العدد 3167 - الإثنين 09 مايو 2011م الموافق 06 جمادى الآخرة 1432هـ

قوات درع الجزيرة ودورها في أمن الخليج (2 - 2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

لقد جاءت الأحداث الأخيرة في البحرين لتلقي الضوء بقوة على مصادر قوة دول مجلس التعاون وعلى مصادر التهديد المباشر. وتجلى ذلك في تحرك قوة درع الجزيرة للبحرين، وما أحدثته من ردود فعل يمكن أن نلخصها في الآتي:

الأول: إنها أبرزت لأول مرة بصورة واضحة، أن ثمة فكراً خليجياً مشتركاً في النظرة لأمن دول الخليج، وإن ثمة قوة، وإن كانت ناشئة يمكن أن يكون لها دور مهم، وخاصة في حالة تعرض أو احتمال تعرض دولة من دول المجلس للتهديد.

الثاني: إن سرعة الحركة في انتقال بعض عناصر هذه القوة من قاعدتها في السعودية إلى البحرين، وفي إطار قرار اتخذته قيادات دول المجلس أخذ الأصدقاء والأعداء على حين غرة، فأثار دهشتهم وتساؤلاتهم ولم يفهموا مغزى ذلك وما هو دور قوة درع الجزيرة.

ولذلك انطلقت إيران ومن سار على نهجها، مذعورة في الهجوم على هذه القوة، وعبرت أميركا ودول أوروبية عن القلق في أن قوة درع الجزيرة ستؤدي إلى مزيد من التوتر في منطقة بالغة الحساسية.

وكلا الموقفين كان خاطئاً، فقوة درع الجزيرة ماتزال تمثل نواة لتعاون دفاعي خليجي، ولم تصبح مثل قوة بريطانيا أو فرنسا أو قوة إيران أو العراق في عهد صدام، ومن ثم لا يمكن تصور أنها ستغير التوازن العسكري الاستراتيجي بهذه البساطة وبهذه السرعة.

إما بالنسبة للموقف الإيراني، فإنها رأت في قوة درع الجزيرة رمزاً لفكر خليجي دفاعي موحد وهو ما لا ترغب أن يحدث، لأنها كما أشرت سابقاً حرصت على بث الفرقة العملية والشكوك بين دول مجلس التعاون بل قبل نشأة المجلس في التقسيم الثلاثي للمجموعة، ولم تجد تلك الدول الأجنبية بما فيها إيران وعناصر متأثرة بها وتردد أفكارها سوى ثلاث حجج للهجوم على قوة درع الجزيرة:

الأولى: إن هذه القوة استخدمت لقمع الشعب البحريني. وكانت هذه هي أبسط الادعاءات التي تتسم بالهزلية لأن قوة درع الجزيرة التي جاءت إلى البحرين لم تشترك في أية أعمال أو تتعامل مع المواطنين في البحرين، بل كانت لها مهمة حماية المنشآت الحيوية التي تعرضت للخطر أثناء الأحداث.

الثانية: إن هذه القوات مهمتها الدفاع، وليس هناك تهديد خارجي تعرضت له البحرين، وهذه الحجة كسابقتها واهية وغير دقيقة، فإن البحرين تعرضت بالفعل لتهديد إيراني من خلال التصريحات من القادة الإيرانيين سواء على مستوى المرشد الأعلى للثورة أو رئيس الجمهورية أو وزير الخارجية أو وزير الدفاع أو قائد الحرس الثوري حتى رئيس مجلس الشورى أو سفير إيران في الدوحة، أو سفير إيران السابق في البحرين، وكلها تحمل تهديدات بأن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي إزاء أحداث البحرين، وهي لا تسميها أحداثاً بل مجازر، كما في رسالة وزير خارجية إيران للأمين العام للأمم المتحدة وتصريحات غيره من المسئولين.

الثالثة: الادعاء بأن قوة درع الجزيرة هي قوة غزو وتدخل سعودي للبحرين والمطالبة بانسحابها. وهذه أكثر الحجج هشاشة، لأن قوة درع الجزيرة هي قوة مشتركة بين دول المجلس الست بما في ذلك البحرين. وهي جاءت بناء على طلب دولة عضو في المجلس، ومن حقها أن تطلب هذه القوة، وأخيراً فإنها جاءت بناء على اتفاقات عقدت بين دول المجلس عبر ثلاثة عقود من الزمن منذ نشأتها، أما المطالبة بانسحابها فهو طلب غريب لأنه جاء من غير ذي مسئولية أو اختصاص، ويمثل افتئاتاً على حق دولة ذات سيادة.

ويمكن القول إن قدوم قوة درع الجزيرة للبحرين يمثل نقلة نوعية في التعاون الدفاعي بين دول الخليج العربية، وإن هذه القوة لقيت الترحيب في المجتمع البحريني، أو على الأقل لدى قطاع كبير منه نُظر إليه من قِبل البعض بأنه كم مهمل، ولا وجود له، ولكنه أثبت وجوده عملياً، وساعد في قلب موازين وتغيير تصورات من يتابع الأوضاع ويحللها بموضوعية علمية، ولا يعيش في أوهام إيديولوجية وفكرية أو أحلام يقظة بعيداً عن أرض الواقع.

إن أمن الخليج العربي هو قضية بالغة الأهمية، وإن المتابع للتطورات في المنطقة في الشهور الماضية يلمس حدوث تغير في الفكر الاستراتيجي لدول مجلس التعاون، وإن هذا التغير يبشر بأن هذه الدول قررت أن تأخذ زمام المبادرة في تعزيز أمنها، وتعميق مستوى تعاونها، لأن التغيرات منذ بداية القرن الحادي والعشرين تعد تغيرات عميقة سواء على الساحة الدولية أو الإقليمية أو الوطنية. وإن هذا يفرض تحديات جديدة وخطيرة، وعلى دول المجلس أن تكون عند مستوى التحدي، لأن أمن أية دولة أو مجموعة من الدول لا يمكن أن يكون إلا مسئولية شعوبها في المقام الأول، ثم يلي ذلك مسئولية المجتمع الدولي، كما أوضحت ذلك المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي مضمونها أنه من حق أية دولة أن تتخذ الإجراءات للدفاع عن أراضيها إذا تعرضت للعدوان أو تهديد بالعدوان، في إطار فردي أو جماعي حتى تتخذ الأمم المتحدة الإجراءات للحفاظ على الأمن والاستقرار العالمي، وهذا ما تقوم به دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3167 - الإثنين 09 مايو 2011م الموافق 06 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً