العدد 3205 - الخميس 16 يونيو 2011م الموافق 14 رجب 1432هـ

العلاقات الارتباطية في المجتمع وأدوار القوى المختلفة

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تختلف أدوار القوى والفئات الاجتماعية، وأحياناً تتناقض، وبوجه عام فإن من المفترض أن يكون رجل الدين والسياسي لهما دور إيجابي، كذلك المثقف والاقتصادي، ولكن يحدث التناقض بين أدوار هؤلاء الأربعة، وإن كان أقلهم حدة في الصراع والتناقض هو المثقف.

رجل الدين يفترض أنه ينشر التسامح، ولكنه عادة - للأسف - ينشر عكس ذلك، عندما يعتقد ويتصرف بأن عقيدته أو طائفته هي الأصح، وهي التي على حق وان سواها على باطل، ومن هنا تنشأ الحروب والصراعات تحت راية الدين أو المذهب.

رجل السياسة، من المفترض أن السياسة تنظم العلاقات الاجتماعية والحقوق والواجبات بين الأفراد بعضهم بعضاً، وبينهم وبين السلطة الحاكمة التي ارتضوها أو قبلوا بها، لكي تخرجهم من شريعة الغاب وتحقق لهم الأمن والعدالة، ولكن عادة - للأسف - يتحول رجل السياسة إلى حيوان مفترس، يركز على ذاته وسلطاته، وينسى المجتمع الذي يتحول فيه الصراع إلى صراع طبقي، أو صراع سياسي في مواجهة السلطة، أو يتحول السياسي إلى قوة غازية للمجتمعات الأخرى، فتتحول علاقات الدول إلى علاقات صراعية، بدلاً من أن تكون علاقات توافقية أو تعاونية.

رجل الاقتصاد عادة يسعى للإنتاج، وتبادل السلع، في إطار مبدأ المنفعة المتبادلة، وهو بدوره يمكن أن يتحول إلى وحش مفترس، يركز على الاحتكار، بدلاً من التنافس الطبيعي، ويسعى للاستحواذ على الموارد والثروات، وإعطاء الآخرين الفتات. من هنا نشأ مفهوم الصراع الطبقي، ونشأت الظاهرة الاستعمارية بحثاً عن الموارد والأسواق والاستحواذ عليها.

رجل الثقافة، ربما هو أقل هؤلاء عدوانية، فهو ينشر الفكر، وينشر الإحساس بالجمال بالذوق الفني والإبداع الفكري والأدبي، إنه عادة قابع وقانع بما يقدمه وما يحصل عليه، إنه يعبر عن مشروع استنارة، يقبل الآخر ويتقبله ويتفاعل معه، ويتعرف عليه، ويدرس طبائعه وطموحاته ونفسيته وآماله، ويسعى لنشر ذلك، ومن هنا كانت الآية القرآنية الداعية «للتعارف والتعاون» بقوله «يَا أَيُّهَا الناسُ إنا خَلقناكُم مِّن ذكر وَأنثى وَجَعَلناكمْ شُعُوبًا وَقبَائِلَ لِتعَارَفُوا إنَّ أَكرَمَكمْ عِندَ اللهِ أتقَاكمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ» (الحجرات: 13)، هي أكثر الآيات انطباقاً على المثقف. ولكن المثقف هو إنسان يعيش في مجتمع يتأثر بسياساته وعقائده وسعيه للثروة، من هنا أحياناً ينحاز أو بالأدق ينحرف عن مهمته النبيلة ليعبر عن مجتمع معين، أو عقيدة معينة، أو طموح اقتصادي معين من خلال أفق ضيق يركز على بقعة جغرافية محددة، من هنا ينشأ ما يطلق عليه الصراع الثقافي الذي تغذيه أساساً طموحات غير ثقافية، ويتفاعل فيه المثقف بمنهج سلبي مع السياسي أو رجل الدين أو الاقتصادي، بينما المفترض أن يحدث العكس.

هل المطلوب التخلص من هؤلاء الرجال الأربعة، لأنهم يقودون البشرية نحو الهاوية؟ أعتقد بأن وجودهم ضروري، ولكن المطلوب هو ترشيد سلوك هؤلاء عبر القواعد القانونية التي تعبر عن «جمود» و «مرونة» وعمومية في الوقت نفسه. جمود، بمعنى أنها لا تتغير بسهولة وسرعة وعمومية، لأنها لا تخاطب شخصاً بعينه، وإنما تخاطب البشر جميعاً، أو المجتمع بأسره، ومرونة لأنها ينبغي أن تتغير بتغير الزمان والمكان والظروف، فإن انتقل المجتمع من مرحلة البداوة إلى مرحلة الحضارة، فإن القانون الذي يحكم علاقات القوى المجتمعية لابد أن يتغير، وإذا ساد دولة أو منطقة جغرافية فكر وعقيدة معينة، فإن القانون لابد أن يعبر عن ذلك وهكذا.

الخلاصة، إذاً، نحن في حاجة للضوابط القانونية لتحكم علاقات البشر، سواء العلاقات الدينية والعقائد، أو العلاقات السياسة، أو العلاقات الاقتصادية، أو العلاقات الثقافية. إذاً القانون هو محور الدائرة الارتباطية للعلاقات، والقانون ليس محايداً تماماً، بل هو تعبير عن تلك العلاقات الأربع، وعن مراحل تطور بين المجتمعات، وفي داخل كل مجتمع؛ فإن القانون قد يكون جائراً أو منحازاً، ولكنه هو رابط المجتمعات. وكما أشرت في البداية، فإن نقطة الانطلاق للحضارة البشرية ولحقوق الإنسان هي تحقيق الأمن والعدالة.

فهل ندرك - نحن معشر البشر الذين نعيش في القرن الحادي والعشرين - أهمية هذه العلاقات التفاعلية الارتباطية بيننا، أم نظل نعيش بمنطق رجل الدين، أو رجل السياسة، أو رجل الاقتصاد، للسعي لفرض إرادته على الآخرين، بغض النظر عن النتائج؟ ومن ثم نعيش في حروب دينية أو مذهبية أو سياسية أو اقتصادية، وهنا يبرز لنا دور رجل الثقافة والفكر والعلم. إنه ينبغي ألا ينساق مع أدوار رجل الدين، أو السياسة، أو الاقتصاد، وإنه ينبغي أن يركز على علاقات التعاون، وعلى فكر التسامح، وعلى مفهوم الارتباط، بدلاً من مفهوم الصراع، وعليه أن يحول العلاقات الصراعية إلى علاقات حوارية من أجل مستقبل البشرية وإنقاذها من طموحات رجل الدين أو رجل السياسة أو رجل الاقتصاد

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3205 - الخميس 16 يونيو 2011م الموافق 14 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً