العدد 3225 - الأربعاء 06 يوليو 2011م الموافق 04 شعبان 1432هـ

هندسة النفس في المهد

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

سأنتصر لقلقك سيدتي، ولو على حساب طمأنينتي؛ مادمت وردة في جدب، وهديلاً في أصوات مدافع ورصاص، وأحلاماً في وفرة الكوابيس، ولغة في أميَّة مقيمة.

سأنتصر لعواصفك على حساب هدوء لم أعرفه؛ سأنحاز لنصرك قبالة هزائم تهكمت عليها؛ سأنتصر لملامحك على حساب عدم ماثل!

أيتها المتلفعة بمهابتك. أرتعد أمام هيبة عوز حر، وتعفف أرملة، وشموخ يتيم في أعياد مستفزة، ودمعة أرى الله حاضراً في حرارة صدقها.

أرمِّم الآفاق من حولي لأجوز إلى حيزي البسيط. ألِفْت العصا وعمود الكهرباء والألِفَ؛ لأنها تذكرني بإصراري على مواجهة العار والخضوع، وتقبيل الأحذية ذات حصار وفاقة.

براءتي من رشا الروح، ومفاوضات اللحظة الأخيرة، وعناق لا يخلو من نية المصادرة والاستيلاء والكمائن.

براءتي من مساحة الرأي المفتوحة على الفرْز، ولا تتاح لفم كي يتنفس! براءتي من تيه يدخلنا في سم خياط الجدل العقيم والكراهية.

براءتي من الوحدة وإن تعدَّدت السرر والصخب. براءتي من النصر حين يورث انتقاماً وتجاوزاً لحقّ البشر والأشياء في الوجود بالقيمة المثلى. وأقبل بالهزيمة مادامت رصينة في مثلها، لا تنتهك حق غصن في حصته من الهواء.

جواز سفري إلى العالم، خياري الحر في الجهة التي أنوي. سفري إقامة دائمة في المكان الذي إليه أنتمي؛ وإن اختلط حابل المقيم بالعابر، والأصل بالطارئ. حريتي في ألا أرى قيداً يمس سواي قبل أن يمسني. طقسي الأثير، منادمة في ضوء قمر يمدنا بعدل سهتْ عنه ذاكرة السياسات التي تريد أن تكون غائبة عن معنى الحضور. كأنه الوهم. كأنه الغياب.

مستقبلي ألا أرى انكساراً في روح كائن. ضوئي، نهاية هذا التعتيم الذي تنفق على زيفه ملايين؛ فيما الآلاف تحشرهم قيامات المزاج. رفاهيتي، أن أتسكع في طرق لا تحصي أنفاسي ونيتي في أن أكون مواطناً كونياً؛ قبل أن أكون مواطناً قطْرياً.

وفي يقيني، أن صرخة الاحتجاج هي التي تنتصر في نهاية المطاف على الطبْل، والأفق على الزنزانة، والشاعر على الغل والرصاصة.

لكم مستساغ الإهدار في كل شيء، وللروح مستساغها في السهر على قيمة البشر، وحتى الأشياء.

ليس نزوعاً إلى مثالية؛ فهذا العصر فقد مثاليته منذ زمن بعيد. فقط، هو تحر عن محاولات تقسيم النوايا وتشطيرها؛ تماماً كما تقسّم وتشطّر المجتمعات والأوطان وحتى الأرواح!

أغاني المهد التي اندثرت في وعي الجيل الراهن تشير إلى أن سهرنا مفرط، والليالي طويلة، والقلق بلغ أوجه.

لا أم اليوم تنشغل بهندسة النفس في المهد وهندسة ما قبل النوم. ثمة هذيان، وأظافر، وغياب، وندرة أحلام، ووفرة كوابيس، و»ضرب زيد عمرا». ثمة أساطير تروّج للوهم والحقيقة تمهيداً للاستباحة، وتسويق اليأس، والتأكد في سهر بالغ من أن الحقيقة في غربتها المركّزة.

كل ذلك، ومطلوب منك أن تؤدي التحية للاستباحة واليأس، وصحراء ممعنة في هتك نية الجهات، وتتآمر على الأجنحة كي لا تغادر الفضاء المسوّر والمنحط والذليل. ولا عزاء للنسور، في ظل هذا الجنون المصادِر حتى لعينة غبار تتسلل عبر أجهزة الكشف عن المعادن مخافة أن تكون جناحاً

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3225 - الأربعاء 06 يوليو 2011م الموافق 04 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً