العدد 3016 - الأربعاء 08 ديسمبر 2010م الموافق 02 محرم 1432هـ

الدولة الوطنية ومخاطر الاحتقان الطائفي

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

منبر الحرية

عزمي عاشور - كاتب مصري، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org» 

يرتبط وجود الدولة ككيان جغرافي وبشري بمجموعة من الوظائف التي تبدو بديهية، إلا أن الفشل في أدائها أو القيام بها بالشكل الأمثل يكون كارثياً، يأتي في مرتبتها الأولى الوظيفة الإنمائية التي تتحدد ملامحها في قدرة الدولة على تهيئ الحرية، والإطار المؤسسي القادر على تحقيق نهضة تنموية بتعظيم وتوظيف القدرات والموارد الطبيعية والبشرية بمنهج وأسلوب عصري، يؤدي إلى الارتقاء المعيشي والتعليمي والثقافي لمواطني هذه الدولة والانتقال بهم من وضعية التخلف إلى وضعية التقدم.

ثانيهما، الوظيفة الأمنية سواء كان الأمن في شكل جيش قوي يحمي حدود هذا الوطن من الطامعين في أراضيه، أو في شكل جهاز أمن داخلي يستطيع أن يحافظ على أمن المواطنين معلياً من قيمة القانون وتنفيذه على الجميع دون تفرقة أو محاباة لفرد أو فئة على حساب أخرى، هذا فضلاً عن وظائف أخرى كثيرة تجسد مفهوم الدولة التنموية ويأتي على قمتها وظيفة الاندماج القومي، والتي تكون من محصلتها أن يشعر أفراد الوطن بكيان الوطن الفوقي على الجميع والذي يترجم في عملية تفاعلية من البشر ومؤسساتها بحيث تعم فائدتها على الجميع دون تمييز.

فالملامح المحددة لشكل الدولة في العصر الحديث تظهر في مدى قدرتها على إعلاء قانونها ومؤسساتها على قوانين هذه الجماعات والإثنيات الفئوية بداخلها، بشكل لا يخلق تميزاً لفئة على حساب أخرى، وإنما ينم عن العدالة وتحقيق المساواة أمام مبدأ المواطنة الذي يتساوى عنده الجميع. والدول التي يوجد بها مشاكل كثيرة متعلقة بقضايا الإثنيات والتنوع الديني كانت قدرتها على ترجمة هذا المتغير إلى منجي لها من كوارث قد تؤدى إلى مجازر أو إبادة جماعية يقوم بها البشر تجاه بعضهم البعض. والمثال الأوضح على تطبيق هذا المبدأ يظهر في دولة الهند التي استطاعت رغم كبر عدد السكان المتنوع اثنيا ودينيا والذي تجاوز المليار نسمة، يقع 70 في المئة منهم تحت خط الفقر، من إعلاء مفهوم المواطنة بترجمته في مؤسسات الدولة وقوانينها وخلق ما يشبه المواطن الهندي الواحد بصرف النظر عن إثنيته أو دينه.

والناظر إلى الكثير من المجتمعات العربية بات يلحظ مؤشرات كثيرة تنم على أن الدولة الوطنية لم تبن بعد، على الرغم من مرور كل هذه السنين من التجربة والممارسة للحكم الوطني، وهو الأمر الذي يطرح التساؤلات الكثيرة حول هذا التأخر. فبات هناك ما يشبه التراجع في مفهوم الدولة في مقابل نمو وازدياد قوة تنظيمات وجماعات قد تكون فئوية أو دينية، تأخذ شكلاً موازياً ومضاداً في الغالب للدولة وظائفها. وهي كلها مؤشرات إن دلت على شيء فهي تدل على خلل كبير مرتبط بأن الدولة كمفهوم وممارسة لم يقم تحقيقه على أرض الواقع والأمثلة كثيرة هنا، إلا أنه تبقى هناك أمثلة لنماذج أولها يمثل نماذج حرجة والأخرى يمثل مؤشر إلى أنه في حالة استمرار الأوضاع بهذا السوء سوف تتحول إلى هذه الحالة التي تفضي إلى انهيار الوطن.

أولاً: النماذج الحرجة تتمثل في حالة العلاقة ما بين الدولة اللبنانية والتنظيمات والفصائل التي تعيش في داخلها، فهناك ما يشبه الفصائل الموازية للدولة ليس على مستوى المضمون وإنما في مستوى أداء الوظائف من القيام بالوظائف الأمنية، ليس في الداخل وإنما على الحدود أيضا في شكل ينم على عدم الاعتراف بشكل ما بمفهوم الدولة اللبنانية، هذا ناهيك عن حالات الانقسام الأخرى التي يزرعها بداخل المجتمع مثل هذا الوضع من تنميط الشعب اللبناني في شكل انتماءات دينية وإثنية تعلو أو تهدم بالأساس كل ما يتعلق بمفهوم الوطن بمؤسساته. يجسد هذه الحالة بشكل عملي حزب الله في لبنان الذي أصبحت ممارسته الموازية والمضادة بطبيعة الحال للدولة اللبنانية واضحة للعيان. لعل آخرها دعمه للأمين العام السابق للأمن العام اللبناني اللواء المتقاعد جميل السيد وتنسيقه لاستقبال رئيس الإيراني لزيارة لبنان ليس عن طريق البرتوكولات المتعارف عليها، وإنما على طريقة برتوكول اللا دولة في أن يستقبل فصيل مناوئ داخل دولة رئيس دولة، وما يحمله ذلك من دلالات أبرزها هو عدم الاعتراف بالدولة ومؤسساتها وأنه فوقها...، وبروز مثل هذه النماذج في دولة ممثلة في لبنان من شأنها أن يجعلها دائما دولة في مهب الريح في سبيل أن تكون بؤرة لتنظيمات مسلحة تتقاتل فيما بينها، الأمر الذي قد يؤدي بها في النهاية إلى أن تصبح أحد الأحياء التابعة لدولة أخرى أكثر تنظيما في الجيش وقدرة على إدارة الحكم، ولتكن في ذلك إسرائيل التي حاولت مراراً احتلال لبنان في السابق.

ثانيا: النماذج التي من الممكن أن تتحول إلى حالة حرجة، ومعظم الدول العربية ليست ببعيدة عن هذه الحالة. فعلى سبيل المثال، الدولة المصرية على الرغم من كونها تتميز عن باقي الدول العربية في كونها استطاعت بعد فترة الاستقلال أن تخلق ما يشبه الاستمرارية في نخبتها حيث عمليات انتقال السلطة كانت تتم بشكل سلمي من نخبة سابقة رحلت إلى نخبة تالية، في حالة ندر أن وجدت في النظم الجمهورية العربية الأخرى التي كانت تنتقل فيها السلطة عن طريق انقلابات...، وهو الأمر الذي خلق بشكل ما قدراً من المؤسساتية ظهرت تطبيقاتها في وجود مؤسسة قضائية كل يوم تصدر أحكاماً قضائية لا تفرق فيها بين وزير وغفير على حد تعبير المصريين، وعلى الرغم من كل ذلك تستشعر الآن أن ثمة أمور تحدث قد تؤدي إلى أضرار جسيمة في المستقبل، وهي المتمثلة في بروز أيضا أدوار موازية لدور الدولة ليس بمثل الحالة اللبنانية، وإنما بشكل آخر ينم أنه ثمة مشكلة في حاجة إلى حل، أبرزها في هذه الحالة الوضع السياسي للكنيسة القبطية التي تحولت لأن تكون وطناً موازياً للدولة، فالفرد الذي ينتمي إليها دينياً باتت هي الملاذ له، وليست مؤسسات الدولة، عندما يقع عليه ظلم. تتعدد هنا الأسباب ربما أبرزها خفوت دور الدولة كمفهوم وممارسة للوطن وبروز أدوار موازية أخرى قد تكون في الكنيسة أو في المسجد أو في عمليات الاحتقان الطائفي التي تغذيها رموز التطرف الديني لدى الجانبين، ومن ثم لا يلبث أن يتحول موضع تحول ديانة شخص إلى مشكلة تهز المجتمع أو تصريح يقال بشأن الآخر إلى موضوع تظهر فيه المظاهرات وتعلوا أصوات الغضب.

يحدث هذا في ظل أولويات أخرى غائبة كان من الضروري البحث والتظاهر من أجلها، كل ذلك مؤشرات لا تعكس قوة للمجتمع ولا قوة للدولة الوطنية بقدر ما تعكس قوة للفئوية والطائفية على حساب الوطن والمجتمع الذي يشكل الحضن الآمن للجميع من عنف الداخل وتهديدات الخارج.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3016 - الأربعاء 08 ديسمبر 2010م الموافق 02 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً