التوزع القبلي في شبوة وأبين وغيرها.

الملفات الثلاثة قابلة للاشتعال في أي منعطف تنزلق إليه القوى المحلية والأطراف المعنية صاحبة المصلحة في توظيف الانقسامات المتوارثة خدمة لأهداف لا صلة لها بشعارات الحرية وحقوق الإنسان والاستقلال. وخطورة الملفات أنها تشهد رعاية دولية أو تخضع لإشراف أميركي أو تدخل خارجي ما يساعد على تحفيز العناصر التي تتحرك على الأرض على رفع سقف مطالبها أو المراهنة على الأجنبي لتحسين شروط التفاوض.

الاستفتاء المتوقع حصوله في الجنوب السوداني بمراقبة الأمم المتحدة مطلع السنة الميلادية المقبلة تشوبه مجموعة ثغرات قانونية وتقنية بسبب عدم جاهزية الولايات لاستقبال حدث درامي يمكن له أن يستدرج القبائل إلى التنافس على كسب الغنيمة قبل أن تتوضح صورة خريطة التوازن السكاني في الداخل الجنوبي. الولايات الجنوبية مثلاً ليست مسلمة (17 في المئة) وليست مسيحية (16 في المئة) وتنتمي غالبية سكانها إلى مجموعات قبلية متفرقة تدين بمعتقدات محلية إفريقية وتتكلم لغات ولهجات لا يجمها رابط مشترك يمنع اندفاع التفكك إلى مزيد من التناحر. إضافة إلى هذه اللوحة الفسيفسائية (اللونية - القبلية) تبرز مشكلة أبيي على مسرح الاشتباك نظراً للتعارض الحاصل بين الحركة الشعبية التي ترفض أن يصوت أبناء قبيلة المسيرية (العربية) بذريعة أنها رعوية وغير مستقرة وبين حزب المؤتمر الوطني الذي يشترط أن تصوت المسيرية باعتبارها تسكن في الولاية وتعتمد على الرعي الموسمي في أراضي أبيي الخصبة.

الخلافات على حق التصويت يفتح الباب على انفجار دموي عنيف لأن منع المسيرية من الاقتراع يعني ذهاب ولاية أبيي إلى انفصال الجنوب ما يهدد حياة القبيلة الهائلة في تعدادها السكاني ويعطل عليها أرزاقها وموارد معاشها ويطردها من منطقة استقرت فيها رعوياً من مئات السنين. ويشكل الخلاف المذكور نقطة تجاذب دولية بين فريق يرى أن المسيرية تمتلك الحق المشروع في المشاركة في استفتاء تقرير مصير الولايات وبين فريق يطالب بتأجيل الاقتراع إلى فترة لاحقة يتم خلالها إنهاء المعضلة قانونياً وبالتوافق ومن دون حاجة إلى الاستعجال في أخذ خطوة ناقصة قد تلغي كل مشروع الطلاق الوردي (السلمي) بين الشمال والجنوب.

مشكلة كركوك في شمال العراق لا تقل خطورة عن مشكلة أبيي في جنوب السودان. فهذه المحافظة الغنية بالنفط تسيطر عليها القوات الأميركية منذ احتلال العام 2003، وهي عرضة للتجاذب الأهلي (الأقوامي) بين العرب والتركمان والأكراد معطوفاً على جيوب مذهبية وأقلاوية منتشرة على ضفاف المدن والقرى. وبسبب هذه الخصوصية الاقتصادية والسكانية تتجه المحافظة رويداً نحو مسرح الاشتباك في حال أنهت قوات الاحتلال الأميركية الانسحاب في نهاية 2011 أو مطلع 2012 من جوار آبار النفط ومحطات التكرير وأنابيب الضخ. ويضاف إلى هذه الخصوصية نمو الاختلاف على تعريف الهوية. التركمان يعتبرون المحافظة تتمتع بألوان لا تتجانس في تكوينها الأقوامي - الثقافي مع بقية المحافظات ويطالبون بمعاملة خاصة تنسجم مع طبيعة التنوع. والأكراد يعتبرون المحافظة كردية ويجب أن تتبع إدارياً لإقيلم كردستان لأن الكرد يشكلون غالبية السكان بذريعة أن العرب قوة طارئة تم إسكانها خلال فترة حكم صدام حسين. والعرب يعتبرون كركوك تابعة جغرافياً لمحافظة صلاح الدين وهي في مجموعها تشكل غالبية عربية وأن الأكراد استغلوا الاحتلال الأميركي ونسقوا معه لتغيير المعالم السكانية وطرد العرب أو إجبارهم على النزوح حتى تتعدل توازنات هوية المحافظة.

جنوب اليمن لا يقل تعقيداً عن طبيعة كركوك وتركيب أبيي بسبب التداخل السياسي بين شبكات الاعتراض الممزوجة بالاختلاط بين إيديولوجية اشتراكية انفصالية (الحراك الجنوبي) وأيديولوجية «غامضة» لا تعرف هوياتها ومنابتها تغلف القشرة الخارجية لتنظيم «القاعدة» الهلامي في تراتبه وأطيافه وملاحقه وبين خريطة قبلية تنتشر على المحافظات وتتوزع الولاءات باتجاهات ثلاثة: الأول نحو الدولة (الحكومة المركزية في صنعاء) ويتعاون معها في الدفاع عن الوحدة والوظيفة الرسمية، الثاني نحو الحراك الجنوبي (التقسيم) من دون توافق على تبني تلك المعتقدات اليسارية المبهمة في تصوراتها وبرامجها، والثالث نحو طابور «القاعدة» وما يمثله من خلايا تفجير عشوائي لا يعرف طبيعة الأهداف ولكنه يعرف كيف يستغل مظلة القبيلة لتوفير الحماية وتأمين اللجوء.

تعاضد العناصر الثلاثة وتفرقها في الاتجاهات بين دولة وقبيلة، وحدة وانفصال، اشتراكية وإرهاب، ساهم في ترسيم لوحة أيديولوجية غامضة تثير الرعب من جانب وتعطل إمكانات السيطرة على الأمن والاستقرار في الجنوب اليمني ما أدى إلى تشجيع العامل الخارجي على المطالبة بالتدخل لفرض نوع من الوصاية العسكرية الدولية على المناطق المتوترة وخصوصاً تلك الغنية بالنفط وخطوط الأنابيب.

الملفات الثلاثة في السودان والعراق واليمن تشكل في مجموعها بؤر انفجار تنتظر تلك اللحظة الانعطافية حتى يبدأ فتيل النار بالاشتعال. فالعناصر جاهزة وهي على رغم ابتعادها الجغرافي واختلاف تكوين (خصوصية) كل أزمة فإن هناك تقاطعات تجمع بينها وهي التدخل الخارجي (الاحتلال الأميركي أو الوصاية الدولية) والنفط (آبار وأنابيب ومحطات نقل أو تكرير) والتراجع في النمو الاجتماعي - الاقتصادي مضافاً إليها ذلك الانشطار العمودي - الأهلي بين القبلية (اللون والعرق واللغة) كما هو حال أبيي (المسيرية والدينكا)، والأقوام (العرب، الكرد، والتركمان) كما هو حال كركوك، والأيديولوجيات المتخيلة والمتوهمة على غرار ذلك التحالف الموضعي واللامفهوم في شبوة وأبين.

هذا التداخل - التعارض يؤكد أن فرضية الانفصال (الانقسام) ليست بالضرورة صحيحة وهي لا تقل في سذاجتها عن نظرية الوحدة هي الحل. فالوحدة ليست حلاً كذلك الانفصال. والاستفتاء في بلد منقسم الولاءات لا يساعد بالضرورة على الوحدة وإنما قد يشرذم ويشرد ويطرد ويؤدي إلى بؤر عنف ويرفع من درجة الاقتتال الأهلي إلى طور الإبادة العنصرية أو العزل الديني، كما حصل في البوسنة وكوسوفو.

المشكلة أعمق من ذلك كذلك شروط الحل، لأن الأزمات أساساً تتصل بالتخلف أو تراجع النمو وضعف التواصل بين البنى السكانية وعجز الدولة عن احتواء التنوع في إطار مظلة المصلحة المشتركة. وحين تكون الدولة غير قادرة على لعب دورها التاريخي في الدمج والتوحيد الوطني تتكاثر العصبيات وتتناسل الانقسامات وتظهر إلى مسرح الاشتباك كل تلك الهويات الصغيرة والأيديولوجيات الضيقة الأفق.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2987 - الثلثاء 09 نوفمبر 2010م الموافق 03 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:57 م

      جنوب حر

      الجنوب دولة ودخلة في اتحاد مع الجمهورية العربية اليمنية وبعد ان فشلة الوحد وتم غزو الجنوب من قبل القوات الهمجية اليمنية وتدمير كل شي فية وتسريح كل الموظفين سوى عسكريين او مدنيين وطمس هويتة الثقافية وتغيير التركيبة السكانية للجنوب اصبح ضروري ان يدافع الجنوبيين عن ارضهم وعرضهم وكان ان تبنو الخيار السلمي ممثل بالحراك الجنوبي اما القاعدة فهي بضاعة النظام يبتز بها دول الجوار ويحاول ان يوهم العالم الخارجي ان الجنوب موطن القاعدة من اجل عدم مساعدتهم شعب الجنوب

اقرأ ايضاً