العدد 3035 - الإثنين 27 ديسمبر 2010م الموافق 21 محرم 1432هـ

ملاحظات على هامش مؤتمر تعليم حقوق الإنسان

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

جاء انعقاد مؤتمر تعليم حقوق الإنسان بمبادرة من الأكاديمية الملكية للشرطة بالتعاون مع برنامج حماية حقوق الإنسان في كلية الدراسات الدولية المتقدمة بجامعة جونز هوبكنز بالولايات المتحدة الأميركية تحت رعاية وزير الداخلية مناسبة لإلقاء الضوء على أوضاع حقوق الإنسان في الوطن العربي ليس في مجال التشريعات ولا في مجال الممارسة العملية ومدى التمتع بهذه الحقوق، وإنما في مجال تدريس مفاهيم حقوق الإنسان في الجامعات والأكاديميات ومعاهد الدراسة والتعليم العالي في الوطن العربي.

وقد شارك في المؤتمر عمداء كليات ورؤساء جامعات من لبنان (جامعة نوتردام)، ومصر (جامعة الإسكندرية وجامعة الزقازيق وجامعة المنوفية)، وإيران (جامعة مفيد)، والعراق (جامعة بغداد)، والأردن (جامعة مؤتة)، والمملكة العربية السعودية (جامعة الملك سعود، وجامعة نايف العربية للدراسات الأمنية)، فضلاً عن الأكاديمية الملكية للشرطة بالبحرين وجامعة هوبكنز في الولايات المتحدة.

وقدّم عدد من الأساتذة والباحثين بحوثاً قيمة في مجال تعليم حقوق الإنسان في جامعاتهم وأحياناً دراسات قام بها الباحثون في عدد من الجامعات في بلادهم.

ويهمنا إبراز الملاحظات التالية على هامش ذلك المؤتمر المهم:

الملاحظة الأولى: التي أثارت انتباهي وانتباه عدد من المشاركين من خارج البحرين أن هذا المؤتمر يعقد في رحاب وبدعوة من أكاديمية الشرطة، ومن المعروف أن الشرطة في كثير من الدول النامية وبخاصة الدول العربية لا ترغب في سماع مصطلح حقوق الإنسان، لأن أولوياتها تتعلق بالأمن، وترى في مسألة احترام حقوق الإنسان، فضلاً عن مفهوم أن الإنسان له حقوق مسألة ليست من اختصاصها، بل أحياناً تتعارض مع طبيعة عملها. هذا التصور لوضع وعلاقة الشرطة بقضية حقوق الإنسان هو السائد في كثير من الدول العربية والدول النامية، بل إنه في مؤتمر دولي عقد في نيودلهي منذ أربعة أعوام باسم مؤتمر دولي للقانونيين، شارك فيه أساتذة القانون وقضاة من عدد من الدول من مختلف أرجاء العالم، ومن بينهم قضاة من بعض الدول الإفريقية، وشاركت آنذاك ممثلاً للمجلس المصري لحقوق الإنسان، وتحدث رئيس قضاة في أوغندا عن تجربته الشخصية تجاه المحامين في بلادهم، وكيف أنه يصدر أحكاماً بمعاقبتهم بشدة إذا خرج أحد منهم عن الاحترام اللازم للقاضي، ولم يكن هذا القاضي هو الوحيد بل أكثر صراحة من قضاة آخرين من بعض الدول النامية، الأمر الذي أثار كثيرين كيف يكون مثل هذا القاضي مسئولاً عن حقوق الإنسان والعدالة وهو يعاقب ممثلين القضاء الواقف أي المحامين كما يطلق عليهم وهما الجناح الآخر للعدالة. أقول إنني عدت بذاكرتي لعدة شواهد مرت بي، ووجدت المفارقة أن الشرطة في البحرين تحرص على تعليم المواطنين وتعليم أفرادها قبل غيرهم مفاهيم حقوق الإنسان وضرورة احترامها.

وعند افتتاح وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة لمؤتمر حقوق الإنسان في أكاديمية الشرطة أسهب في الحديث عن موضوع حقوق الإنسان، وضرورة غرس مفاهيمه ونشر ثقافته في المقام الأول لدى كل فرد من أفراد الشرطة ثم لدى المجتمع بأسره، وإن هذا يجب أن يكون من أولويات عمل الشرطة، وإن هذا يعكس توجيهات جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه وقيادة البحرين بأسرها، وفي حديث لمس جميع المشاركين مدى إخلاص الوزير وصدقه لأنه كان يتحدث حديثاً من القلب، ولا يقرأ من ورقة معدّة له، وتكلم بطلاقة وفصاحة غير معهودة في المسئولين عن الأجهزة الأمنية في كثير من الدول.

وأعاد ذلك إلى ذاكرتي حديث ونقاش مطول مع الدكتور عبداللطيف بن راشد الزياني رئيس الأمن العام السابق في البحرين حول حقوق الإنسان، ووجدته شديد الاهتمام بذلك والحرص على نشر هذه المفاهيم، فقلت له إنه لأول مرة في حياتي أجد رجل شرطة بهذا الحرص وهذا الاهتمام بموضوع حقوق الإنسان.

الملاحظة الثانية: إنه رغم أن المؤتمر لم يضم ممثلين عن مختلف الدول العربية ولا عن جميع الجامعات العربية إلا أنه يمكن القول بأنه ضم نخبة تمثل عينة مهمة من دول شمال إفريقيا مثل مصر ودول المشرق العربي مثل العراق والأردن وبلاد الشام الكبير مثل لبنان، وكذلك من دول الجوار العربي مثل إيران. ولا أدري سر اختيار تلك الجامعات، ولكن أثار انتباهي أنها ضمت رئيس جامعة نوتردام في لبنان وعميد كلية الحقوق في الجامعة، وكأن منظمي المؤتمر رغبوا في نقل رسالة التسامح تجاه الأقليات من ناحية، ورسالة المحبة والتقدير تجاه إيران، وجامعة مفيد الواقعة بالقرب من مدينة قم مركز الحوزات العلمية الشيعية من ناحية أخرى. وجامعة مؤتة وهي تجمع بين الفكر القانوني والفكر الأمني، وكذلك جامعة نايف للعلوم الأمنية، أما الجامعات المصرية الثلاث التي شاركت وهي جامعة الإسكندرية وجامعة الزقازيق وجامعة المنوفية فلديها برامج دراسية ومراكز لحقوق الإنسان. بالطبع هناك جامعات أخرى في مصر بها مراكز لحقوق الإنسان مثل جامعة أسيوط، ولكن ربما كان من الصعب دعوة كثير من جامعات مصر في مؤتمر محدود العدد مثل هذا المؤتمر.

الملاحظة الثالثة: إن الأكاديمية الملكية للشرطة في البحرين لم تكن هي المستضيفة للمؤتمر ومقر انعقاده فحسب، وإنما شارك آمر الأكاديمية طارق الحسن مشاركة فعلية بالتواجد طوال يومي انعقاد المؤتمر، والقيام بمداخلات في عدد من الموضوعات، كما قدم بحوثاً متميزة كل من الدكتور هشام مبارك أستاذ القانون الجنائي حول الإجراءات المتعلقة بحماية حقوق المتهمين في ظل التشريعات الإجرائية، وأبرز أهمية إنشاء محكمة عدل عربية لحقوق الإنسان وأهمية تغيير نظرة المجتمع تجاه المتهمين حفاظاً على حالتهم النفسية، وأهمية تأهيل رجل الأمن لكي يكون سلوكه متوازناً بين اعتبارات الأمن واعتبارات حقوق الإنسان، وضرورة حماية الشهود وأسر الضحايا وأسر المتهمين. وقدم الدكتور شوقي صلاح الأستاذ بأكاديمية الشرطة أيضاً بحثاً مهماً حول المنهجية الأمنية التعليمية والتدريبية وارتباطها بحماية حقوق الإنسان تضمن دراسة مقارنة بالأوضاع في عدة دول ومن بينها البحرين، وأبرز ضرورة تعليم الأفراد حقوقهم، وإن هذا خير ضمان لعدم الافتئات على تلك الحقوق. وحاز هذان البحثان على مناقشة مستفيضة وعدة تعليقات من المشاركين في المؤتمر. كما تناول المشاركون من الجامعات الأخرى جوانب متنوعة لا يسع المجال لذكرها جميعاً.

الملاحظة الرابعة: إن الأكاديمية الملكية للشرطة لم تحتكر إدارة النقاش والجلسات، وإنما حرصت على المشاركة من خلال ضباطها، وأيضاً من خلال المعونة الإدارية من مختلف منسوبيها، وتركت إدارة الجلسات وصياغة البيان الذي صدر عن المؤتمر للمشاركين أنفسهم أو لشخصيات ذات خلفية حقوقية وقانونية مثل العميد الأسبق لكلية حقوق جامعة الزقازيق، ولعضو سابق في المجلس المصري لحقوق الإنسان، ولرئيس برنامج حماية حقوق الإنسان من جامعة هوبكنز. وهذه الممارسة سابقة حميدة لأن بعض منظمي المؤتمرات الدولية يحرصون على إدارة النقاش والجلسات والتحكم في أعمال المؤتمر كما لو كان المؤتمر حكراً لهم وليس حواراً علمياً حراً يساهم فيه كافة المشاركين.

الملاحظة الخامسة: إن جامعة الدول العربية لم تتوانَ عن المشاركة في المؤتمر، حيث شارك السفير مخلص قطب المستشار الخاص لأمين عام جامعة الدول العربية لشئون حقوق الإنسان، والذي شغل منصب أمين عام المجلس القومي لحقوق الإنسان في مصر لمدة 6 سنوات، وساهم بكفاءة في إنشاء العديد من برامج حقوق الإنسان في المجلس، وقدم خبرته العملية في مختلف مجالات حقوق الإنسان.

الملاحظة السادسة: إن مشاركة وفد من اثنين من أساتذة جامعة مفيد من إيران، واثنين من جامعة الملك سعود بالسعودية، كان تعبيراً عن مدى ارتباط مفهوم حقوق الإنسان بالإسلام في شقيه السني والشيعي، وعبر الأساتذة عن أهمية الارتباط الوثيق بين مفهوم حقوق الإنسان والشريعة الإسلامية في إطارها السمح والمعتدل والعقلاني المستمد من سيرة النبي الكريم وخلفائه الأربعة وكبار الصحابة وآل البيت الكرام، فضلاً عن المصدر الأول وهو القرآن الكريم.

الملاحظة السابعة: إن جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية في الرياض لديها عدة دراسات وبرامج في مجال حقوق الإنسان، وتتعاون مع جامعة جونز هوبكنز في هذا المجال، وشارك أساتذة الجامعة بنشاط في المناقشات، وقدم بعضهم بحوثاً رصينة حول حقوق الإنسان والعدالة الجنائية وغيرها من المناقشات.

الملاحظة الثامنة: وهي ملاحظة أسعدتني كثيراً أن المشاركين في المؤتمر بالحضور والنقاش أو بالتقدم بالأبحاث ضموا النساء والرجال على حد سواء، وإن كانت النساء لم يكنَّ كثرة في العدد، وإنما كان لهم مداخلاتهم القيمة، وبخاصة من البحرين ومن مصر، وهم أساتذة في القانون، وضابطات شرطة من البحرين وهذا يساعد على تفعيل دور المرأة في المجتمع.

تلك بعض الملاحظات السريعة على هامش مؤتمر مهم حول تعليم حقوق الإنسان وسوف نستكمل عرض مداولات المؤتمر لاحقاً لأهمية الأفكار التي تناولها والمساهمة من قبل الباحثين.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3035 - الإثنين 27 ديسمبر 2010م الموافق 21 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً