العدد 3208 - الأحد 19 يونيو 2011م الموافق 17 رجب 1432هـ

الفاختة وأساطير الكذب ونشر الظلامات

الفاختة هي أحد أنواع الحمام المشهورة عند العامة في البحرين بالعديد من الأسماء المحلية، وهو نوع أرتبط بالعديد من الأساطير عند العديد من الشعوب منذ عهد اليونان حتى وقتنا الحاضر، وكما سبق وذكرنا في الفصل السابق عن طائر القرلى يبدو أيضاً هنا أن الأصل هو أسطورة يونانية تم تحويرها وتضمين عوامل ثقافية تختلف عما عليه في الثقافة اليونانية. وبالإضافة إلى الأساطير التي ارتبطت بهذا النوع هناك أيضاً العديد من ظواهر التطور الدلالي التي سنناقشها أولاً.

الخلاف بين الحمام واليمام

الحمام عند العرب اسم عام يشمل: اليمام والفواخت والقماري والقطا والوراشين وحمام الأمصار وهي كذلك عند علماء الحيوان ما عدا القطا فهو عندهم من عائلة أخرى. وقد ذكر الجاحظ في كتابه الحيوان أن من أجناس الحمام: القمري واليمام والفواخت والدبسي ثم قال: «العرب تسمي هذه الأجناس كلها حماماً فجمعوها بالاسم العام وفرقوها بالاسم الخاص».

أما البعض في أيامنا هذه فيترجم كلمة Dove باليمام ويعممه على غالبية هذه العائلة على رغم أن اليمام هو اسم خاص يخص النوع المسمى بلغة العلم Columba oenas أو باللغة الإنجليزية Stock Dove. وبسبب تعميم اسم اليمام ظهرت أسماء مترجمة غريبة عن اللغة العربية ومن هذه الأسماء والتي ذكرت في بعض الكتب العلمية: يمام قمري ويمام مطوق، فإذا كان القمري نوع من الحمام واليمام نوع آخر من الحمام فما هو اليمام القمري؟ وأما اليمام المطوق فهو ترجمة خاطئة للمصطلح Collared Dove ويسمى أيضاً Ring-dove، والذي يجب أن يترجم بالاسم «حمام مطوق» وهذا هو الاسم العام لمجموعة من الحمام تضم الفاخته والقمري والدبسي، وقد خصص الاسم Collared Dove ليعني الفاختة، وعند العرب كل ذات طوق يقال لها حمامه حتى قيل إن الحمام ذوات الأطواق فقط ( لسان العرب) ومن هنا نرى أن ترجمة كلمة Dove باليمامة هي ترجمة غير دقيقة وهي ترجمة عشوائية لا يمكننا اللجوء إليها دون مراجعة كتب اللغة ومعرفة مدى ملاءمة الاسم. وأخيراً أقول، إن تصنيف العرب القدماء وعزل هذه المجموعة من الحمام وضمها تحت اسم حمام مطوق وتفريقها بأسماء خاصة قريب من التصنيف العلمي، فقد صنفت هذه المجموعة؛ أي الحمام المطوق في جنس يعرف بلغة العلم Streptopelia والذي يعني حمام مطوق وقد أخطأ من قال يمام مطوق. وقد سميت بالحمامة المطوقه لوجود طوق حول رقبتها له ألوان مختلفة، ولوجود هذا الطوق أسطورة.

أسطورة طوق الحمامة

جاء في كتاب الحيوان للجاحظ أن نوحاً عليه السلام حين بقى في اللجة أياماً بعث الغراب ليبحث له عن الماء وعن مرفأ للسفينة فطار الغراب فلما وجد جيفه وقع عليها ونسى أمر نوح ومن كان معه، ثم بعد ذلك أرسل نوح الحمامة، فلما رجعت الحمامة وكان في رجليها طين فعوضت من ذلك الطين خضاب الرجلين ثم إن الحمامة استعجلت عليه الطوق الذي حول رقبتها وعند ذلك أعطاها الله تلك الحلية ومنحها تلك الزينة بدعاء نوح عليه السلام. وفي جميع ذلك يقول الشاعر أمية بن أبي الصلت:

وأرسلتِ الحمامةُ بعد سبعٍ

تدلُّ على المهالك لا تَهابُ

تلمّس هل ترى في الأرضِ عيناً

وغايته من الماء العُبابُ

فجاءت بعدما ركضت بقِطفٍ

عليه الثَّأط والطين الكُبابُ

فلما فرَّسوا الآياتِ صاغوا

لها طوقاً كما عُقِدَ السِّخابُ

إذا ماتت تورِّثُه بنيها

وإن تُقتل فليس لها استلاب

سبب تسميتها فاختة

الفاختة هي نوع من أنواع الحمام المطوق تسمى في العراق فاختة وفُختيه وتسمى في حلب ست الروم وتسمى في الشام «يا كريم» (معجم معلوف) وتعرف عند العامة في البحرين بالأسماء: «يا كريم»، «يا فوته»، «يا ثابتة» «حمام بدي». أما سبب تسميتها فاختة فقد جاء في معجم تاج العروس ما يأتي:

«الفَخْتُ: ضَوءُ القَمَرِ أَوَّلَ ما يَبْدُو، وعَمَّ بِهِ بعضُهُم، قال أَبو عُبَيْد: يُقَال: جَلَسْنَا فِي الفَخْتِ، وقالَ شَمِرٌ: لم أَسْمَعِ الفَخْتَ إِلاّ ها هنا قال أَبو إِسحاق: قال بعضُ أَهلِ اللُّغَة الفَخْتُ: لا أَدْرِي، اسْمُ ضَوْئِهِ أَم اسْمُ ظُلْمَتِه، واسْمُ ظُلْمَةِ ظِلِّه على الحَقِيقَةِ: السَّمَرُ، ولِذا قِيلَ للمُتَحَدِّثِينَ لَيْلاً: سُمَّارٌ، قال أَبو العباس: الصَّوابُ فِيه ظِلُّ القَمَرِ، وقالَ بَعْضُهُم: الصَّوابُ ما قَالَهُ: لأَنّ الفَاخِتَةَ بِلَوْنِ الظِّلِّ أَشْبَهُ مِنْهَا بِلَوْنِ الضَّوْءِ».

الفاختة من الاسم للصفة

اللفظ «فاختة» شائع بين العامة في البحرين لكن كصفة وليس كاسم، فالفاختة تعني الكذاب، وكذلك هي عند العرب فقد جاء في معجم تاج العروس «فخت بمعنى كذب» ومنها الفاختة أي الكذاب، وتقول العامة في البحرين «فلان فاختة» و»فلان اچذب (أي أكذب) من فاختة»، وكذلك جاء في الأمثال العربية «أكذب من فاختة»، والمقصود بالفاختة في هذا المثل هو هذا الحمام وقد ورد هذا المثل في كتاب «مجمع الأمثال» للميداني وله قصة طريفة؛ إذ زعمت العرب إن حكاية صوت هذه الحمامة «هذا أوان الرطب» وهي تقول ذلك باستمرار حتى وإن لم يطلع حتى طلع النخلة بعد، ومنه نسب الكذب إلى هذه الحمامة، قال الراجز:

أكذب من فاختـة

تقول وسط الكربِ

والطلع لما يطلع

هذا أوان الرطبِ

وقد روى الدميري حكاية أخرى بالإضافة إلى هذه لا تقل ظرفًا عنها، حيث جاء في كتابه «حياة الحيوان الكبرى»: «قلت: ويحتمل أنها إنما وصفت بالكذب، لما قاله الغزالي رحمه الله تعالى، في الإحياء، في أواخر كتابي الصبر والشكر، إن كلام العشاق الذين أفرط حبهم يستلذ بسماعه، ولا يعول عليه، كما حكى أن فاختة كان يراودها زوجها، فمنعته نفسها، فقال لها: ما الذي يمنعك عني؟ ولو أردت أن أقلب لك ملك سليمان ظهرا لبطن لفعلت لأجلك؟ فسمعه سليمان عليه الصلاة والسلام، فاستدعاه وقال: ما حملك على ما قلت؟ فقال: يا نبي الله إني محب، والمحب لا يلام وكلام العشاق يطوى ولا يحكى».

أساطير حكاية صوت الفاختة

ارتبط صوت الفاختة بالعديد من الأساطير فعند اليونان أن هذه الحمامة كانت خادمة تعرضت للعديد من الظلم وقد حولتها الآلهة لحمامة لكي تتمكن من الهرب وأما تصويتها فهو يروي قصة ظلامتها. أما عند العرب فهناك روايات مختلفة لصوتها منها ما ذكرناه سابقاً من قولها «هذا أوان الرطب»، وروى الدميري في كتابه أن العرب تزعم أن الحيات تهرب من صوت هذه الحمامة.

أما العامة في البحرين ودول الخليج العربي فقد زعمت إن الفاختة تسبح الله عز وجل وإن حكاية صوتها «يا كريم» ومنه اشتق اسمها، وقالت بعض العامة إن حكاية صوتها «يا فوتة» (وهذا قريب من صحكاية صوتها) والبعض أول صوتها بحكاية «يا ثابتة» وآخرون أولوه «يا ثابتة يا بتي». وقد ربطت العامة حكاية هذا الصوت بخرافة؛ إذ زعموا أنه كان لهذه الحمامة بنت تسمى «ثابتة» أكلها الصقر فأخذت تنادي عليها «يا ثابتة يا بتي». وقال الناصري في كتابه «موسوعة الأمثال الشعبية» إن حكاية صوت هذا الطائر في خراسان «موسى كوتقي» يعني أن لها أولاد موسى وتقي ففقدت تقي فهي تسأل موسى أين تقي. ويضيف الناصري قوله إن فاختة هو اسم ابنتها التي فقدتها، ويلاحظ أن الأسماء فوتة وثابتة وفاختة قريبة من بعض وهي قريبة من حكاية صوت هذه الحمامة وقد أوَّلته العاَّة وربطته بهذه الخرافة

العدد 3208 - الأحد 19 يونيو 2011م الموافق 17 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً