العدد 3192 - الجمعة 03 يونيو 2011م الموافق 02 رجب 1432هـ

تحديات التحول الديمقراطي في مصر

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

منذ 25 يناير/ كانون الثاني 2011، دخلت مصر مرحلة جديدة ومجيدة من تطورها السياسي بعد ثورتها التي كانت طليعتها الشباب وكان شعارها المطالبة بالحرية وإسقاط النظام. الذي كان الاستبداد والفساد سمته الرئيسية.

ورغم سقوط رأس النظام فلا تزال تحديات التحول الديمقراطي صعبة وعسيرة في مصر. فنحن إزاء نظام يتسم بالمركزية الشديدة التي كانت تقبض على سلطات هائلة، ولا تزال السلطة التنفيذية تتمتع بالعديد من السلطات والقوانين «غير الديمقراطية»، كما أن الحزب الذي ظل مهيمناً بصورة أحادية على الحياة الحزبية المصرية كان يحمل مشروعية وشرعية وشكل التنظيمات الشمولية السابقة عليه (الاتحاد الاشتراكي العربي) كحزب مهيمن ومسيطر ومقاره ورثها عنه.

وهناك عائق شديد الخطورة أمام التحول الديمقراطي يأتي من طبيعة تركيب هيكل جهاز السلطة في مصر طوال ثلاثين عاماً حيث اختيار القيادات على أساس التوارث الداخلي من قلب الجهاز أو على أساس الولاء السياسي والشخصي المضمون؛ ما أدى إلى تفريخ قيادات متواضعة المستوى وينذر أن يتواجد منهم من هو على فهم مطالب الثورة الديمقراطية المصرية التواقة إلى الحرية والعدالة الاجتماعية هذا إذا كانت تلك القيادات مؤمنة أصلاً بالديمقراطية. كما أن أساس العلاقة بين جهاز الدولة والتجربة الديمقراطية هو أساس واهن للغاية. ومن ثم فإن الحاجة إلى دستور ديمقراطي جديد تغدو ضرورة ملحة لأن الدستور الحالي هو دستور - مهما جرى ترقيعه - هو دستور مجتمع سياسي أحادي حشرت فيه حشراً بعض المواد الديمقراطية وهو ليس مصاغاً لتنظيم علاقات القوى في مجتمع تعددي. ويشهد على ذلك الصلاحيات الواسعة جداً لرئيس الجمهورية. حتى أن وسائل الإعلام الحكومية قد أعطت انطباعاً بأن النظام الديمقراطي المزعوم موجود كله بناء على «توجيهات الرئيس» لا على «إرادة الأمة» أو «طبقاً للدستور» وهو ما أوحى باستمرار الروح الفرعونية في النظر للنظام السياسي الحديث. ويجعل هذا الدستور من رئيس الدولة حاكماً إلهاً فوق الدستور والقانون، وتلك هي البيئة النفسية التي تحاصر رؤساء الدول في مصر فتضعف من ميولهم الديمقراطية وتقوي من ميولهم الأوتوقراطية. وبالتالي فهو دستور يكرس مجتمعاً سياسياً أحادياً. أما بقية النظام القانوني للدولة ما دون الدستور فهو أيضاً يلائم مجتمعاً سياسياً أحادياً ويعبر عن عقلية أوتوقراطية غير راغبة بشدة في أي تحول ديمقراطي حقيقي.

كما أن جهاز الدولة المصري يعرف سطوة كبيرة للسلطة التنفيذية على حساب السلطتين التشريعية والقضائية. وهاتان سلطتا رقابة لا غنى عنهما لأي تجربة ديمقراطية منهما. إن سطوة السلطة التنفيذية تؤثر على مقدار أداء هاتين السلطتين لمهامهما الرقابية. وقد أنتج التدخل الفاضح في تركيبة البرلمان من خلال التدخل في العملية الانتخابية برلماناً لا يعرفه الشغب وليس معبراً عنه ناهيك عن المستوى المتواضع لأغلب أعضائه القادرين على تمثيل مصالحهم الخاصة بأكثر بكثير عن تمثيل المصالح الاجتماعية الوطنية. وتعاني السلطة القضائية - رغم تراثها الجليل في الانتصار للحق والحرية - الضغوط الكبيرة غير المباشرة من قبل السلطة التنفيذية والتي تضعف قدرات القضاء في حراسة التجربة الديمقراطية.

ومن معوقات التحول الديمقراطي في مصر نوعية النخبة السياسية المصرية، فلئن كانت نخبة العهد المباركي عبر ممارساتها قد توترت علاقتها بالديمقراطية فكراً وممارسة، فإن النخبة المعارضة في ذلك العهد لها معايبها المؤثرة سلباً على عملية التحول الديمقراطي، حيث يغلب على تلك النخبة طابع السلفية والانجرار إلى الماضي، سواء في قوالبها الايديولوجية أم في معاركها السياسية والتي يدور جزء منها حول التاريخ. والكثير من قياداتها يعبر عن عقلية قديمة وإن بأطر جديدة بعيدة كل البعد عن عقلية مصر الجديدة ومصر المستقبلية. كما أن اللغة التي تطرح بها شعاراتها وتتناول بها قضايا المجتمع هي لغة غوغائية لا تعبر عن وعي بمشكلات مصر وطرائق حلها. وهي نخبة قليلاً ما تمارس داخل أحزابها الديمقراطية التي تنادي بها المجتمع كله قبل وأثناء وبعد ثورة 25 يناير. وفيما بين أطراف النخبة المعارضة ما صنع الحداد. حيث نادراً ما يجتمعون على موقف واحد ولو سار ثوار 25 يناير على هديهم ما نجحت الثورة!

ويكاد يختفي لدى هذه النخبة المعارضة الإحساس بمسئولية البحث عن الاستقرار السياسي كضمانة لاستمرار التجربة الديمقراطية نفسها، وقطع الطريق على الراغبين في تدميرها. إن النخبة السياسية المعارضة غير الناضجة سياسياً يمكنها أن تعرض التحول الديمقراطي للخطر.

إن التحول الديمقراطي المصري يرتبط نجاحه بدخول اللاعبين الجدد من الشباب الذي قاد ثورة 25 يناير لأنه سيكون الفيصل في الحسم النهائي للصراع بين قوى الديمقراطية والأوتوقراطية في مصر وجني ثمار الثورة الديمقراطية المصرية.

والقضية الثانية هو كيف يمكن أن يحدث «التحول الديمقراطي» دون استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي مما يعرض الأمن القومي للخطر. فمصر ليست أول دولة تمر بتلك المرحلة بعد اندلاع ثورات ديمقراطية. فالتحول الديمقراطي إلى جانب أنه يؤدي إلى مشاركة واسعة للجماهير ويساعد على التعددية الفكرية والتعددية الاقتصادية إلا أنه يفجر - كما رأينا - مطالب طال كبتها، تعجز الموارد الاقتصادية المتاحة عن التعامل معها ما يؤدي إلى استمرار حالة عدم الاستقرار السياسي الذي يحد في النهاية من إمكانيات التنمية الاقتصادية. المعادلة الصعبة إذاً كيف يستمر التطور الديمقراطي المتسارع في مصر حتى تصل مصر إلى الديمقراطية الكاملة في الوقت الذي نحقق فيه الاستقرار السياسي

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3192 - الجمعة 03 يونيو 2011م الموافق 02 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً