العدد 3051 - الأربعاء 12 يناير 2011م الموافق 07 صفر 1432هـ

النظرية الوظيفية ومفهوم النسق الاجتماعي

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

منبر الحرية

إكرام عدنني - باحثة من المغرب، والمقال ينشر بالتعاون مع «مشروع منبر الحرية www.minbaralhurriyya.org 

تحتل الوظيفية مكاناً مرموقاً داخل النظريات السوسيولوجية المعاصرة، ولا نكاد نجد باحثاً في علم الاجتماع والإنتروبولوجيا إلا وظهرت في أعماله وتفسيراته ومنهجه خصائص الوظيفية، بل إنها من أوسع الاتجاهات انتشاراً في دراسة الظواهر الاجتماعية.

والوظيفية هي اتجاه فكري في علم الاجتماع يتألف من عنصرين مترابطين، يتمثلان في نموذج تصوري للمجتمع، وإطار منهجي لتحليل هذا المجتمع، ويعتبر مفهوم النسق هو الأساس الفكري للوظيفية، ولقد دخل هذا المفهوم إلى علم الاجتماع من مصدرين هما:

المصدر الكلاسيكي كما يتمثل في الآراء الوظيفية في القرن التاسع عشر وبداية العشرين المصدر المعاصر ويتمثل في نظرية الأنساق، وترجع الجذور التاريخية للوظيفية إلى النظرة العضوية للمجتمع، كما تبدّت في فكر الرواد كونت وماركس وسبنسر، ثم تتابعت الحلقات الفكرية المؤدية إلى الوظيفية المعاصرة...

والاتجاه الوظيفي أقدم في البيولوجيا وعلم النفس والإنتروبولوجيا منه في علم الاجتماع، فالبيولوجيا كعلم يدور حول فكرة أساسية وهي أن كل عضو وكل جزء من النسق (الكائن) يقوم بوظيفة أو عدة وظائف ضرورية لبقاء الكائن حيّاً، ولهذا تصورت البيولوجيا الكائن الحي على أنه نسق يتكون من مكونات مرتبطة وظيفياً.

وعلى غرار علم البيولوجيا، فالنظرية الوظيفية جعلت من النسق الأساس الذي تنطلق منه في أية دراسة، بحيث اعتبرت أن المجتمع هو كل يتألف من عدد من العناصر المترابطة والمتفاعلة بينها، ولها علاقة بالكل، وكل جزء داخل المجتمع يؤدي وظيفة محددة.

أي أن النسق الوظيفي يستند إلى فكرة الكل الذي يتألف من أجزاء يقوم كل جزء منها بأداء دوره، وهو معتمد في هذا الأداء على غيره من الأجزاء، ومن ثم يقوم التساند الوظيفي بين الأجزاء وبعضها أو بين الأجزاء والنسق ككل.

فالعمليات الاجتماعية وما يتولد عنها من علاقات اجتماعية إنما تمثل نماذج سلوكية وليدة شعور الأفراد باعتماد بعضهم على البعض الآخر، وحاجاتهم لتبادل المشاعر، وترابط الأفكار والنشاط، وهي تؤدي إلى ترابطات بنائية في العلاقات الوظيفية.

وكمثال على ذلك فعند دراستنا لطائفة معينة، فإننا سنقوم بالتركيز على ثلاث أنواع من الوظائف:

أ- وظيفة زعيم الطائفة بالنسبة للمجتمع.

ب- وظيفة الأنساق الفرعية المترابطة داخل الطائفة.

ج- وظيفة زعيم الطائفة بالنسبة لأفرادها.

ومن خلال هذا المثال يبدو كيف أن التعرف على الظواهر الاجتماعية يتطلب الكشف عن ارتباط الجزء بجميع الأجزاء أو الظواهر الأخرى. وعلى ذلك فإن ظهور الاتجاه الوظيفي جاء نتيجة لنظرة العلماء إلى المجتمع على أنه نسق واحد يتألف من عدد من العناصر المتفاعلة المتساندة التي يؤثر بعضها في بعض، ويعدل أحدهما الآخر.

وبذلك تعني الوظيفية الاجتماعية، الدور الذي يلعبه أو يؤديه النظام في البناء الاجتماعي (شبكة العلاقات المتبادلة من النظم أو الوحدات)، والذي يفسره البعض بأنه محاولة التعرف على مدى التشابك والتفاعل القائمين بين النظم التي تؤلف حياة المجتمع ككل، ونصيب كل نظام منها في الحفاظ على تماسك هذا المجتمع واستمراريته ووحدته وكيانه، كما أنها تشير أيضاً إلى الإسهام الذي يقدمه المجتمع الكبير للجماعات الصغيرة التي يضمها.

ونظراً لتعقيد وتشابك العلاقات الاجتماعية فالتحليل الوظيفي كان ضرورة، وأداة تحليلية أساسية للباحثين من أجل دراسة الأشكال المختلفة للتفاعلات والترابطات الاجتماعية.

وإذا كان التصور الكلي للمجتمع شرطاً ضرورياً للوظيفية، غير أنه ليس كافياً لتحديد معالمها. ذلك أن الاستناد إلى فكرة النسق أو حتى إلى مفهوم الوظيفية لا يعد كافياً لتمييز الوظيفية عن غيرها من الاتجاهات الفكرية في علم الاجتماع، ولهذا نرى أن ما يميز الوظيفية ويحدد معالمها النوعية هو ما يستخدم في هذا الاتجاه الفكري من طرق نوعية لتحليل الظواهر الاجتماعية التي يضمها النسق، وتتمثل هذه الطرق في الافتراض بأن الظاهرة موضع الدراسة تؤدي وظيفة معينة في هذا النسق، بمعنى أنها تمارس أثراً ملحوظاً في تحقيق بقاء أو استمرار هذا النسق، والافتراض بأن في تحديد هذه الوظيفة التي تقوم بها الظاهرة تفسيرا للظاهرة ذاتها، ويعني هذا أن التفسير الوظيفي للظواهر الاجتماعية يركز الاهتمام في دراسة النتائج والآثار المترتبة على وجود الظاهرة أكثر مما يهتم بالبحث عن أسبابها أو مصدر نشأتها.

وإذا كانت النظرية الوظيفية مهمة في دراسة المجتمع إلا أن الأمر يبدو أكثر تعقيداً عند دراسة المجتمعات المعاصرة، والتي لا يمكن التعامل مع الأنساق داخلها كحقيقة قصوى، نظراً للتغير الشديد الذي تعرفه المجتمعات اليوم، وعلى العكس من ذلك فالمجتمعات البدائية يمكن دراستها على أنها مجتمعات مطلقة ثابتة لا تتغير إلا ببطء شديد.

وهو ما كان محل انتقاد للنظرية الوظيفية وقدرتها على مواجهة قضايا التغيير ومتغيراته، وواجه الاتجاه الوظيفي اتهامات كثيرة مؤداها أنه اتجاه اهتم بقضايا التوازن والتكامل وأهمل قضية التغير والصراع.

ولعل هذا ما أدى إلى بروز اتجاهات منهجية ترفض الوظيفية، كاتجاه سوسيولوجيا المعرفة الذي دعى له توماس كوهن، ومدرسة فرانكفورت وأيضاً الاتجاه الماركسي.

وقد حاول عدد من الوظيفيين في وقتنا الحاضر من أشهرهم ميل سملزر Neil Smelser أن يطوروا مفهوماً جديداً للوظيفية، بحيث تستوعب دراسة التغير، ومؤداه أن الوظائف التي يقوم بها نظام معين يأتي عليها وقت تنتشر بين نظم أخرى متباينة، وهكذا فإن شكلاً من التوازن الاجتماعي يحل محل شكل آخر أكثر تعقيداً، وإلى أن يتم هذا الحلول من المتوقع أن يمر النظام بمرحلة من التوتر والاضطراب.

ومع كل تلك الانتقادات يمكن القول أن الاتجاه الوظيفي ساد في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات العشرين بشكل غريب أصبحت معه الوظيفية منهجاً لمعظم الاتجاهات النظرية في علم الاجتماع، وأصبحت لها سمة مميزة وهي اعتبارها للمجتمع نسقاً اجتماعياً وظيفياً، وعلى هذا الأساس تم تحليل المجتمع وفهم ظواهره. ومع أن رواد الوظيفية متعددون كدوركايم وباريتو وميرتون، إلا أنه لا يمكن الحديث عن الوظيفية دون الإشارة إلى كتابات بارسونز رائد الوظيفية المعاصرة.

ولقد كانت محاولة بارسونز في هذا الإطار تستهدف صوغ نظرية عامة في الوقت الذي سيطر فيه الاتجاه التجريبي على البحوث الاجتماعية في الولايات المتحدة الأميركية، وخاصة عندما أصر على أن النظرية الشاملة هي أهم الدعامات التي يحتاج إليها علم الاجتماع. ولقد حاول قراءة تاريخ الفكر في علم الاجتماع برؤية جديدة حتى يتمكن من إيجاد نظرية واحدة بدلاً مما هو قائم من نظريات متعددة ومتناقضة. وحدد بارسونز خطة عامة تتألف من الخطوات التالية:

1. وضع إطار مرجعي.

2. وصف العالم الواقعي في ضوء هذا الإطار المرجعي.

3. تنسيق مجموعة من القضايا التي تلخص العلاقات القائمة بين الظواهر كما توجد هذه الظواهر في العالم الواقعي. 4- ربط هذه القضايا ببعضها في إطار نسق نظري مغلق من الناحية المنطقية.

وقد وضع بارسونز إطاراً مرجعياً لنظرية الفعل الاجتماعي، واستخدم هذا الإطار المرجعي في وصف الصور الأساسية التي يتشكل فيها الفعل الاجتماعي في شكل أنساق: النسق الثقافي، النسق الاجتماعي، نسق الشخصية والنسق السلوكي، ثم حاول أن يفسر هذه الأنساق وبعضها أو تلك العلاقات التي تقوم بين العناصر التي يتألف منها كل نسق. مؤكداً على ضرورة وأهمية تحقيق التوازن بين صور الإطار المرجعي، أو بين العناصر التي يتألف منها، وكل اختلال في أحد هذه العناصر سيؤدي إلى خلل في المجتمع ككل والذي سيفقد بالضرورة توازنه، وهو ما يعني انهيار المجتمع.

ولقد كان بارسونز يعتبر أن الوظيفية هي منهج لفهم وتفسير الظواهر الاجتماعية، تماماً كما هو الشأن بالنسبة لعلوم الطبيعة. ولهذا اعتبر أن الظواهر الواقعية لا تكتسب أهميتها بالنسبة لأي دراسة علمية إلا إذا أمكن صياغة هذه الظواهر في ضوء إطار مرجعي. وتتحدد وظيفة الإطار المرجعي في أنه يحدد نطاق الظواهر التي يحاول العلم تفسيرها، ويتم ذلك عن طريق انتقاء جوانب من الواقع تعد ذات أهمية بالنسبة لتخصص علم من العلوم. تماماً كما هو الشأن بالنسبة للعلوم الاجتماعية والتي يبقى دور النظرية الوظيفية داخلها هو الكشف عن طبيعتها والتعامل الواقعي معها. ومع أن النظرية الوظيفية تعرضت لانتقادات كثيرة، إلا أنه لا يمكن إهمالها أو تجاوزها بل إنها مازالت محل اهتمام من طرف العديد من مفكري العصر الحديث.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3051 - الأربعاء 12 يناير 2011م الموافق 07 صفر 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 59 | 2:14 م

      السلام عليكم ..اشكركم وارجو منكم تناول جميع نظريات علم الاجتماعية الكلاسكية والمحدثة من اجل الاستفادة وشكرا

    • زائر 1 | 3:24 م

      كلمة شكر

      اتقدم بالشكر الجزيل لكل العاملين في هده الجريدة القيمة واقدم احر عبارات الصداقة المحبة و الاخو لكل الشعب البحريني الشقيق و الى لك الشعوب العربية امال الجزائر

اقرأ ايضاً