العدد 3215 - الأحد 26 يونيو 2011م الموافق 24 رجب 1432هـ

لوعَة الكتابة عن سورية اليوم

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

أكتبُ اليوم عن سورية وهي بهذا الحال الذي لا يَسُر. أحوالٌ أقلّ ما يُقال عنها إنها «صعبة» كما وصفها الرئيس التركي عبدالله غل قبل أيام. أكتبُ عنها وأنا غير موتور من نظامها، فلستُ على خطى البيانوني ولا خدَّام. ولستُ صاحب هَوىً امبريالي تجاهها كالذي يرقص على أنغامه ساركوزي وكاميرون ومن ورائهما الأميركيون على استحياء. فكلّ ذلك يجعلني أكتب عنها وعن أحوالها وأنا في راحة من الضمير لا يدفعني لذلك سوى حب هذا البلد وناسه.

بل إننا دافعنا عن سورية عندما نَوَى بالشَّر عليها بوش الابن بعد احتلاله الآثم للعراق في العام 2003، ودافعنا عن سورية عندما طُرِحَ قانون محاسبتها في الكونغرس الأميركي، ودافعنا عنها عندما ابتزَّها الاتحاد الأوروبي بخصوص الشراكة معها. واليوم أيضاً ندافع عنها ولكن ليس على الطريقة التي يُريدها البعض، وإنما وفق جردة الحقوق والحريات للناس والحكم الرشيد.

إذ ليس من الإنصاف أبداً أن يُصَفَّق للتونسيين في سيدي بوزيد وبَلدَات الجنوب التونسي ولا يُفعَل ذلك مع السوريين! وليس من الحقيقة أبداً أن يصبح المصريون في ميدان التحرير ثواراً ولا يكونون إلاّ طائفيين في سورية. سنصدِّق كلّ شيء عن التآمر على دمشق بترتيب خارجي سواء بوجود إرهابيين في جسر الشغور أو غيرها، لكن ما هو غير مُصدَّق هو أن لا يكون هناك مطالبات شعبية بالإصلاح وموضوع الحريات والموقف من الفساد وغلواء القوى الأمنية.

ماذا يعني أن أرى أكثر من عشرة آلاف سوري يلجأون إلى الأراضي التركيّة؟ أليسَ في ذلك حَيْفٌ قد وَقع على المدنيين الأبرياء يتنبَّه إليه المرء للوهلة الأولى؟ وإذا كان أولئك اللاجئون أغلبهم من الأطفال والنساء الذين يتحدَّثون علناً عن غِلظة مارستها القوى الأمنية والعسكرية السورية في ديارهم التي هاجروا منها فماذا نصنع نحن كمراقبين بهذه الشهادات الحيَّة من أهلها، الذين لا أمارات على أنهم حفنة من الإرهابيين أو ذوي أناس قتلة؟!

الرئيس السوري بشار الأسد هو زعيم عربي شاب وصاحب حسّ قومي، ونحن كعرب ننحازُ إليه إذا ما رامَ الغرب التآمر على بلاده، أو حين يستهدفه الإرهابيون، لكن يعزُّ على المرء أن يراه وهو يُدير سورية بهذه الطريقة. ليس من الصحيح إذا ما وُجِدَ إرهابيون ومسلَّحون أن يُقتل المدنيون ويُهَجَّر الناس من مُدنهم وقراهم إلى الخارج. وليس من الصحيح إذا ما وُجِدَ مجرمون أن أقطِّر من جرعات الإصلاح السياسي بحيث لا يستطيع أحد حتى تلمّظه، في الوقت الذي أترك للتلفزيون الرسمي السوري لأن يتناول الأحداث بطريقة فجَّة وتهكميَّة كما كان يفعل التلفزيون المصري والتونسي، أو الليبي واليمني وبقية الجوقة من التلفزيونات العربية الآن.

عندما أرى اليوم أن الإعلام السوري يُفاخِر وهو يُغطي (فقط) المظاهرات المؤيدة للنظام، فإنني أأسَف لذلك كثيراً؛ لا لشيء وإنما لإبرازه ذلك في الإعلام على أن هؤلاء هم أهل سورية الحقيقيون فقط، وغيرهم بلا نعوت وطنية. كما أنني أشير إلى أنه ومع فائق الاحترام إلى كلّ أولئك المتظاهرين المؤيِّدين للنظام السوري، إلاَّ أنني وفي هذه اللحظة لا أستطيع إلاّ أن أستحضر من التاريخ نماذج مماثلة لزعماء حكموا بلادهم بالقمع لكنهم حظوا بتأييد قطاعات شعبية تخرج وتهتف باسمهم، لكن التاريخ كَتَبَ لهم بأن لا يكونوا أبداً كإحدى نقاط التحول في الصراع السياسي.

أتذكر هنا كيف أن الفلاحين الفقراء في جنوب إيطاليا إبَّان القرن الثامن عشر ومعهم قطاعات من الطبقة المتوسطة والليبرالية قد تظاهروا مُؤيدين للحاكمين من البوربون وللكنيسة المقدّسة، في الوقت الذي لم يكن فيه أولئك الحُكَّام راشدين في إدارتهم للسلطة، وإنما موغلين في القمع والفساد والرجعية الأوروبية التي كانت تستولي على عدد من الأنظمة السياسية في تلك القارة قبل أن يدكّ عروشها زلزال الثورة الفرنسية بعد العام 1789م.

أتذكر كيف حارب الفقراء المدقعون من الروس دفاعاً عن القيصر والكنيسة الأرثوذكسية رغم ظلمهما لهم. ويذكر لنا التاريخ المدوَّن أيضاً أنه وفي العام 1848م هَتَفَ الفلاحون اللومبارديون بشعار: «يعيش راديتسكي» ترحيباً بالجنرال النمساوي الذي أجهز على الثورة الوطنية التي كانت ستخلّصهم من عذاباتهم ومآسيهم وترجع لهم حقوقهم المنهوبة!

لكن أولئك الفلاحين المساكين لم يكتشفوا أنهم في بحر من الغفلة والتضليل إلاّ عندما تبيّن لهم لاحقاً أن انعتاقهم من قبضة الحكم الظالم قد أعاد للواحد منهم ما يُعادل الثلثين أو النصف من الأرض التي كان يحرثها بيده، بعدما كان أصحاب الأرض يتفضلون عليهم ببعض الغِلال، أو يعطونهم حق جمع الحطب للوقود من أرض أسيادهم، أو حقهم في رعي ماشيتهم في غابات أسيادهم، هكذا كان حالهم أيام الاستعباد وهكذا صار بعده.

ليس من الصحيح أن تتأتى الشرعية بهذه الطريقة؛ فالشرعية تأتي من القدرة على استيعاب أكبر عدد ممكن من البشر، والأكثر أهمية هو إدراك مفهوم جديد للسلطة عبر تحويلها إلى خارج مفهوم الإكراه الذي يُمارَس على الناس، وتحوّلها (السلطة) إلى عملية استثمار متبادل ما بين الحاكم والمحكوم في التصدي للمخاطر المشتركة وبالتالي إبعادها (السلطة) عن الإقصاء والمنع والقهر، كما كان يراها الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو.

نقطة مزدوجة أخيرة أودّ أن أختم بها الحديث، الأولى: وهي أن على أحبائنا العرب جميعاً أن يتنبَّهوا، إلى أنه لا يكفي أن نرى سورية في لبنان دون أن نراها في سورية. لا يكفي أن نذكرها في الضواحي الشرقية للعاصمة بيروت وطرابلس بين العام 1978م والعام 1983م وهي تقاتل بشراسة ضد القوات الصهيونية المحتلة، ولا يكفي أن نذكرها في انتفاضة 6 شباط في العام 1984م ولا في إسقاط اتفاق 17 آيار بين حكومة أمين الجميّل وتل أبيب، ولا في إنهاء حكومة العماد عون العسكرية وإتمام الطائف نهاية الثمانينيات.

لا يكفي أن نرى سورية وهي تحمي المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، ولا يكفي أن نراها وهي تفتح حدودها لآلاف اللاجئين اللبنانيين الفارِّين من نيران القاتل أيهود أولمرت في حرب تموز في العام 2006م، ولا عندما فتحت حدودها للنازحين العراقيين من المحافظات السُّنيَّة (وهم أكثر من مليون نازح ومُهجَّر) بعد الاحتلال الأميركي للعراق في العام 2003م، كلّ ذلك لا يكفي لأن نقرأ سورية (رغم أنه مُقدَّر ومحل شكر) ما دام هناك داخل سوري مأزوم سياسياً وحقوقياً.

والنقطة الأخيرة، هي دعوة للزعامة السورية. فالشعوب لا تريد أكثر من أن تتسَاوى في المواطنة. أن لا يكون هناك تداخلاً بين السلطة والثروة. أن لا ترى حضوراً غير طبيعي للقوى الأمنية. أن لا يحكمها دستور أسير للمادة الثامنة. أن يتغيَّر مشهد البلد من التصفيق الحار للرئيس في مجلس الشعب إلى التلويح له بالمحاسبة ما دام نظام البلد جمهورياً طبقاً للمادة الأولى من الدستور. أن لا يرى الناس الإعلام الداخلي وهو يتعبّد بالأفراد، بل يرغبون في أن يهتم أكثر بمثالب النظام وتقييم القائمين عليه وتقويمهم، وجعل البلد يسير على أكثر من رأي لا رأي واحد فقط، فاضْرِبْ بعْضَ الرّأْيِ بِبَعْضٍ يَتَوَلَّدْ مِنْهُ الصَّوَابُ كما كان يقول علي بن أبي طالب

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3215 - الأحد 26 يونيو 2011م الموافق 24 رجب 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 2:23 ص

      حمصي

      شكراً على اهتمامك أيها الكاتب ولكني أقول لك إن ما بداخل سورية لا يعلمه سوى السوريين أنفسهم وليس كما تفعلون أنتم عن طريق شاشات الإعلام المسيسة وأما عن المهجرين كما تسمونهم فأنا أقول لك أن هؤلاء هم عائلات المسلحين وأما المتظاهرين الذين يخرجون فإما هم من المهربين أو من خريجي السجون والسارقين الذين لا يرون وجودهم إلا في ظل الفوضى المطلوبة من قبلهم وإن سألتهم عن ما يسمونه بالحرية فهم بفهمونها بالفوضى وعدم القوانين ولذلك يا صديقي الكاتب يرجى عدم التبجح بمقالات عن بعد دون أن تدرون ما يجري على الأرض شكر

    • زائر 5 | 12:23 م

      المهم

      على أحبائنا العرب جميعاً أن يتنبَّهوا، إلى أنه لا يكفي أن نرى سورية في لبنان دون أن نراها في سورية

    • زائر 4 | 11:15 ص

      كفيت ووفيت بالقلم النابض ... امتياز على مقالك اليوم ...... ام محمود

      نعـيب الـزمـان والعيب فينا * و ما لزماننا عيب سوانا ونهجوا ذا الزمان بغير ذنب*و لو نطق الزمان لهجانا
      ----
      من البلاءات التي ابتلينا بها ان الناس تركض وراء كل ناعق وتصدق كل كاذب
      والحق يتحول الى باطل والعكس
      والمظلوم الى ظالم
      والبريء الى مجرم
      والعاقل الى مجنون
      والعالم الى جاهل
      والمتدين الى فاسق
      والحمل الى ذئب
      (والحقاني) الى مخطيء
      انقلبت جميع الموازين
      سوريا في دائرة الخطر

    • زائر 3 | 10:57 ص

      صدقت الحديث عن سوريا يجلب اللوعة والألم ويهيج العاطفة لحالها الصعب جدا ... ام محمود

      والمؤثر .. هناك مؤامره كبيره أحيكت وتحاك بمهاره للاطاحة بالرؤساء ونشر الفتن الدامية والأحداث المروعة التي نشهدها مناظر مؤلمة من سوريا الحبيبة يصعب النظر اليها آلاف القتلى والشهداء من الجانبين وانتهاكات وتمثيل وتشويه للأجساد
      آلاف اللاجئين في تركيا في خيام تنقصها ضروريات الحياة
      بشار الأسد و الجمهرية السورية كانت لهما مواقف مشرفة من الامة
      والآن جاء من يريد اسقاطهم
      هل ستخرج من ازمتها معافاه ؟

اقرأ ايضاً