العدد 3084 - الإثنين 14 فبراير 2011م الموافق 11 ربيع الاول 1432هـ

تحية لثورة 25 يناير: تأملات ما بعد النجاح (2 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ما هو المطلوب إذاً في هذه المرحلة بعد نجاح الثورة؟

إن المطلوب في تقديري الشخصي هو إقامة نظام حكم برلماني، ونظام سياسي مدني، وهذا يعني أولاً: السماح بالأحزاب السياسية شريطة عدم إقامة أحزاب على أسس دينية أو طائفية أو إيديولوجية، ذلك لأن مصر هي دولة الحضارة العريقة التي ساهمت فيه أديان متعددة عبر العصور، وساهمت فيه فئات كثيرة وطبقات متنوعة، وسادت مبادئ الصراع الطبقي في عهد عبد الناصر وأوجدت كوارث وانقسامات، ولا نتمنى أن تتحول مصر إلى دولة لا هوتية يحكمها رجال الدين فيسود الصراع الديني في المجتمع. هذا علماً بأن الدين الإسلامي نفسه ليس به كهنوت، وإن نظامه السياسي هو نظام مدني كما في صحيفة المدينة في عهد النبي (ص).

وثانياً: إجراء انتخابات نزيهة، ومعيار النزاهة هو الرقابة الداخلية سواء من القضاء أو الإعلام أو الرأي العام، والرقابة الخارجية من المؤسسات والمنظمات الدولية ذات الصدقية مثل الأمم المتحدة، مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ومنظمات المجتمع المدني الدولية مثل منظمة العفو، منظمة الشفافية وغيرها.

الرقابة سواء داخلية أو خارجية تعني المراقبة، ولا تعني التدخل في العملية الانتخابية. والمعيار الثاني هو تشكيل لجنة مستقلة للانتخابات تضطلع بثلاث مهمات رئيسة: تنقية الجداول الانتخابية وإعدادها وإعداد اللجان وتنظيمها، الإشراف على العملية الانتخابية وتحديد مواعيدها ودوائرها وإعلان نتائجها، اعتماد قرارات الطعون، واعتماد القرارات بعد صدورها من أجهزة القضاء المختصة والمحددة سلفاً وليس بمادة المجلس سيد قراره، وهي مادة سيئة السمعة ووضعت في الدستور نتيجة التزييف القانوني من ترزية القوانين، لأن ذلك يتعارض مع أبسط مبادئ القانون أم يكون الخصم هو الحكم.

وثالثاً: حرية الصحافة والإعلام بإلغاء وزارة الإعلام ووضع هيئة صغيرة تتولى أمرين: وضع ضوابط للحرية الإعلامية ومراقبة مراعاة تلك الضوابط، وإحالة من يخرج عليها إلى القضاء لإصدار حكمه وفقاً للقانون.

رابعاً: حيادية أجهزة الإدارة الحكومية المركزية والمحلية، وحيادية أجهزة الأمن المتنوعة تجاه العملية الانتخابية، ومهمتها هي ضبط الأمن والنظام وليس قمع الناخبين والمترشحين كما ساد في الماضي.

خامساً: حيادية المؤسسات الدينية وابتعادها عن العملية السياسية أو الانحياز لحزب أو آخر، حتى ولو كان الحزب الذي يتولى الحكم. بالطبع من يرغب من رجال الدين أو العسكريين أو القضاة أو غيرهم في العمل السياسي، لابد أن يخلع ثيابه السابقة، ويتحول لمواطن مدني يتنافس بشرف مع غيره من المواطنين.

سادساً: عدم السماح بتولي المنصب الرئاسي أو الحكومي أو الوزاري أكثر من فترتين غير قابلتين للمد أو التجديد مهما كانت الأسباب.

سابعاً: إتاحة الفرصة للشباب لتولي مناصب الإدارة، ووضع حد أدنى لتولي أي منصب وزاري أو سيادي أو قيادي أو إعلامي أو قضائي او دبلوماسي ومن ثم إتاحة الفرصة للشباب، فالفكر والمعرفة تتغير بصورة سريعة بل بالغة السرعة، فمن حصل على شهادة الدكتوراه تصبح معلوماته قديمة بعد 5 سنوات من حصولها عليها.

ثامناً: منع الاحتكار وسيطرة الشركات العملاقة حتى لو كانت وطنية، ولنا تجربة الولايات المتحدة وهي دولة رأسمالية خير نموذج بكسر احتكار شركة الاتصالات إلى شركتين منذ ثمانينات القرن العشرين، وكذلك فصل ملكية رأس المال عن الإدارة، وإيجاد مؤسسات رقابية جادة ومستقلة.

تاسعاً: انصراف ذوي الاختصاص لمجالاتهم، وأنا أشير إلى فئة مهمة للمجتمع وهي الأكاديميين الذين حولهم رجال الحكم للعمل في السياسة والإدارة، ومن ثم تفريغ الجامعات ومراكز الأبحاث من أحسن عناصرها، ففسدت السياسة كما فسدت الجامعة. يكفي أنه لا توجد جامعة مصرية ضمن قائمة الجامعات الخمسمئة المتميزة في العالم، وتدني مستوى الخريجين، وسيطرة الدروس الخصوصية في التعليم بما في ذلك التعليم الجامعي، وتدني مستويات الجامعات الخاصة والعامة على حد سواء. والفئة الثانية هم العسكريون والأمنيون السابقون الذين أصبح الحكم المحلي والإدارة المحلية بمثابة مكافأة التقاعد لهم. أنا لا أشك في كفاءة أساتذة الجامعات أو رجال الجيش أو الأمن، ولكنني أؤمن بالتخصص كل في مجاله. الإدارة والقيادة هي علم وفن مثل غيرها من مجالات التخصص، ومن يرغب في الالتحاق بها عليه أن يدخل دورات تدريبية وعلمية تؤهله لذلك. ثم أن نجاح الحكم المحلي يعتمد على معرفة مصالح الشعب، ومن ثم لابد من اعتماد الانتخابات في اختيار القيادات المحلية العليا، وإخضاعها للرقابة، وللمدة المحدودة في الوظيفة العامة و ينطبق الأمر أيضاً على القضاء وغيره من المؤسسات التي يجب أن تبتعد عن الحزبية ويكون المعيار هو الكفاءة المهنية، وليس عنصر الثقة والولاء.

عاشراً: وضع دستور سليم يضمن استقلال السلطات الثلاث، وجعل كل منها رقيبة على الأخرى، وفقاً للقواعد المتعارف عليها في إطار المبادئ القانونية السليمة، وليس تلك التي يضعها ترزية القوانين ومؤلفيها، بل يجب محاسبة هؤلاء القانونيين الذين صاغوا مواد متعارضة مع الثوابت في الفقه القانوني الدستوري، أو في الفقه السياسي، أو تتعارض مع المواثيق الدولية المتصلة بحقوق الإنسان، وفي مقدمتها مبدأ المواطنة والمساواة والعدالة .

حادي عشر: ضرورة عودة مصر إلى الاهتمام بقضاياها وأولويات شعبها، وأعتقد أن الأولوية الأولى هي لإعادة بناء الإنسان المصري ليصبح متمتعاً بحقوقه السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تليق به كسليل لمن بنوا حضارة عريقة، وورثوا حضارات لاحقة وخاصة الحضارتين القبطية والإسلامية.

والأولوية الثانية، هي تطوير اقتصاد وتعليم وثقافة مصر لتحتل ما كان لديها من سبق في تلك المجالات قبل الدول التي أصبحت نموراً في العديد من مناطق العالم.

الأولوية الثالثة، الاهتمام بقضايا الأمن الوطني المصري على الجبهتين الشرقية الشمالية وعلى الجبهة الجنوبية، واللتين أهملتا، فحاقت بمصر كوارث لم يعرف مداها حتى الآن وبخاصة في الجبهة الجنوبية. وتخلفت التكنولوجيا وخاصة في المجال النووي والعلمي والاقتصادي فتراجعت القوة الحقيقية للدولة.

الأولوية الرابعة، قضايا الأمن القومي العربي والإفريقي، وهذه ذات أهمية لانتماء مصر العربي والإفريقي وهو اهتمام مصيري، ولكن لا يمكن الاهتمام الحقيقي بأي منهما دون توافر عاملين: أولهما، القوة الحقيقية لمصر وليس الشعارات الجوفاء أو المغامرات غير المحسوبة. وثانيها، توافر إرادة جماعية مشتركة، فمصر بمفردها لا تستطيع توفير الأمن القومي العربي أو الأمن الإفريقي، لأن الولايات المتحدة رغم قدراتها لم تستطع كسب ولو معركة حربية مثل العراق أو أفغانستان. إن القدرات المشتركة والإرادة المشتركة لكل منطقة هي الكفيلة بتحقيق الأمن المشترك. ولا ينبغي أن نقول لمصر أذهبي فحرري فلسطين، في حين بعض القادة الفلسطينيون يرفلون في النعيم وينسون قضيتهم ويرتبطون بإيديولوجيات وأجندات غير تلك التي تخدم فلسطين، وإن رفعوا شعارات مختلفة كقميص عثمان الذي رفعه معاوية.

ثاني عشر: ضرورة إزالة أوهام الزعامة والقوة والعمل المنفرد، بمعنى فلسفة وفكر وسلوك العنتريات. العمل المشترك وليس العمل المنفرد هو الأساس أن تحرير مصر من الاستبداد جاء بإرادة مصرية، ورفض أي تدخل أجنبي أيا كان، وتصور أن دولة أجنبية يمكنها أن تحرر الإرادة الوطنية لأي مجتمع أو أي شعب هو تصور خاطئ، كما أن حكم الدولة ينبع من شعبها وليس من فكر سياسي أو ديني أو أيديولوجي أجنبي، فقيادات الدولة تنبع من أرضها وتراثها، وليستريح أصحاب الطموحات الخارجية فإن مصر ليست مثل غيرها، ولن يحكمها مصريون قادمون على دبابات الأجنبي، أو قادمون بوحي من الأجنبي، لقد لفظت ثورة 25 يناير، أسماء، اعتقد الأجنبي، أنها لامعة على المستوى الدولي أو أنها يمكن أن تكون كرازاي جديد لمصر، وتبلورت قيادات شابة من أرض الوطن، ولذلك انضم لها الشعب، كما أيدها الجيش، ولم تستطع قوى الطغيان والفساد الإداري والأمني والسياسي قمعها، لأنها نبعت من أرض الوطن وتراثه المتسامح والمعتدل، وحافظت تلك القوى على ثورتها البيضاء ونظام الأمن والانضباط بقدر ما أمكنها.

ولا مجال للادعاء أن ثورة مصر أشعلتها ثورات أو قوى سياسية إقليمية أو دولية، إنها ثورة شعب فجرها الشباب، واستخدموا لذلك التكنولوجيا الحديثة، وحافظ عليها الجيش ولم يقمعها، كما حدث في دول مجاورة، وهي ثورة رفضت رفع أية شعارات دينية أو أيديولوجية، وكانت شعاراتها وطنية، ولذلك تعانق الهلال والصليب مجدداً في ميدان التحرير وصلوا معاً، وكان كل فريق يحمي ظهر الفريق الآخر عند قيامه بصلاته كما حدث في ثورة 1919م، فتحية لشباب مصر ورثة حضارتها العريقة، وتمنيات بأن تكون الإدارة الجديدة على مستوى التحديات والطموحات، وإلا فقد انكسر حاجز الخوف، وتطورت التكنولوجيا ومازال الشباب ينبض بالحيوية، وميدان التحرير أو ميدان الحرية مازال على استعداد لكي يحضن أصحابه مجدداً.

ونصيحتي للشباب، هي الانصراف للعمل، وعدم الانسياق وراء بعض الشعارات التي ترغب في اختطاف ثورتهم، فالإدارة شيء والتكنولوجيا شيء، كذلك التظاهر والاعتصام هو شيء، والعمل اليومي شيء آخر، وكل له أهميته، ولكن لا ينبغي أن يسيطر أي منها على الآخر، وإلا فإن التقدم المنشود والانجاز المرتقب لن يتحقق، وسوف يعاني الشعب بعد الثورة، كما عانى قبلها من فرض الرأي الواحد والفكر الواحد، ومن دكتاتورية الشباب، كما عانى من دكتاتورية الشيوخ.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3084 - الإثنين 14 فبراير 2011م الموافق 11 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 12:58 م

      سيظل عبد الناصر رمزا

      لماذا تظهر صورة عبد الناصر في ايدي الناس في كل المجالات وفي كل العهود وفي كل البلاد؟؟؟؟
      هل مازالت سلطته وهو بالقبر من 41 عام ؟
      ستظل صورة عبد الناصر واسمه يؤرقون مضاجع أصحاب الهوي ........
      انه نصير الفقراء والبسطاء ومات فقيرا ولم يجد حتى اعداؤه سوى الاعتراف بنظافة يده ....
      كل مشكلته انه حقق العدالة الاجتماعيه وحقق الانجزات لصالح الشعب .....
      وقال الحرية كل الحرية للشعب
      ولاحرية لاعداء الشعب
      فانحاز له الشعب ودافع عنه وحماه وودعه الى مثواه في اكبر جنازة عرفها التاريخ ...

اقرأ ايضاً