العدد 3008 - الثلثاء 30 نوفمبر 2010م الموافق 24 ذي الحجة 1431هـ

عنصرية «خليجي 20»!

سليمان الهتلان comments [at] alwasatnews.com

-

في السنوات الأخيرة، صارت البطولات العربية لكرة القدم مناسبات «عربية» صاخبة مليئة بخطاب العنصرية البغيض والصفاقة والسفاهة وأضف ما شئت... وفي مدن خليجية، تضع الناس أيديها على قلوبها خوفاً من فوز فريقها الرياضي فتغرق مدينتهم في الفوضى والصخب والزحام و«قلة الأدب»! والذين ظنوا أن كرة القدم لا تثير هذه النعرات العنصرية إلا في مباريات منتخبي الجزائر ومصر، عليهم اليوم أن يتأملوا في «الخطاب الرياضي» الخليجي ليعرفوا أن «المرض» عام والظاهرة شاملة.

وليست هذه العاهات في خطابنا الرياضي إلا نتاجاً يسيراً لخطاباتنا الأخرى التي ترتكز - في كثير من جوانبها - على نبذ الآخر ونظرة فوقية لفئة على أخرى وعنصرية مُبيّتة تختفي خلف الابتسامات الكاذبة والمجاملات الوقتية.

انظر للسخرية «العنصرية» في رسائل الجوال والبلاكبيري وتعليقات بعض المواقع الإلكترونية ضد اليمن وأهله منذ انطلقت دورة «خليجي 20» في عدن قبل أيام. وما تلك سوى إفرازات لمواقف «عنصرية» متجذرة قد لا يدركها صاحبها إلا بعد فوات الأوان. وتلك المواقف ليست بالجديدة: إذ ومن قبل «خليجي 20» كان البعض منا - في الخليج - يتندر على لهجة أهلنا في اليمن ولباسهم وفقرهم ومعاناتهم.

يتناسى أهل هذا الخطاب العنصري ضد اليمن أننا في الخليج لولا النفط لكنا - مثلما كنا قبل النفط - لا نختلف - في أحوالنا - عن أهلنا الكرام في اليمن بل لربما ظل اليمن هو «المنارة» التي نحلم بالوصول إليها. لكن من يمارس العنصرية ضد جاره سيمارس العنصرية، وإن بأشكال مختلفة، ضد أهل بيته. فمن تلبسته هذه «البغيضة» لا بد أن يعبر عنها حتى لو ضد نفسه. وهكذا ثارت ثائرة بعض الإعلاميين في السعودية بعد أن وصف «إعلامي» كويتي أحمق فريقهم بـ «بقايا الحجاج». وتناسى الغاضبون أن هذه «المسبة» هي من نتاج سعودي خالص ضد أهل مكة وكثير من أهلنا في الحجاز. وكيف لنا أن نرفض مثل هذه «الإهانة» ضد منتخب السعودية ولا نرفض تلك «العنصرية» البغيضة ضد شعب كامل في اليمن هو الجار والعمق والتاريخ؟

المؤسف أننا، وعلى الرغم من كل هذا الإنفاق الهائل على مشروعات التعليم والبنى التحتية، لم ننفق القليل على تربية أجيالنا لتجاوز كل أشكال العنصرية والنظرة الدونية للآخر. انظر حولك وسترى من «الثنائيات» ذات الرائحة العنصرية الكثير من مثل: قبيلي وغير قبيلي. بدوي وحضري. عربي وعجمي. وأبناء القبائل في بعض مناطق الخليج يشار إليهم بخط «220» فيما غيرهم - ممن لا ينتمي لقبيلة - يبقى خط «110». ومن غير نقاش فإن كهرباء ذات الخط «220» هي الأقوى والأنقى والأبقى!

في أولى سنوات الجامعة في الرياض، وكنت للتو أغادر قريتي الجنوبية بكل نقاء وبراءة، سمعت للمرة الأولى زميل يعيرني - مازحاً - ويقول: «تعال يا صفر سبعة». سألته عن معنى «صفر سبعة» فظن أنني أمثل عليه. أقسمت له أنني لا أعرف معناها. شرح لي أن أهله وجماعته، من أهل السلطة، ينادون أهل الجنوب بـ «صفر سبعة» نسبة لمفتاح الخط الهاتفي لمناطق الجنوب. أذكر أني قلت له ساخراً: كيف تعيرني بما ليس عندي. كيف أكون «صفر سبعة» وقريتنا مثل آلاف القرى المجاورة لا هاتف فيها ولا كهرباء. قلت له: أدخِلوا الهاتف لبيتي أولاً ثم عيروني: يا صفر سبعة!

تمر السنون وإذا بموجة الجوالات تعمّ فتلغي الفوارق «الطبقية» الهاتفية بين أهل «صفر واحد» وما بعدها من «صفر 2» إلى «صفر 7»! تخيل لو أن وزير المياه يزور قرية لم تصلها مياه التحلية ثم ينظر لصديقه من أهل تلك القرية ويناديه ساخراً: يا ابن القرية التي لم تصلها المياه! هكذا نحن نصنع مع أهلنا في اليمن: ألسنا نعيرهم بالفقر والتأخر وقلة الحيلة؟

ألا نستحي على حالنا - نحن أهل النفط - كيف تركنا أهلنا في اليمن غارقين في الفقر والبطالة والحروب؟

ألم نُعِد لليمن ملايين اليمنيين من العاملين في الحقول والمصانع والأسواق الخليجية لذنب سياسي ليس لهم فيه ناقة ولا جمل؟ واليوم نشتمهم لأنهم فقراء أو لأنهم لم يبهرونا في افتتاح «خليجي 20» بإضاءات الليزر والألعاب النارية وإعلانات الملاعب؟ وإني على ثقة لولا وجود أعداد مهمة من «العقلاء» في دوائرنا الإعلامية - على مستوى المنطقة كلها - لكنا شهدنا من المواقف العنصرية السخيفة في «خليجي20» ما قد يفوق «داحس والغبراء» الأخيرة بين الجزائر ومصر!

أن تحترم الناس من حولك، أفراداً وشعوباً، بغض النظر عن أحوالهم المادية أو انتماءاتهم العائلية والقبلية، هو في الأصل مسألة إنسانية وحضارية. وإن لم نعد برامج تعليمية وإعلامية جادة وصارمة لتثقيف وتعليم أطفالنا مفاهيم حضارية في احترام الناس في مجتمعنا ومجتمعات الجوار فإننا سنضرّ بهم وبمستقبلهم. فكيف نتمكن من إعداد أجيالنا القادمة للتعامل الواثق - والمحترم - مع الآخر ونحن لم نعلمهم احترام الناس في بلدانهم ممن يتحدث اللغة نفسها وينتمي لثقافة وتاريخ مشتَرَكين؟

وكيف ننتظر من الآخر - البعيد - أن يحترمنا ونحن لا نحترم بعضنا البعض ونعيش النظرة الفوقية المتعالية بعضنا ضد بعض؟

إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"

العدد 3008 - الثلثاء 30 نوفمبر 2010م الموافق 24 ذي الحجة 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 11:52 ص

      ونعم فيك والله

      كل الشكر والتقدير واحيي الروح العربية فيك ض

    • السيد بنز | 11:06 ص

      صفر سبعه

      مقال رائع كالعاده
      واكثر ماعجبني قصة الصفر سبعه ههههههههههههههه

    • زائر 14 | 10:37 ص

      أحسنت، ولكن!

      رغم أصل اعتراضنا على رذيلة الهمز واللمز تجاه أي إنسان أو شعب أو طائفةٍ من الناس، إلا أنني أرى أنك وقعتَ في ما نهيت عنه وزدت بوصفك الإعلامي من دولة الكويت الغالية على قلوبنا بالأحمق!! ولئن رددت بأنه توصيف واقع ووجهة نظرك، فما ذكره الإعلامي الكويتي -في ذات السياق- حقيقة تاريخية لا تستطيع إنكارها مع خلوها من الشتيمة الصريحة التي تمتاز بها كلمتك. ثم إن التندر يُمارس بحق شعوبٍ كثيرة في الخليج وغيره ولا يقتصر على أهل اليمن، مع أني أرى أن الشعوب بتصرفاتها هي من تفرض احترامها والعكس، وليس الفقر.

    • زائر 12 | 9:51 ص

      قال رسول الله صلى الله عليه و سلم مادحا اليمن:

      الحكمة يمانية و الفقه يماني، فهم فعلاً أناس مثقفون و أهل حكمة و فقه في الدين.
      أحسنت يا الهتلان

    • مواطن مستضعف | 7:07 ص

      من تواضع لله رفعه!!

      بسم الله الرحمن الرحيم
      بوركت يا أستاذ سليمان على هذه الروح الطيبة العالية و الحس الأخلاقي الرفيع,
      فعلاً .. إننا ننسى أو نتناسى حقيقة النقلة النفطية التي أحدثت الفوارق المعيشية بيننا و بين أشقاءنا العرب و بتنا نعايرهم بما ليس فيهم .. ويكأننا أننا خلقنا النفط بأيدينا؟!!
      هذا بدل شكر الله و حمده على جزيل عطائه جلّ وعلا.

    • زائر 11 | 4:05 ص

      مقالك فتنة مع كامل التقدير

      السلام عليكم ورحمة الله،
      أتداخلُ لا لشيء سوى أنني وجدتُ بأنكَ عاجزٌ عن قراءة صحيحة صريحة لانتقادات البعض حول استضافة اليمن لكأس الخليج، الكل يقر بأن اليمن أخوتنا وأحبتنا وتربطنا معهم أواصل الدم والدين، إلا أن اليمن ليست مهيئة للآن لهذه الإستضافة وإن كنت صادقاً في دفاعك عن اليمن الحبيب، كان عليك أن تجمع التبرعات كي توفر منشآت وكوادر ذات مستوى عال لدعم اليمن في تنظيمها لا أن تبكي على الأطلال، حتى اللحظة المنصف والمتابع المثقف لديه قناعة تامة بأن اليمن الحبيب ليست أهل للتنظيم حالياً

    • زائر 10 | 3:09 ص

      مقال بألف كتاب

      شكرا على هذه النظره الثاقبه ومن يتندر على اهلنا في اليمن او يعيرهم بفقرهم انما هو شخص منزوع المروه وعديم التربيه وبعيد كل البعد عن الرساله المحمديه فرسولنا الكريم يقول المسلم اخو المسلم ....الى اخر الحديث ولكننا ابتلينا بدول الخليج بطبقه ربما لاتملك قوت يومها وتتشدق وتلعن بو يمن وتسب وتستهتر وهي نكره لاتملك من امرها شي فبلد بحجم اليمن وحضارته وتاريخه الضارب باعماق التأريخ نجد بعض الذين لاينتمون للعروبه يتطاولون بسبب وبدون سبب

    • زائر 9 | 2:33 ص

      بصراحة لفتة كريمة يا بن الكرام

      هذا الموضوع الجديد في طرحه الاخلاقي لم يتطرق له احد ونحن نتابع التعليقات والكتابات ولكن لم يأتي على ذهن احد الكتاب وشكرا لك ياخونا سليمان على هذا التوجه الادبي الاخلاقي .
      ولكن بحق نحن اكرمنا اخوانا اليمنين اكراما ما بعده اكرام اعطيناهم الوظائف العسكرية والاقتصادية والسكن وحتى رواتبهم التقاعدية تصلهم الى محلهم واهلهم في اليمن الشقيق . هل تعلم او سمعت اكراما اكثر من ذلك ولا زلنا نستقبلهم ونرحب بهم اكثر ترحيب ،
      ودمت على المودة والمحبة ايها الحبيب .

    • زائر 8 | 2:14 ص

      حسافه يالبحرين

      أكيد اليوم ردود كثيره بتجيك لأن اليمانيه تارسين البحرين, و كثير منهم مساهم فعال في عملية التوطين لغير المستحقين من أجل نهب الرزق من البحرينيين.

    • زائر 6 | 1:02 ص

      واقع مؤلم

      أصبت يا سليمان ، كما عانيت في بداية دراستك نحن أيضا هنا في البحرين عانينا من التنذر والاستهجان والاقصاء كوننا من قرى ، لم يكن لنا ذنب في أننا ولدنا في قرية أهملتها الدولة ولم يكن ذنبنا أن آباءنا وأمهاتنا لم يدخلوا مدارس ويتعملوا ، كانوا يعايروننا في أكلنا وطريقة أكلنا وثيابنا حتى قصة شعرنا لم تسلم من استهزائهم ، كنا في المدرسة محل تعليق واستهزاء دائم وكأننا جئنا من عالم أو كوكب آخر، كانوا يستكثرون علينا الدراسة، إذا ارادو تأليف نكتة سخيفة نسوا خيوطها على هذا القروي أو ذاك إلى أن أفرجها الله.

    • زائر 5 | 12:55 ص

      احسنت

      رحم الله والديك

    • زائر 4 | 12:50 ص

      صنعاء وإن طال السفر

      لمستك الإنسانية الحانية ووقفتك هذه محط تقدير واعتزاز أستاذنا الكبير..قلمك النابض بوجدان الإنسان الإنسان المتجرد من أشكال التكبر والغرور والانتهازية والعنصرية والازدراء بالآخرين يجعلني أنحني له حباً وكرامة..أهل اليمن وكل من يحمل هم الإنسانية المتجردة من كل شيء يبادلونك هذا الود أستاذ سليمان..دمت بود

    • زائر 3 | 12:27 ص

      تسلم هالهتلان

      يا أخي أوافقك الرأي في مجمل ما ذهبت إليه ، وأضيف أن هذه الظاهرة أصّلتها الحكومات العربية المتسلّطة قبل أن تنتقل العدوى إلينا ، فصرنا نمارس ما كنّا نشتكي منه ..
      الحمدلله أن هذه الظاهرة ليست واضحة في البحرين بسبب تشابه ظروف الشعبين في ظروف المعيشة و في ظروف البنية الرياضية الهشة ..

    • مقابية | 11:49 م

      يقف القلم حائرا عن وصف روعة مقالاتك

      دائما يقف قلمي عاجزاً أمام مقالاتك الرائعة الهادفة واصل في هذا الطريف فنحن نشد على يديك

    • زائر 2 | 9:59 م

      شكرا على المقال الحلو

      اسمحلي انتم لكم الدنياءونحنو الفقراء من اليمن لنا الاخره انشاء الله

    • زائر 1 | 9:37 م

      انت عربي اصيل

      شكرا اخي العزيزعلى هذا المقال

اقرأ ايضاً