العدد 3128 - الأربعاء 30 مارس 2011م الموافق 25 ربيع الثاني 1432هـ

نظرة مقارنة واقعية حول الإصلاح السياسي والاقتصادي والثقافي بين النظم الوراثية والنظم الجمهورية (2 – 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

في الدول التي أخذت بمنهج الإصلاح والتطور مثل بريطانيا الملكية تجنب المجتمع المعاناة بدرجة كبيرة، حتى أن دولة مثل إسبانيا بعد انتهاء حكم فرانكفو الأبدي باسم الجمهورية تحولت إلى النظام الملكي الوراثي.

هذا لا يعني أن النظام الملكي الوراثي هو خالٍ من العيوب أو أنه النموذج الأمثل، ذلك لأنه ليس هناك نظام مثالي، ولعل الدارسين لتاريخ الفكر السياسي يتذكرون أن أهم فيلسوف سياسي في العصر اليوناني، بل وربما حتى الآن وهو أرسطو عندما قسم أنواع النظم السياسية، جعل النظام يأخذ بعداً دورياً ووصف النظام الديمقراطي بأنه أسوأ تلك النظم.

بالطبع الحياة تتغير وكذلك المفاهيم ففي البداية اعتبر النظام الديني نظاماً مثالياً كما في عهد الرسول الكريم وخلفائه الراشدين، ولكنه سرعان ما خرج على المبادئ القويمة، ولم يبق للحاكم في الدولة الإسلامية الأموية والعباسية والعثمانية والصفوية والنظم المسماة جمهورية إسلامية بدول الجوار وغيرها من سلوكيات إسلامية مثالية سوى لقب الخليفة أو الحاكم الولي الفقيه، وهي كلها مسميات طيبة ولكن تطبيقها عملياً هو انفراد شخص واحد بالسلطة وله الكلمة العليا والنهائية، وهذا ما عبر عنه سقراط وأفلاطون بحكومة الحكماء والفلاسفة (العلماء بالمفهوم الحديث)، وهي نظرية مثالية افتراضية مصدرها حسن نية الداعين إليها، ولكن عندما طبقت في بعض الدول الإسلامية باسم الإسلام أظهرت نتائج سيئة وتمسك الحكماء والعلماء ورجال الدين بالسلطة، ورفض العودة لصناديق الاقتراع بعد انتهاء المدة القانونية أو حتى الالتزام بقواعد العمل السياسي المتعارف عليه كما حدث في غزة من تطبيق سيئ. هذا لا يعني أن جميع الحكام لهذه الدول الإسلامية كانوا سيئين، كلا فهناك مزايا لبعضهم، ولكن القاعدة الأعم هي الابتعاد بدرجات مختلفة عن فلسفة وحكمة وقيم ومبادئ الإسلام الصحيحة، واتخاذ الدين مبرراً وخادماً للسياسة بدلاً من أن يكون العكس، والنظر للسلطة الدينية في السياسة أنها أبدية ووراثية، فهي جمهوريات حكم الفرد بمنطق الوراثة.

ونظرة في العام 2011 نجد أن الاستجابة للدعوات الإصلاحية ومطالب الجماهير أو معظمها من النظم الوراثية أعمق وأسرع مما أبدته النظم الجمهورية، والتي بلغ عنادها أشده في حالة ليبيا، وإلى حد ما اليمن.

أما النظم الوراثية في سلطنة عمان والبحرين والمغرب فكانت أسرع تجاوباً مع تلك المطالب التي تُحدث تغييراً نوعياً وجوهرياً في بنية النظام السياسي، يتجلى ذلك في تجاوب تلك الدول مع مطلب انتخاب النواب، الحكومة المنتخبة أو الحكومة المعبرة عن إرادة الشعب، وجود تعديلات دستورية جوهرية، وجود عدالة اجتماعية، محاربة الفساد وغيرها. بالطبع يختلف الأمر من دولة لأخرى، وفقاً لظروف كل دولة ومكوناتها، ولكن الاتجاه العام، هو القبول بإصلاح جذري ربما يصل إلى ما وصلت إليه النظم المماثلة في أوروبا في القرن العشرين، أو ربما يصل إلى القرن الحادي والعشرين، ولكن لا ينبغي تصور مفهوم حرق المراحل والتحول إلى نظم ملكية دستورية على النمط البريطاني قريباً، فالتطور الطبيعي أفضل من حرق المراحل والمشاركة في السلطة على النمط الفرنسي بين رئيس الدولة ورئيس الوزراء.

في تقديري هو أحسن النماذج، ويقال في الأدبيات السياسية إن البرلمان البريطاني هو أسوأ النظم الديمقراطية لأن له سلطات مطلقة، ولكن قديماً قالوا على سبيل التهكم أو المزاح إن البرلمان البريطاني لديه سلطة إحداث أي تغيير ماعدا تحويل الرجل إلى أمرأة والعكس. ولكن الآن فإن عملية تغيير نوع جنس الفرد أصبحت متكررة.

التغيير بدرجات متفاوتة أصبح في عموم الأحوال يمثل نقلة نوعية عما كان عليه الحال قبل 14 يناير/ كانون الثاني عندما نجحت الثورة التونسية ولم يدرك زين العابدين بن علي حدوث التغير ولم يدرك حسني مبارك الموقف إلا عشية التنحي، ربما لأن الاثنين كانا مشغولين في الإعداد للتحول لنظام ملكي وراثي أسوة بما حدث في دولة جمهورية أخرى هي سورية التي غيرت دستورها خلال نصف ساعة.

المشكلة الجوهرية تأتي هنا من خارج الوطن العربي وبالتحديد من الولايات المتحدة التي تعد القوة العظمى الوحيدة منذ سقوط الكتلة السوفيتية وهي أن هذه الولايات المتحدة باعتبارها دولة جمهورية لم تستطع طوال السنين الماضية أن تقدم النصيحة المخلصة لأصدقائها في الشرق الأوسط، بل استغلتهم أيما استغلال ثم تخلت عنهم فجأة، وبعد ذلك تبدأ مرحلة التباكي عليهم، لأن من يخلفونهم في معظم الحالات السابقة كانوا أكثر سوءاً ليس فقط ضد الولايات المتحدة، بل وأيضاً ضد شعوبهم، مثل النموذج الذي يطلق عليه جمهورية إسلامية.

من هنا نطرح التساؤل هل هذا السوء مرتبط بنا في الشرق الأوسط، أتمنى أن أقول لا وألف لا، ولكن للأسف القرآن الكريم يرفض ذلك لقول الله تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم» والرسول يقول «كما تكونوا يولى عليكم».

إذن المطلوب هو أن نغير أنفسنا ونحن في عملية الإصلاح هذه لنؤكد على المفاهيم الإسلامية الحقة، وهي مفاهيم ترتبط بالإنسانية جميعاً، وهي ضرورة وجود مؤسسات، وضرورة الدولة المدنية التي يحكمها السياسيون وليس رجال الكهنوت أو رجال الدين الذين لهم كل الاحترام والتقدير، ولكن ليس من حقهم فرض وصايتهم على النظام السياسي.

إن النظام الإسلامي الحق هو الذي لديه ميزان القيم النموذجية والذي يقوم على الشفافية والمحاسبة والمساواة أمام القانون ومعاقبة المخطئ مهما كان قريباً أو نسبياً، ولعل لنا في رسول الله أسوة حسنة عندما قال «ما لي أراكم إذا سرق الشريف تركتموه وإذا سرق الضعيف أقمتم عليه الحد والله الذي لا إله غيره لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطع محمد يدها».

وقول الرسول الكريم «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً» فأبدى صحابته الدهشة وتساءلوا «عرفنا كيف ننصره مظلوماً فكيف ننصره ظالماً» قال «أن تكفوا يده عن الظلم»، أما نحن في عالمنا اليوم إذا ظلم أو أخطأ مهما كان قريبي أو نسببي أو ابن ديني أو ابن طائفتي أو ابن قريتي أدافع عنه ضد المظلوم، ولهذا مهما تغيرت النظم، فإن النفوس غير السوية سوف تفسد أحسن حاكم أو أحسن نظام، ومن هنا فإن تغيير النفس والسلوك هو نقطة الانطلاق للتغيير الجوهري، وهذا لا يعني الانتظار بالإصلاح، ولكن ينبغي أن يكون تغيير النفس والسلوك جنباً إلى جنب مع الإصلاح، فإنهما توأمان متلاصقان، ولذلك نجحت الديمقراطية في الهند رغم كل عيوبها، وأخفق النظام الإسلامي في باكستان، رغم حبنا له وتعاطفنا معه، كما أخفقت نظم أخرى تحمل اسم الإسلام، ولهذا ورد في الأثر «إن الملك يدوم مع العدل، ولو كان كافراً، وإنه يزول مع الظلم، ولو كان مسلماً»

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3128 - الأربعاء 30 مارس 2011م الموافق 25 ربيع الثاني 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 3:40 ص

      تصحيح لمعلوماتك أخي و حبيبي

      صيانة النظام :هو تنظيف و تزييت لأجزاء لعدم تعطلها للمحافظة على النظام.
      إصلاح النظام : هو عند تغيير الأجزاء المعطوبة لعدم صلاحيتها واستبدالها بأجزاء مستوردة جديدة تساهم في زيادة الأنتاجية.

    • زائر 2 | 2:32 ص

      الانظمة وعناصرها

      الإصلاح والصيانة مفردتان دخلتا على اللغة من الثورة الصناعية، فصيانة نظام ما يتم عبر صيانة الأجزاء المعطوبة فيه، أما الإصلاح فهو استبدال الأجزاء المعطوبة . .

اقرأ ايضاً