العدد 3184 - الخميس 26 مايو 2011م الموافق 23 جمادى الآخرة 1432هـ

نهاية أسطورة بن لادن: أهكذا تتحقق العدالة؟

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

في البدء لابد من الإقرار بحقيقة بسيطة ومهمة تتعلق بكاتب هذه السطور وعليها يتوقف فهم القادم منها مفادها أني لست أصولياً ولا أريد أن تفهم أسطري هذه كمدافع عن مذهب القاعدة أو توجه حركة طالبان في مواجهة مذاهب أخرى. وذلك ببساطة لأني أؤمن بثلاثية الحرية والعقل والديمقراطية، وهي أمور تتناقض بشكل مطلق مع أبجديات هذه المنظومة الفكرية ذات الطبيعة الاستبدادية. كما أن إيماني بنسقي «النقد الذاتي» و «العقل النقدي» ربما كان وراء تحرير هذا المقال بشأن عمق مأساة العدالة، الشرعية، السيادة والقانون… في قصة شرب أسامة بن لادن من كأس الموت التي سقاها الآخرين دهاقاً غير ما مرة، والذي يلخص في جانب من جوانبه الفشل الذريع في تمثل المفاهيم والنظريات التي وصلت إليها البشرية والباحثون المنشغلون بالأسئلة الكبرى التي تقد مضجع الفكر البشري.

على امتداد هذه المقالة نعيد قراءة حادثة 02 مايو/ أيار في ضوء ما قدم من معلومات ونطرح أسئلة بشأن سيناريو العملية بدءا بالتخطيط مرورا بالتنفيذ وصولا بالإنهاء، أسئلة للتأمل لا غير، فالتاريخ وحده والمساهمون في هذه العملية من يملكون الجواب عنها.

أولى الإشكاليات التي تثار هي أن العملية أعادت إلى الأذهان أسئلة «السرية» في العمل الاستخباراتي الأميركي ونقاط الظل الكثيرة التي تلفها، من قبيل هل العقول المخططة للعملية - قبليا - كانت ترمي اعتقال أسامة بن لادن من أجل تقديمه للمحاكمة؟ وهل ثمانون فردا من عناصر الكوماندوز لم تجد طريقاً آخر للقبض عليه غير التخلص منه، ما يستدعي طرح سؤالين: أحدهما مرتبط بالشرعية القانونية للدفاع عن النفس، وما إذا كانت الظروف المحيطة بالعملية تبرر القتل بدل الاعتقال والمحاكمة وفق قواعد ومبادئ الحرب. والآخر متصل بمدى شرعية التدخل الدولي - الأميركي - لإجراء عملية عسكرية بهذا الحجم على أرض أجنبية، وخاصة إذا كان التدخل قد تم من دون علم السلطات الباكستانية، ما يطرح إشكالية خرق سيادة الأراضي الباكستانية وفق مبادئ القانون الدولي.

أما ثانيها فذات صلة بحدود التخطيط في استراتيجية أوباما الباكستانية/ الأفغانية والذي هدف إلى قتل رجل ينتظر العالم كله متابعة أطوار محاكمته التي قد تعيد إلى الذاكرة قراءة أحداث يوم تغير فيه وجه العالم 11 سبتمبر/ أيلول، بعلة بسيطة مفادها محاولة ترتيب الأوراق المتصلة بمسار الانسحاب الهادئ من أفغانستان والتغطية على الإخفاقات في هذا الملف الذي فتحه سلفه، ومحاولة حصر نطاق «الحرب ضد الإرهاب» في عمليات عسكرية موضعية تنتهي بنتائج ملموسة وواضحة.

ثالث الأسئلة التي تثار يتصل باسم العملية الذي ليس بمنأى عن كل الشبهات، فأن يطلق على العملية «جيرونيمو» الذي هو في الأصل أحد زعماء قبيلة أباتشي، عاش بين 1829 و1906، وكان من أهم محاربي المكسيك والولايات المتحدة. ومن أهم من قاوموا على مدار عقود محاولات التوسع في أراضي الأباتشي ليس صدفة. وهنا نتساءل هل إلى هذا الحد بلغ تجذر العقلية الامبريالية في المجتمع الأميركي، بحيث لا ينتبه أحد إلى أن في هذه التسمية تمجيداً لأسامة بن لادن، ومساواة بينه وبين شخص شجاع قاوم الغزاة، وما أرادوه من إبادة جماعية لشعبه من سكان أميركا الأصليين.

رابع النقاط التي تسترعي النظر في العملية طريقة التعامل مع الجثة بإلقائها في البحر دونما أدنى احترام لحرمة الميت ولتعاليم معتقده التي تستدعي الدفن وفق طقوس معينة. ثم هل تقرر هذا بشكل فجائي أم لا؟ ومن صلى الجنازة على جثة بن لادن على متن الباخرة إذا صحت الرواية الرسمية؟ وهل قام بذلك ضباط أميركيون؟! كل هذا يعيد إلى هذا الاسم شيئا من بريقه، بعدما أضحى ظاهرة سياسية منتهية الصلاحية، عقب نجاح الثورات العربية وإشراقة الربيع الديمقراطي العربي السلمي.

وأخيراً وليس آخراً، عبارة «تحققت العدالة» التي وردت في خطاب أوباما التاريخي - الذي دام نحو أربعين دقيقة - بشأن العملية، فعن أي عدالة تتحدث يا سيادة الرئيس، هل عدالة القرن الواحد والعشرين التي تستدعي محاكمة عادلة وفق ضمانات محددة أقرتها الاتفاقيات والعهود و المواثيق الدولية، لايزال الكثير من الحقوقيين والقانونيين يرون أنها لا ترقى بالعدالة إلى مستوى الإنصاف أمثال جون راولز وديفيد فيسبورت وآخرين، أم عدالة تعيد إلى الأذهان العقود الغابرة التي تتحدث عنها كتب التاريخ والمحددة في الانتقام في أبشع تجلياته؟

يتشح الغيورون بالسواد على اغتيال منظومة مفاهيم تعد أرقى ما وصلت إليه البشرية من قبل دولة تعتبر نفسها مضرب المثل في تمثلها، بل خاضت مسلسلاً استخدمت المسموح وغير المسموح والدموي في معظم الأحيان لنشرها

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3184 - الخميس 26 مايو 2011م الموافق 23 جمادى الآخرة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً