العدد 3097 - الأحد 27 فبراير 2011م الموافق 24 ربيع الاول 1432هـ

ثورات وانتفاضات الشرق الأوسط من منظور استراتيجي (2 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ننتقل في هذا المقال إلى التساؤلات ونلخصها في الآتي:

التساؤل الأول: كيف نفسر التناقض في موقف إيران من المعارضين لديها والمعارضين في مصر أو تونس أو غيرهما من الدول العربية؟ وكيف نفسر تحريك إيران سفناً حربية إلى البحر المتوسط لأول مرة منذ العام 1979 وقد قدم تفسيراً لذلك أحد المعلقين الإيرانيين في الإذاعة البريطانية العربية صباح يوم 22 فبراير/ شباط بقوله إن هذا يوضح أن إيران أصبحت قوة إقليمية لها وجود ومصالح في الخليج وفي البحر المتوسط وعلى الدول الأخرى الاعتراف بذلك. ونتساءل هل إيران أصبحت الولايات المتحدة لها أسطول في الخليج وآخر في البحر المتوسط؟

السؤال الثاني: كيف نفسر هرولة النظم العربية للانهيار أو لتقديم التنازلات؟ وكيف نفسر تخلي الغرب بقيادة أميركا عن هذه النظم الحليفة أو الصديقة بنفس ما حدث من تخليهم عن شاه إيران في العام 1979 وتسليم إيران للثورة الإسلامية؟ هل السبب هو اكتشاف جديد للولايات المتحدة حول أهمية مفهوم الحرية والديمقراطية لمنطقة الشرق الأوسط؟ وإذا كان ذلك صحيحاً فلماذا لا يمتد المفهوم إلى شعب فلسطين؟ ولماذا تصر الولايات المتحدة على استخدام حق الفيتو ضد مشروع القرار الأخير في مجلس الأمن حول إدانة الاستمرار في بناء المستوطنات؟

التساؤل الثالث: كيف نفسر تحول الموقف في الدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة لتدافع عن الجماعات الإسلامية وضرورة مشاركتها في الحكم في دول الشرق الأوسط. وهذا التحول أخذ مظهرين، أولهما: فكري حيث من يطلع على منشورات مراكز الأبحاث الغربية وخاصة الأميركية يجد عدداً ضخماً من هذه الدراسات التي تتناول الفكرين السني والشيعي، والجماعات الإسلامية فيهما وضرورة مساهمتهم في السلطة، وثانيهما: تصريحات أوباما وهيلاري كلينتون والقادة الأوروبيين الداعية للشيء نفسه. وهكذا أسقط، ما أطلقت عليه النظم الموالية للغرب، «البعبع الإسلامي أو الفزاعة الإسلامية، وما أطلق عليه الغرب نفسه «الإرهاب الإسلامي»، واكتشف الغرب وخاصة الولايات المتحدة أن التجربة الدينية الطائفية والإثنية في العراق ربما تقدم نموذجاً جديداً يحقق له مصالحه بعد أن جرب النموذج اللبناني الطائفي في الماضي، لقد أخذ الغرب موقفاً عدائياً من الإسلام منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001، وتحول لداعية للإسلام وثقافته ودوره في النظم السياسية في ظل الثورات الحديثة في العام 2011، كيف نفسر ذلك؟

التساؤل الرابع: نستمده من أطروحات أيان موريس وتعليق فيرجسون عليه بأن لديه فهماً عميقاً عن كيفية تفاعل عناصر ثلاثة هي: الثقافة والتكنولوجيا والجغرافيا. وإنه إذا حدث تجاهل الأفكار والثقافة فإن البحث التاريخي لتطور المجتمعات يتسم بالبساطة ولا يصبح مقنعاً كما يرى موريس، ونتساءل كيف تتفاعل هذه العناصر الثلاثة في تشكيل الشرق الأوسط الجديد، ويمكننا أن نضيف إليها عنصراً رابعاً هو الديمغرافيا بكافة جوانبها من الشباب، وتعاقب الأجيال، إلى استيعاب الشباب لتكنولوجيا الاتصال الحديثة، إلى الثروات المستمدة من النفط والغاز الطبيعي، إلى احتمالات الاستفادة من التكنولوجيا في خلق كوادر وطنية، إلى انتشار مراكز الفكر والأبحاث الغربية في مختلف دول الشرق الأوسط، وتراجع مراكز التحليل والفكر الوطنية، إلى دور النخب العربية الحديثة التي ترعرعت على الثقافة الغربية، والنخب القومية واليسارية القديمة التي أصبحت دعاة للحرية والليبرالية على النمط الغربي، إلى انتشار الفكر الديني والفكر الطائفي في المنطقة. نقول إن عنصر الديمغرافيا بكافة جوانبه، هو العنصر الرابع المؤثر في عملية التفاعل المعاصر. السؤال ما هي الخطوة التالية بعد انتصار أو هزيمة الثورات الجديدة في المنطقة العربية؟ وما هي دلالات الأحداث الراهنة؟ وهل نتوجه في المنطقة نحو المستقبل أم نحو الماضي؟ وهل سوف نتجه نحو فلسفة التقدم التي عبّرت عنها أوروبا في عصر النهضة أم فلسفة «ما ترك الأولون للآخرين من شيء»، «وإن الجنة في الماضي» وليست في المستقبل؟ أو فلسفة أن التاريخ يكرر نفسه؟

التساؤل الخامس هل أخفق المحافظون الجدد في عهد الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش في استخدام القوة الخشنة بغزو أفغانستان والعراق؟ واكتشفت أميركا في عهد الرئيس باراك أوباما أن استخدام القوة الناعمة يحقق لها أهدافها بطريقة أحسن وأفضل وأقل تكلفة؟ ويتساءل معلق آخر على كتاب أيان موريس بأنه كمؤرخ متخصص في الآثار، فإن معادلة الخرائط أم البشر هي محور بحثه، وإذا كانت الأطروحة بأن البشر هم أنفسهم لم يطرأ عليهم تغير، فإن الصراع في العالم هو حول الخرائط (أي الجغرافيا)؟

وفي تقديري أن مثل هذا التعليق يثير القلق والتساؤل والحيرة، وخاصة إذا استرجعنا اتفاقيات سايكس بيكو للمنطقة العربية، وكيف أنها قسمت خرائط المنطقة، وفككت الشرق الأوسط، وأقامت العديد من الدول. لقد نجحت إدارة أوباما بالقوة الناعمة في تفكيك السودان إلى دولتين كمرحلة أولى، وهاهي تنجح أو على وشك أن تغير خرائط دول أخرى في الشرق الأوسط. إن موريس يوضح أن الغرب حكم العالم في الماضي بالقوة المادية، والآن ينبغي أن يتغير إلى الاهتمام بمقاييس التنمية الاجتماعية بما في ذلك السيطرة على الطاقة، والمنظمات، والاتجاهات الحضرية وتكنولوجيا المعلومات، والقدرة على صنع الحروب. ورغم أن كتاب موريس يركز كثيراً على دراسة الحضارة الصينية ومقارنتها بالحضارة الغربية، أي الصراع بين هاتين الحضارتين على المستقبل، فإن أحداث الثورات في الشرق الأوسط كمحور جغرافي مركزي بثقل اقتصادي وسياسي وثقافي واستراتيجي لا يمكن التصور أنه بعيد عن فكر موريس أو المؤرخين والسياسيين والاستراتيجيين الغربيين، وخاصة عندما طرح سؤاله الجوهري ماذا لو كان الشرق هو الذي سيطر على الغرب، واحتله في القرن التاسع عشر بدلاً من حدوث العكس.

إن ثورات الشعوب العربية والإسلامية في الشرق الأوسط هي ضد الظلم والاستبداد والفساد، وهذا من الظواهر القديمة، والتي توحشت في العصر الحديث، ولكن اندلاعها وانتشارها فجأة، واحتضان الولايات المتحدة والدول الأوروبية لها، وتحولهم من مناهضة الحركات الإسلامية إلى احتضانها، ومن التحالف مع الحكام الأوتوقراطيين إلى الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، مسألة تثير التساؤل هل نحن أمام حرب عالمية ثقافية حضارية ثالثة، كما أطلق عليها ذلك بعض الكتاب العرب والأجانب

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3097 - الأحد 27 فبراير 2011م الموافق 24 ربيع الاول 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً