العدد 3214 - السبت 25 يونيو 2011م الموافق 23 رجب 1432هـ

«التوقيت الصيفي»... أبعد من هدر الطاقة!

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

تقع مملكة البحرين في الجزء الأوسط من الكرة الأرضية، إذ لا يوجد فرق شاسع في طول النهار بين كل من الصيف والشتاء، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى الدول الواقعة بعيداً عن خط الاستواء في شمال الكرة الأرضية كالدول الأوروبية، أو في جنوب الكرة الأرضية مثل أستراليا ودول أميركا الجنوبية‏.

وبالرغم من صغر مساحتها، إلا أن أهميتها كبيرة ونوعية من حيث الخدمات والاتصالات التي تقدمها للكثير من القطاعات المالية والصناعية والحيوية ذات العلاقة بوجه عام، وذلك يرجع إلى موقعها الجغرافي اللوجستي في قلب منطقة الخليج.

كما هو معلوم فإن تغيير التوقيت المحلي بتقدُّم ساعة أو أكثر أو تأخُّر ساعة أو أكثر إنما يخضع للظروف المناخية أو المصلحة العامة لبعض الدول، بحيث إذا أردنا الانتقال إلى التوقيت الصيفي فلابد حينئذ من النظر إلى الظروف الموضوعية التي قد تشجع على تطبيق هذا النظام من عدمه.

عملياً، فإن فكرة التوقيت الصيفي لم تكن مطروحة بشكل جدِّي إلا في بداية القرن العشرين، وذلك بعدما طرحها البريطاني ويليام ويلت، حيث بذل جهوداً ومحاولات في سبيل ترويجها والتسويق لها، إلى أن استطاع تمريرها بمشروع قانون ناقشه البرلمان البريطاني في 1909 ومن ثم تمَّ رفضه.

وإبَّان الحرب العالمية الأولى، وتحديداً في العام 1916م فإن ظروف الحرب هي التي أجبرت البلدان المتقاتلة على ابتداع وسائل جديدة للحفاظ على الطاقة، بهدف توفير الفحم خلال فترة الحرب، فقد كانت ألمانيا أول دولة أعلنت التوقيت الصيفي، وتبعتها بريطانيا بعد فترة وجيزة، ومنذ ذلك الحين وكثير من دول العالم تقوم بإجراء التعديلات على نظام التوقيت لديها أو إلغائه.

في البحرين، لو ألقينا نظرة تاريخية على نظام التوقيت الصيفي فإننا نجد أنه كان نظاماً معمولاً به من أيام الإنجليز، كما ونلاحظ من خلال تتبع سيرة المرحوم أحمد العمران الذي شغل منصب مدير المعارف فترة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، أنه تقدم باقتراح للحكومة آنذاك بجعل التوقيت في البحرين يسير وفق نظامين اثنين: الأول (التوقيت الشتوي) ويبدأ مع بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، والآخر (التوقيت الصيفي) ويبدأ مع بداية شهر مايو/ أيار.

تبنَّت الحكومة مقترح العمران في ذلك الوقت، وظلت الأمور تسير بشكل طبيعي كما كان متَّبعاً في عدد من الدول مثل بريطانيا وبعض الدول الأوروبية، ودول عربية منها مصر والعراق ودول الشام، إلى أن توقف العمل بهذا النظام فترة السبعينيات من القرن الماضي.

والسؤال المطروح هنا: ما الجدوى من إقدام حكومة مملكة البحرين على تقديم الوقت لمدة ساعة واحدة مثلاً في موسم الصيف؟

بالرجوع إلى أرشيف مجلس النواب، فإننا نجد أنه في سبتمبر/ أيلول من العام 2005 تقدَّم رئيس كتلة المستقلين النائب عبدالعزيز الموسى باقتراح برغبة خلال دور الانعقاد الرابع للمجلس بشأن تعديل توقيت مملكة البحرين، ليكون هناك توقيت صيفي وآخر شتوي.

مسوّغات عدة ساقها النائب الموسى عند تقدمه بهذا المقترح، منها أن دولاً كثيرة يتم تقديم وتأخير التوقيت فيها حسب فصول العام، ليتناسب ذلك مع موقعها الجغرافي، ومواعيد ولوج الليل والنهار في فصول العام، في الوقت الذي تكون الشمس عمودية في فصل الصيف عند الساعة الحادية عشرة صباحاً، وهو ما يؤثر على جهد العامل وقدرته على الإنتاجية، خصوصاً الذين يعملون في مناطق مكشوفة.

كما تقدّم رئيس مجلس النواب خليفة الظهراني بالمقترح نفسه، وذلك بتقديم عقارب الساعة لمدة ساعة واحدة فقط في الأول من أبريل/ نيسان لبدء التوقيت الصيفي، فيما يعاد ثانية في الأول من أكتوبر ليبدأ التوقيت الشتوي.

ثمة دراسة مهمة أجراها مركز البحرين للدراسات والبحوث (سابقاً) حول مقترح التوقيت الصيفي، فقد أخذت الدراسة في الاعتبار كافة الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية المترتبة عليه، وانتهت إلى نتيجة مفادها أنَّ له فوائد اقتصادية، وسيحسِّن من مستوى الإنتاجية.

قد يقول قائل: من أين نبدأ عند تطبيق التوقيت الصيفي؟ والإجابة نجدها عند مؤيدي المدرسة السلوكية في التربية، والذين يشددون على أهمية مرحلة الطفولة (ما قبل المدرسة) في تشكيل شخصية الطفل مستقبلاً، فليس من الصواب أن ندعو إلى تطبيق هذا النظام دون تهيئة الأرضية المناسبة له، من خلال مقدمات أساسية تعدُّ بمثابة مراجعات لتغيير نمط الثقافة السائدة تجاه جملة من السلوكيات أو العادات المجتمعية الخاطئة وغير المنضبطة، وعلى رأسها تأخُّر الأطفال وسهرهم إلى أنصاف الليالي، فنقطة البداية ـ إن كنا نفكر بشكل استراتيجي ـ دائماً من أطفال المدارس في إحداث أي تحوّل مجتمعي.

ومن باب أن الشيء بالشيء يذكر، فقد ذكرنا سالفاً شخصية أحمد العمران، والذي يعدُّ من الشخصيات البارزة التي عملت على توسيع القاعدة الأساسية للتعليم في البحرين، فقد كان هذا الرجل مولعاً بتعليم الأطفال، ويردد دائماً: «علِّموهم في المدارس، علِّموهم في المساجد، علِّموهم فوق ظهور السفن، علِّموهم حيث تيسَّر ذلك، ولا تتركوهم عرضة للجهل والأمية والضياع»!

إذاً فإن عالم الطفولة يعدُّ مُناخاً ملائماً للاقتراب من فكرة التوقيت الصيفي، حيث تشير الحقيقة العلمية إلى أن جسم الطفل ينمو من خلال النوم، إذ تتراوح ساعات نوم الأطفال الصغار ما بين 6 – 12 سنة حوالي 10 ساعات يومياً، في الوقت الذي يحتاج الكبار من سن 21 عاماً فصاعداً إلى 7 – 9 ساعات نوم يومياً، حيث يؤدي نقص النوم إلى الإحساس بالتعب والنعاس وغياب النشاط وأحياناً سرعة الغضب.

لذا كان من الضروري تأهيل الأطفال وتعويدهم مبكراً على التوقيت الجديد قبل مدة كافية قد تصل إلى أسبوع على الأقل، وتشجيعهم للإقبال على السرير قبل نصف ساعة أو ساعة واحدة على الأقل من الموعد المحدد يومياً، وإطفاء الأجهزة الإلكترونية في غرف النوم مثل التلفزيون والكمبيوتر وعموم الألعاب الإلكترونية، لما لها من تأثير سلبي على تركيز الأطفال وانتباههم ونشاطهم في المدارس.

خلاصة القول، ربما يقلل البعض من جدوى تطبيق التوقيت الصيفي في البحرين، ولكن يبقى المجال مفتوحاً لدراسة مبرراته الكثيرة، ومنها: التكيُّف الزمني المؤقت مع شروق الشمس وغروبها، والتقليل من التلوث البيئي، وزيادة إنتاجية الفرد العامل أو الموظف من خلال الاعتماد على ضوء الشمس الطبيعي، والتقليل من حوادث الطرق بسبب ضبط التوقيت الرسمي في الدولة مع أوقات النور الطبيعي، وتقليص الفارق ما بين صلاة الفجر ووقت خروج الناس إلى أعمالهم اليومية، ومنح الموظفين والعاملين فرصة الاستمتاع بوقت الفراغ قبل أفول قرص الشمس

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 3214 - السبت 25 يونيو 2011م الموافق 23 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً