العدد 3212 - الخميس 23 يونيو 2011م الموافق 21 رجب 1432هـ

صراع المرجعيات في مصر ما بعد الثورة

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

بعد أن نجحت الثورة بإسقاط نظام آل مبارك في مصر بات هناك ما يشبه الصراع على المجتمع، وخاصة من أصحاب المرجعية الدينية سواء في هذا الحراك الذي بدأته جماعات الإخوان المسلمين بعقد الندوات وحملات التعبئة لأنصارها داخل المدن، وبتعمدها تخليق مؤسسات موازية ومروراً بالسلفيين والجماعات الإسلامية وغيرهم الذين باتوا يظهرون في المشهد بشكل مستفز في تصرفاتهم وفي ما يتبنينه من شعارات وأفعال تؤدى إلى فتنة داخل المجتمع، فالكل بات يؤكد على المرجعية الإسلامية وكأن الإسلام لم يكن من قبل موجوداً في مصر، وأنه تم إعادة اكتشافه على أيديهم مرة أخرى…، وإن ما بُني في ثقافته من مدنية حديثة على مدار المائتين سنة الماضية أصبح بالنسبة لهم رجس من عمل الشيطان، وهدمه بات من أولوياتهم في سبيل العودة إلى ما قبل هذه العصور وفق رؤيتهم الدينية.

فالقضية أصبحت هنا تأخذ بعداً فكرياً عندما تتعلق بعقلية تعاطي أصحاب هذه المرجعية مع الواقع برؤية تتعارض في الكثير من الأحيان مع قيم الدين نفسه، فبدلاً من الرفض للواقع لمجرد الرفض كان من باب أولى أن يكون التناول في إطار عقلاني يحمل تساؤلات، مثل: هل ما جاءت به المدنية الحديثة من نظم حديثة وقدرتها على إعلاء قيم كالعدالة والمساواة والحرية يتعارض مع القيم التي جاء بها الإسلام؟... والإجابة هنا تحتاج ليس الاستعانة بالماضي والتفسيرات المتنوعة والمتباينة للدين وإنما إلى رؤية ومنهجية الحاضر. فالتشدق والاختفاء حول المرجعية الدينية لا يقدم حلول بقدر ما يغلق الباب أمام إبداعات عقول البشر وهو ما يعكس قدر من الضحالة وضيق أفق من يرفعون هذه المرجعية...، فالدولة الحديثة وتجلياتها في دولة القانون أثبتت بتطبيقاتها في المجتمعات الديمقراطية بأنها تحقق حتى لو بحد أدنى قيم العدالة بشكل يعمل على الحفاظ على آدمية الإنسان وكرامته والتي تشهد الوقائع أنها كانت أشد انتهاكاً في المجتمعات الإسلامية وبالأخص منها التي يتمسح أهلها وحكامها بالدين... وبالتالي فأسلمة الدولة في مرجعيتها وعدم مراعاة التطور الذي حدث في الأفكار والقيم الإنسانية بإيجاد الآليات المؤسساتية التي تضمن تفعيلها على أرض الواقع قد يعود بنا إلى البدايات الأولى للبشر في ظل متطلبات وظروف تستدعي التواكب مع تطورات العصر.

ومن هنا فالتساؤل إذا كانت ثورة الشباب استطاعت بقوتها أن تقتلع نظام مبارك من السلطة بعد ثلاثين سنة حكم ديكتاتوري، فهل تكون لهذه القوة الخفية تأثيراتها الإيجابية على عقلية النخبة والقوى السياسية الأخرى التي تتباين فيما بينها من أقصى اليمين لأقصي اليسار، ليصبحوا غير ما كانوا عليه في الماضي من الاختلاف الشديد المتباين فيما بينهم، حيث بالتأكيد أن هناك قوى وطنية متعددة ما بين يسارية وإسلامية قد لا تتناسب أفكارها مع المرحلة المقبلة والتي تحتاج من إعادة تفكير وتغيير من رؤيتها مع تعاطيها مع الواقع الجديد وفقاً للآتي أولاً: فالإسلاميين بتنويعاتهم المختلفة ما بين إخوان وجماعات إسلامية وسلفيين يحتاجون أن يغيروا من أحاديثهم المغلقة وأن الإسلام لديه حل لكل القضايا ويخرجوا من هذا الإطار الضيق في إطار قبول الآخر ليس وجودياً وإنما فكرياً والتفاعل والتعامل معه انطلاقاً من هذه الأرضية...، فلا يمكن أن يكون واقع هذه القوى بعد الثورة هو التعامل مع نظرة أحادية للوجود من خلال منظور أن الإسلام هو الحل، وهو ما دحضته هذه الثورة التي لم تكن بملايينها ملكاً لأحد، فهي كانت ملكاً لكل من خرج فيها اليساري والشيوعي والإسلامي والليبرالي ومن ليس له توجه فكري أو سياسي وبالتالي الجميع اشتركوا في مبادئ عامة إنسانية تطالب بالكرامة والعدالة والمساواة والحرية مبلورة هذه المطالب في مطالبتها بإسقاط النظام السياسي الذي حجب عنها هذه الحقوق...، ومثل هذه المطالب ما هي إلا مبادئ عامة مرتبطة بالفطرة ولا يمكن أن تكون حكراً لفئة على حساب أخرى…، وقد يكون الاختلاف فقط في طريقة التحقيق أو في الوسيلة، فهناك من يرون أن الإسلام هو الطريق الذي يحقق هذه القيم وهناك من يعترض على ذلك بحكم الخطاب الذي يرفعونه بحجرهم على عقول الجميع عندما يحددون الحل في الإسلام الذي هو بطبيعته ليس حكراً على هذا الفصيل الذي ينسبون أنفسهم إليه.

ثانياً: أيضاً أصحاب الفكر اليساري قد يحتاجون إلى إعادة تغير رؤيتهم للواقع. فإذا كانوا يرون في الاشتراكية وتحقيق المساواة بين الجميع طريق لتحقيق هذا المبدأ فتجربة النظم الاشتراكية السياسية لم يكن سجلها مشرفاً فيما يتعلق بامتهان كرامة الإنسان في الكثير من الدول، فليس عن طريق تحقيق المساواة بين الجميع بمعناها المبدئي تتحقق العدالة بل قد يكون في ذلك تكريس للظلم، فمبدأ المساواة عند تقنينه يجب ربطه بقيمة العدالة فمن يجتهد ويعمل لا يمكن أن يتساوى مع من لا يعمل، ومن هنا يجب التمييز وفقاً للعمل والجهد المبذول، فالقيمة تتحقق هنا فقط عند إتاحة الفرصة وليس في توزيع العائد على الجميع بشكل متساوٍ... وبالتالي فالدافع لتحقيق نمو قد ينعدم ويحدث العكس تماماً بحدوث ركود وتدهور وهو ما حدث في المجتمعات الاشتراكية في السابق.

ثالثاً: على الرغم من أن ثورة الشباب فيما كانت تقوم به كانت تميل أكثر للفكرة الليبرالية وفكرة الحرية والقيم المرتبطة بها من احترام كرامة الإنسان والثورة على الحاكم وإنهاء العقد الاجتماعي الذي تخلى فيه عن الواجبات التي كان يقوم بها انطلاقاً من كونه الحكم تجاه مجتمعه... إلا أن هذا لا يعنى أن الثورة انتصرت للفكر الليبرالي فالقضية لم تعد انتصار أصحاب تيار على آخر وإنما باتت تكمن بالأساس في المقدرة على بناء الشكل المؤسسي والقانوني المناسب الذي عن طريقه يتم تحييد النخب أياً كانت دينية أو سياسية وأن تكون هذه المؤسسات بقوانينها أدوات حقيقية لتحقيق قيم العدالة والمساواة بشكلها الحقيقي… فالكل قد يكون فاعلاً أياً كان فكره، ليبرالياً أو يسارياً أو متديناً بمرجعية إسلامية أو مسيحية مادام انطلق من رؤية غير محتكرة للعقول وللمعرفة وجاهزة بالحلول قبل أن تعرف المشكلة... وهو الأمر الذي برهنت عليه ثورة الشباب بسقوط الفرضيات المطلقة سواء كانت سياسية أو دينية. وعندما أوجدت الإطار الذي استوعب حالة التنوع السياسي والديني للشباب ووحدهم تحت قيم ومبادئ الحرية والعدالة والمساواة بعيداً عن قيم الوصايا والمتمسحين بالمرجعية الدينية التي بدأ صوتها يعلو بعد الثورة... ومن هنا تبدو أهمية مرجعية مدنية الدولة المصرية ممثلة في دولة القانون هي الحل لحالة صراع المرجعيات هذه الذي باتت ملامح سلبيات تظهر على السطح من زرع الفتنة بين المسلم والمسيحي في مجتمع ندر أن تتواجد فيه مثل هذه الثنائية

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3212 - الخميس 23 يونيو 2011م الموافق 21 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً