العدد 3235 - السبت 16 يوليو 2011م الموافق 14 شعبان 1432هـ

نظرية القماقم

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من التحليلات السياسية التي استعصت على فهمي طوال ربع قرن، وبدأت أميل لتصديقها في الأسابيع الأخيرة، نظرية القمقم والترويج بخروج المارد الجبار.

التحليل الأول يدور حول مصر، والذين كانوا يطرحونه بتكرار من اليسار والقوميين والناصريين، ويتهمون فيه الرئيس المصري الأسبق أنور السادات بأنه من أطلق «الإسلاميين» من القمقم في بداية حكمه، فلما اشتد ساعدهم رموه!

كانت العلاقة بين الطرفين يحكمها الشد والتنافر كما يحدث بين الأحزاب المتنافسة، وكانوا ينظرون بعين الشك والريبة لإفساح المجال للإسلاميين بالعمل بينما تستمر ملاحقتهم وزجهم بالسجون، وربما أدى ذلك إلى التحفظ على هذا الرأي الذي لا يخلو من ذاتية وشماتة. فالإسلاميون المصريون لم يكونوا دخلاء أو طارئين على الساحة المصرية، فهم من أبناء النجوع الأقحاح، و»الأخوان المسلمون» في نسختهم المصرية الأصلية لم يكونوا منحازين مع الحكام ضد الشعوب، على عكس بعض النسخ في مناطق أخرى.

التحليل نفسه تردّد كثيراً في تفسير العلاقة التي حكمت فترة «الجهاد الأفغاني»، حيث تبنت الولايات المتحدة بعض الأطراف وشجّعتهم على الالتحاق بحربها ضد «الكفار السوفيات». وقد نشرت كتبٌ ودراساتٌ عن هذه القصة، التي انتهت إلى هجمات 11 سبتمبر/ أيلول حيث انقلب السحر على الساحر.

أفغانستان التي لم تجد الإدارة الأميركية السابقة أهدافاً ذات قيمةٍ اقتصادية لقصفها بعد ثلاثة أيامٍ من الحرب، تحوّلت إلى «القاعدة» التي انطلقت منها الجماعات الغاضبة لضرب أهدافها في الولايات المتحدة وإسبانيا وبريطانيا والقرن الإفريقي.

هذه التحليلات التي لم تكن مقنعةً حينها للكثيرين، تدعو إلى التأمل هذه الأيام، فالمارد لا ينطلق عفواً من قمقمه إلا بفعل فاعل. يحتاج إلى حملات إعلامية مركّزة، وتحريض يومي، وعمليات إقناع لحوحة بما يُراد تطبيقه من أهدافٍ سياسيةٍ كبرى مرسومة بعناية.

المارد الذي يبقى نائماً في سبات عميق لعدة عقود، لا تهمه السياسة ويعيش على هامش الأحداث. ليس مطلوباً منه أصلاً أن يكون واعياً، أو يدلي برأيه أو يكون له رأي. ممنوعٌ أن يشارك في أحزاب أو جمعيات سياسية. يتركونه للعمل الدعوي والخيري وذلك يكفي. هذه هي حدوده. ممنوعٌ أن يتجاوز هذه العتبات والخطوط المرسومة في الرمل، إلا إذا تطلب الوضع أن يلعب دوراً آخر.

التحرك لا يكون ذاتياً لأنه يتطلب وعياً، والوعي الحقيقي لا يُكتسب في حشدٍ جماهيري بأحد الميادين، وإنّما نتيجة معاناة ومكابدة. المارد ليس من صنائع الفكر ولا من صنّاع التاريخ. التحرك، بل التحريك، يكون بفعل فاعل. الجهاد ضد «الكفار الروس» لم تطلقه فتاوى الأزهر الشريف، وإنّما مراكز الدراسات الاستراتيجية وصنّاع السياسة في الغرب.

المارد لا تكون ولادته طبيعية، ولا يمر بمراحل الحمل... من نطفةٍ أمشاجٍ، فعلقةٍ، فمضغةٍ، فعظامٍ تُكسى لحماً، فلذلك يولد معاقاًً ومشوّه الوعي، مهما علا صراخه ساعة الولادة واستمر صخبه في أسابيعه الأولى.

التوقعات تكون عاليةً ساعة الولادة، يلتف حوله المزغردون وتقام الولائم، وترقص الأقلام والإعلام فرحاً، وما هي إلا برهة حتى يتكشّف الوليد عن طفل أصم... فتكون الصدمة الكبرى.

الوعي يتخلّق تدريجياً، في مؤسسات المجتمع المدني وضواحيه، ولا يُفرض بأوامر من أعلى أو بقراءة مقالات كلها سبٌّ وشتائم وأحقاد. ولا يمكن أن تصنع من شخص لم يفكّر في هموم السياسة يوماً، قائداً أو رمزاً سياسياً. من يراهن على إطلاق مارده من القمقم يكون كراكب الأسد، سرعان ما يعض على يديه ندماً... من الولايات المتحدة الأميركية إلى مصر

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3235 - السبت 16 يوليو 2011م الموافق 14 شعبان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 30 | 12:00 ص

      مقال جريئ

      مقال جميل وموزون جدا شجعني للرجوع وقراءة الوسط مجددا. للقائمين على الجريدة نتمنى ان ترجع كسابق عهدها... لا نريد سبا وشتما كغيرها من الصحف ولكن نريد ان نحس بوجودنا من خلالها.

    • زائر 29 | 3:09 م

      خوف

      المارد الذي صحا خوف ناس كثيرة

    • زائر 28 | 12:58 م

      قرأت في النت رسائل قصيرة للعـــــــــرب ........ ام محمود

      مصر: مارد عظيم طلع من قمقم اسمة مبارك.. تونس : أعادة اكتشاف للحرية .. وطاقات واعدة لو تستثمر ليبيا : صراع مع كابوس اسمه القذافي..نتمنى من الله ان يخرج أخواننا الليبيون من هذا الانتحاري باقل الخسائر. سوريا: سوريا لا زالت عالقة في سبعينيات القرن العشرين .. فهل من يخبرها ان العالم تعدى العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؟ لبنان: جعل اللبنانيون من بلادهم كرة قدم تتقاذفها الأقدام.. متى تفيقوا يا لبنانيون وتتحرروا من الوصاية ؟ _ وهناك رسائل لدول اخرى ....

    • زائر 26 | 11:23 ص

      صح لسانك

      تسلم سيدنا العزيز على هالمقال.

    • زائر 25 | 8:34 ص

      سينقلب السحر على الساحر هذا مؤكد وحتمي ولا مجال للشك فيه .......... ام محمود

      قديما قالوا ان السياسة خطيرة كاللعب بالنار أو بأصابع الديناميت لازم تحرق الأيادي وتسبب ألما فظيعا خاصة المغامرون بالسياسة والذين لم يتركوا وسيلة و لا طريقة ولا خدعة ولا كذبة ولا مارد الا أطلقوه .. وأول النادمين ستكون امريكا فهي ستحترق وستندم بسبب خطورة ما قام به جميع رؤوساء البيت الأبيض من طبخات راحت بسببها الكثير من الشعوب وهي مثل ما زرعت القاعدة وبعد ذلك انقلبت عليها .
      لا حد ينكر الدور الامريكي في ما يحدث في المنطقة من صراع جسيم ولكن سيأتي اليوم وبدل ان تكون لاعبا
      استراتيجيا ستكون الضحية

    • زائر 24 | 8:21 ص

      المارد لا ينطلق عفواً من قمقمه إلا بفعل فاعل. يحتاج إلى حملات إعلامية مركّزة، وتحريض يومي، وعمليات إقناع لحوحة .... ام محمود

      لتحقيق أهداف سياسية كبرى مرسومة بعناية ..
      _
      واي أهداف يا سيد أعظم من الذي نراه يوميا والدنيا قائمة فوق تحت ولم تهدا وكأننا في بحر متلاطم الأمواج و بركان هادر
      _
      نحذر من ان خروج المارد سيكون بشكل دائم فهو سيرفض الرجوع الى قمقمه الضيق والمظلم
      ماذا سيقول المارد في كلماته الاولى (شبيك لبيك آمر وستجده بين يديك)
      _
      أنا أ عتقد حتى طائر العنقاء الخرافي سيطلقونه لتحقيق المعجزات التي يراد لها ان تتحقق

    • زائر 20 | 7:44 ص

      يا سيد قاسم اخذها نصيحة مني بسك من النظريات والتحليلات أنا خائفة عليك ..... ام محمود

      تكلمت من اسبوع تقريبا عن نظرية العالي على المحك والمقال عبارة عن استحالة ترك الحكام العرب لكرسي الرئاسة والحكم حتى لو مات الشعب جميعه وامتلأت الأرض أنهارا من الدماء و صدقت النظرية التي قالها الرجل البسيط من قرية عالي ولكنه يفهم في السياسة .. اليوم تقول انك صدقت نظرية القمقم وامكانية ظهور المارد الجبار وأنت لم تكن تصدقها منذ 25 عاما ولكن في زمنا زمن المستحيلات كل شيء يصدق و كل شيء جائز
      ولكن اين هو علاء الدين أو السندباد ممن سيقوم بفرك المصباح أو القمم عن الغبار
      هناك مصلحة في اطلاق اكثر من مارد

    • زائر 19 | 7:32 ص

      نبارك لكم ذكرى مولــــــد الامام محمد بن الحسن العسكري عجل الله فرجه الشريف ...... ام محمود

      في مثل هذا اليوم النصف من شعبان أشرقت الأرض والكون بمولد الامام المهدي المنتظر الذي وجهه عليه السلام كالكوكب الدري وبه شبه من رسول الله ص
      ورغم غيبته فانه سيظهر شاب ابن 40 .
      من أقوال الامام الصدر
      *المهدي(عج) مصداق للقائد الذي يبشِر بالنظام المثالي, وينجح حينما تكون الإستعدادات والنفوس مهيَأة لقبول هذه الدعوة.
      * فكرة المهدي (عج) جعلت المؤمنين بالفكرة في استعداد دائم, لأن الإيمان بالإنتظار يعني الإستعداد.
      * إنَ الذي ينتظر مجيء العزَ أو المجد, لا يمكنه أن ينتظر مجيء الإنتصار فجأة ومن دون تعب.

    • زائر 16 | 5:59 ص

      قلب الحقيقة

      رائع باأستاذ مقالك قلب الحقيقة أصاب الواقع في مقتل

    • زائر 1 | 4:08 ص

      حقا ؟

      اللي ما يطول (العنب) حامض(ن) عنه يقول :)

    • زائر 9 | 2:45 ص

      سلمت يا سيد

      المارد صحى من نومه،، المارد صحى ،،
      شلون صحى المارد؟؟؟ ما ندري !!!

    • زائر 5 | 2:03 ص

      صدقت يا أستاذ

      ناموا قعدوا
      قعدوا ناموا
      حسب الحاجة
      إلغاء للفكر

    • زائر 3 | 1:44 ص

      مبدع مبدع مبدع سيدنا

      أكثر مقطع عجبني سيدنا
      "التوقعات تكون عاليةً ساعة الولادة، يلتف حوله المزغردون وتقام الولائم، وترقص الأقلام والإعلام فرحاً، وما هي إلا برهة حتى يتكشّف الوليد عن طفل أصم... فتكون الصدمة الكبرى."
      و ما أكبرها من صدمة عندما يكون المارد ماهو إلا مجسم كبير من البالونات الهوائية التي ما ان تتعرض لشوكة بسيطة حتى تنهار و تنفجر و لا يبقى منها إلا قطع البالون الصغيرة التي لا يمكن نفخها مرة أخرى و لكن تستطيع ربطها على كأس و التطبيل بها.

    • زائر 2 | 1:36 ص

      راكب الأسد

      راكب الأسد يحسده الناس على موقعه وهو أعلم الناس بخطورة الموقع الذي هو فيه، فمن أراد أن يغامر ويركب الأسد لابد وأن يندم يوما.

    • زائر 1 | 1:30 ص

      اتراهم يفهمون؟؟؟؟

      شكرا استاذ..... وصلت الفكره..... لا تستطيع ان تبني جبلا بين ليله وضحاها....والحق يعلو ولا يعل عليه

اقرأ ايضاً