العدد 3030 - الأربعاء 22 ديسمبر 2010م الموافق 16 محرم 1432هـ

انفصال جنوب السودان... خطوة أخيرة أو اختبار إرادة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

القمة الرباعية التي عقدت في الخرطوم بشأن مصير السودان لاحتواء تداعيات إعلان نتائج الاستفتاء في 9 يناير/ كانون الثاني المقبل جاءت متأخرة بعض الشيء لكونها لم تضع على جدول أعمالها سوى بند واحد ينص على القبول بالأمر الواقع وعدم محاولة تعديله.

قمة القبول بالأمر الواقع والاعتراف بنتائج الاستفتاء وإقراره كما هو مهما كانت الوجهة تعكس في النهاية رغبة دولية تتجاوز قدرات القوى الاقليمية وما تشكله من مصالح متداخلة ليست بالضرورة متوافقة مع نزعة الانفصال والتقسيم.

الإرادة الدولية لعبت دورها في فرض شروطها ودفع العلاقات المتأزمة داخل السودان إلى طور التدهور، وهي رسمت خطوط الطول والعرض لإعادة هيكلة التوازنات ووضعتها على سكة انسلاخ الجنوب عن الشمال.

مصلحة الدول الكبرى توافقت مع مشروع التفكيك لأنها ترى السودان الموحد يشكل قوة اقليمية واعدة في حال تم التوافق على استثمار ثرواته الطبيعية وأراضيه الخصبة في إطار هيئة سياسية تعطي فرصة للجماعات الأهلية أن تنمو بالتساوي والتوازن من دون تفرقة أو تمييز. هذا الاحتمال ليس صعباً وكان بالإمكان العمل على تعزيزه وتطويره حتى يأخذ السودان حقه وبما يتناسب مع مساحته وإمكاناته. إلا أن الإرادة الدولية سارت عكس الوحدة وتوجهت استراتيجيتها نحو تشطير السودان لمنع احتمال تطوره المتوازن الذي يعود بالخير على الجميع.

قرار الانفصال فكرة طارئة على الأطياف السياسية ولم يكن مطروحاً في برنامج «الحركة الشعبية لتحرير السودان» وغيرها من هيئات ومنظمات واحزاب فاعلة في الجنوب. فالحركة الشعبية في برنامجها السياسي المعلن كانت إلى الأمد القريب تصر على وحدة البلاد وترفع شعار تحرير كل السودان لا نصفه أو ربعه، وكانت تضم في صفوفها الكثير من الوجوه «الشمالية» فضلاً عن مجموعات أهلية محلية ترتبط بعلاقات المصاهرة مع شبكة من القبائل المتنقلة والمنتشرة في الأقاليم.

فكرة الانفصال دخلت حديثاً على برنامج الحركة الشعبية وتحولت إلى خطة عمل بعد العام 2005 حين اقرت الخرطوم بمبدأ الاستفتاء بعد ضغوط دولية واقليمية ورغبة محلية في اعطاء فرصة للهدنة حتى تشكل مناسبة للاندماج وخطوة باتجاه اسقاط المخاوف والأحكام المسبقة.

الهدنة بين الشمال والجنوب أعطت مفعولها المعاكس. فالخرطوم وجدت فيها فترة نقاهة قد تساعد على إزالة آثار الحرب وتشجع سكان الجنوب على الانفتاح والخروج من العزلة والانخراط في برنامج الإعمار والإسكان والتنمية. بينما الدول الكبرى وجدت في الهدنة خطوة اختبارية في طريق التقسيم والانفصال بغض النظر عن الظروف والعوامل والمضاعفات التي قد تنجم عن سياسة التقويض من الداخل.

الاتجاه الدولي يتحمل من دون شك مسئولية كبرى في ترسيم خطوط طول وعرض الانفصال. ولكن الأطراف الأخرى المتمثلة في ضعف الدولة مضافاً إلى انكفاء الدول الاقليمية وعدم لعب دورها ومسارعة الحركة الشعبية إلى تعديل برنامجها وتكييفه مع رغبة العواصم الأوروبية والأميركية تتحمل من جانبها مسئولية صغرى في عدم صوغ سياسة مضادة وموازية لخط التقسيم.

المسار الواحد الذي اعتمدته الإرادة الدولية منذ العام 2005 كان من الصعب أن يتمادى ويأخذ مجاله لو توافرت في المقابل توجهات عقلانية مدروسة وواعية من أطراف الخرطوم والحركة الشعبية والدول الاقليمية المعنية مباشرة بأمن المنطقة واستقرارها وما تفيض به من توازن يرجح نزعة التقارب لا التباعد. فالقمة الرباعية التي عقدت جاءت متأخرة زمنياً وبعد فوات الأوان، لأنها لم تبحث إلا في بند واحد وهو احتواء مضاعفات ما بعد الاستفتاء... أو تداعيات ما بعد الانفصال.

التقسيم الذي تعاملت معه القمة الرباعية بوصفه المسار الوحيد أو الخيار الواقعي أو الاحتمال المرجح يعطي فكرة عن عدم تقدير المخاطر التي قد تترتب عن نتائج الانفصال وما ستتركه من تأثيرات على المحيط الاقليمي وتحديداً دول حوض النيل. فالقمة جاءت للاعتراف بالأمر الواقع واقرار فرضية الانفصال من دون أن تلجأ إلى التفكير بوضع مسار آخر على جدول الأعمال. والسبب ربما يكون تأخر القمة عن موعدها نحو خمس سنوات.

الدول الاقليمية تعاملت مع المسألة بوصفها من الأمور العادية والطبيعية والمنطقية ولذلك أهملت الموضوع تاركة اياه يأخذ مجراه الزمني من دون تدخل لتغيير المسار وترتيب خيار آخر أكثر نضجاً ويعود بالنفع على كل الأطراف. الدول الكبرى تعاملت مع المسألة بوصفها من الأمور غير العادية وغير الطبيعية وغير المنطقية فلجأت إلى اعطاء الموضوع أولوية في خطة عملها واشتغلت على مختلف المستويات حتى تكون المناسبة فرصة لتمرير مشروع إعادة هيكلة الجغرافيا السياسية وتعديل الحدود التي رسمتها الدول الاستعمارية في الزمن الاوروبي حين كانت تحتل القارة الافريقية من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها.

تقسيم السودان (أو انفصال الجنوب) سيكون خطوة اختبارية ذات بعد استراتيجي في إطار مشروع إعادة هيكلة الخرائط السياسية في افريقيا وتحديداً في غربها أو ما يعرف بالقرن ودول الحوض. وهذه الخطوة الاختبارية التي تتعامل معها الدول الاقليمية وكأنها اخيرة ونهائية قد تتحول إلى سابقة سياسية في التعامل الاستراتيجي بين الدول الكبرى وتلك الهيئة التي استقرت عليها القارة بعد خروج الاستعمار الاوروبي تباعاً من افريقيا.

هناك الكثير من مشكلات الحدود في القارة بسبب التداخل الجغرافي - القبلي بين الدول، ونتيجة تلك التقسيمات الاعتباطية التي اقرتها عواصم الاستعمار الاوروبي في القرن التاسع عشر وما أعقبها من تنافسات واصطراعات وتوزيع نفوذ وأدوار بين فرنسا وبريطانيا واسبانيا والبرتغال وبلجيكا وهولندا وايطاليا. فالخريطة الافريقية التي استقرت ميدانياً جاءت تلبي مصالح وحاجات وموازين القوى الاوروبية الكبرى في حقبة الاستعمار ولم تأخذ في الاعتبار ظروف ومتطلبات الجماعات الأهلية التي خضعت مرغمة ودفعت الثمن بسبب التأثيرات السلبية للمنازعات الدولية على أرضها.

الآن تغيرت المعادلة وهناك توقعات دولية أن يكون ما تبقى من النصف الأول من القرن الجاري بداية عصر افريقيا. فالتوقعات ترجح أن تشهد حالات من النمو والصعود تقارب المشهد الآسيوي الذي حقق خطوات متقدمة في نهاية النصف الثاني من القرن الماضي. وهذا الاحتمال ليس سراً لكونه أصبح مدار نقاش بشأن التعامل مع افريقيا في المستقبل وكيف سيعاد توزيع الأدوار بعد أن دخلت الصين والبرازيل (القوتان الصاعدتان) على خط التنافس مع الشركات والمصارف الأميركية والأوروبية.

في هذه اللحظة الاستثنائية في تاريخ القارة الواعدة في عقود القرن الجاري كان من المقدر أن يلعب السودان الموحد دوره الخاص في معادلة النمو في محيط اقليمي يحتاج فعلاً إلى التوازن والاستقرار حتى يأخذ حقه الطبيعي في التعامل الدولي. إلا أن ما حصل وما هو متوقع أن يحصل في استفتاء الجنوب يرسل إشارة مضادة وقد تكون عكس أمنيات الدول الاقليمية التي تأخرت قمتها في الانعقاد أكثر من خمس سنوات. فالقمة ارادت الاعتراف بالأمر الواقع وتوجيه رسالة سلمية للدول الكبرى تقر بموجبها مشروع الانفصال كما حصل سابقاً بين اثيوبيا واريتريا.

رسالة حسن النية كما يبدو وصلت، ولكن السؤال سيبقى مطروحاً: كيف ستفهم الدول الكبرى الرسالة الاقليمية؟ خطوة اخيرة أم اختباراً للضعف ولموازين القوى... وبالتالي سيكون الانفصال فاتحة للتقسيم أو إعادة هيكلة للخرائط من الداخل.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 3030 - الأربعاء 22 ديسمبر 2010م الموافق 16 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 12:27 ص

      أحسنت يا زائر "1"

      ما ذكرتهُ أنت هو تحديداً ما كنتُ بصدد كتابته أنا.
      بوركت يا عزيزي!!

    • زائر 1 | 11:52 م

      ما اقبح تفرجكم يا عرب

      لماذا لا تضع النقاط على الحروف يا استاذ وليد وتقول ان الانفصال او التقسيم هي ارادة امريكية واسرائيلية اولا ثم ارادة اوربية بدلا من التعبير بالارادة الدولية تارة وبالتوجه الدولية تارة اخرى؟؟ هذا باعتراف امريكا واسرائيل والدليل التبني الفاضح لملف الاستفتاء من قبل امريكا ولكأنها قضيتها الأولى ضاربة عرض الحائط بقواعد العمل الدبلوماسي والعلاقات الدولية. للأسف فان الخاسر الاكبر من كل هذا هم الدول العربية التي تفرجت فقط والاكبر منهم مصر الجارة التي سيأتي عليها الدور وما السودان الى البداية والبروفة.

اقرأ ايضاً