العدد 3254 - الخميس 04 أغسطس 2011م الموافق 04 رمضان 1432هـ

محاكمة صاحب مصر

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

سيظل منظر مثول الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أمام محكمة الجنايات بالقاهرة، ماثلاً في أذهان أبناء الجيل الحالي لفترةٍ طويلةٍ من الزمان.

لم يكن حدثاً عادياً أن يشاهد الجمهور العربي شخصاً كان قبل أربعة أشهر حاكماً لأكبر دولة عربية، ممدّداً على سريرٍ داخل قفص اتهامٍ، طالما حُشر فيه آلاف من معارضيه السياسيين، طوال ثلاثة عقود، إسلاميين ويساريين ووطنيين وقوميين.

بالنسبة لشخصٍ مغرمٍ بالتاريخ، يقودني المنظر إلى استذكار مشهدٍ موحٍ آخر قبل ألف عام، حين وشى أحدهم بالإمام علي الهادي، الإمام العاشر في سلسلة أئمة البيت النبوي الشريف، فجيء به إلى قصر الخليفة العباسي المتوكّل في عاصمته سامراء، لينادمه في مجلس خمره، فرفض الإمام. وعندما ألح عليه بالغناء ألقى عليه أبياتاً من شعر الموعظة البليغ:

باتوا على قللِ الأجبالِ تحرسهم... غُلب الرجالِ فما أغنتهم القُلَلُ

واستُنزلوا بعد عزٍّ من معاقلهم... فأُودِعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعد ما قُبروا... أين الأسِرّةُ والتيجانُ والحللُ

أين الوجوهُ التي كانت منعّمةً... من دونها تُضرب الأستارُ والكللُ

قد طال ما أكلوا دهراً وما شربوا... فأصبحوا بعد طولِ الأكلِ قد أُكلوا

وطالما عمّروا دوراً لتحصنهم... ففارقوا الدورَ والأهلينَ وانتقلوا

وطالما كنزوا الأموال وادّخروا... فخلّفوها إلى الأعداء وارتحلوا

أضحت منازلهم قفراً معطَّلَةً... وساكِنوها إلى الأجداث قد رحلوا

فأفاقته الأبيات من سكرته وغيّرت مزاجه حتى أمر برفع الشراب. تتذكّر كل ذلك وأنت ترى الرئيس وولديه المنعّمين وأركان حكمه انتقلوا من الفلل والقصور إلى الأقفاص والسجون، وأصبحوا بعد طولِ الأكلِ قد أُكلوا.

وتسأل نفسك: هل يستحق ذلك كل ذلك؟ وما الثمن؟ من أجل أن تتمتّع أسرة الرئيس وحاشيته، على حساب الملايين التي تسكن المقابر وحواشي المدن وفي بيوت الصفيح المنتشرةِ أطواقاً حول القاهرة. ملايين صبرت على الجوع والفقر والمسكنة، يعتاش بعضهم على الفضلات ويتقمّم على ما تلقيه الفنادق من زوائد الطعام في سهرات آخر الليل. ويلومون المصريين لأنهم انتفضوا على حاكمٍ مستبدٍ أذلّ شعب مصر وأطاح بمكانتها بين الأمم، وجمع عشرات المليارات من عرق الملايين، ويلومونهم اليوم على محاكمته!

حين كان نظامه يترنح، قدّم مبارك آخر خدماته لمصر وخاض آخر معاركه، وشاهد العالم على الفضائيات مشاهد «موقعة الجمل»، حيث ركب أنصاره وبلاطجته ظهور البغال والجمال لقمع المعارضين. حماقةٌ كانت لائقةً بنظامٍ حكم المصريين بالهراوات، وأجّر مصر كقاعدة برية للأميركيين، وشهد له الصهاينة بأنه أكبر كنز لـ «إسرائيل».

في أيامه الأخيرة في الحكم، انتشرت بين الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعض الروايات المدوّنة في بعض الكتب القديمة، التي تكلّمت عن «قلب مصر مع المظلوم، وأياديها موثقة بالأغلال»، وعن «ساداتٍ أنور سنوات وأظلم سنوات، ويقضي الله أمراً، وتنفصم عرى بيوت العرب، ويبصق بعضهم في وجوه بعض، وألسنتهم تكون ناراً على بعضهم في رقٍّ منشورٍ يفرح له قلب إسرائيل ورأسها». ثم تتكلّم عن «عهد وهدنة وليس ليهودي عهد. زمانه أمر المسجد الأقصى يشتد. وتكسر الجبال أحجاراً. تدخل دور اللصوص كما تنبأ عيسى بن مريم». ثم تتكلّم عن «صاحب مصر علامة العلامات، وآيته عجب لها إمارات. قلبه حسن (حسني)، ورأسه (أوله) محمد ويغيّر اسم الجد». وتبيّن بعد محاكمته أنه غيّر اسم جده (سيّد) إلى مبارك. فهل يحتاج الأمر إلى مزيد بيان؟ (سلفه أيضاً غيّر لقبه «الساداتي» إلى السادات بشهادة حسنين هيكل).

يومٌ تاريخيٌ مشهود، سيظل يثير الكثير من التأملات، ويتوقع أن يوحي بالكثير من الأعمال، تلفزيونيةً ومسرحيةً وروائيةً وتتفتق عنه قرائح الأحرار بالمزيد من الأناشيد والأشعار، في المستقبل المنظور

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3254 - الخميس 04 أغسطس 2011م الموافق 04 رمضان 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 22 | 1:54 ص

      ثورى1

      انه المحارب الرهيب وثائر الحق وليد الطلاسى-
      اليكم هذا الرد على موقع فيتو بمصر بهذا الخصوص-لان الغريب ان الشيعه يعرفون ان المهدى من ال البيت انما المحارب الرهيب ليس من ال البيت مستحيل يكون ذلك وهاهو بكلمتين رد بها على وزراء اوبك فارتفع سعر النفط لستين دولار فورابدلا عن خمسين دولار-مؤخرا----
      منقول من رد وتعليق على صحيفة وفيديو مقابلة موقع فيتو ومع من جعل الامر لصاحب مصر مجرد نسب اذ انه المهدى هومن يكون نسبه الى ال البيت والامام على كرم الله وجهه- وليس المحارب الرهيب صاحب مصر-هنا التعليق والرد

    • زائر 21 | 2:30 م

      باتوا

      باتوا على قلل الاجباب تحرسهم غلب ارجال فلم تنفعهم القلل بس من اللي يعتبر ؟.....! سبحان الله.

    • زائر 20 | 10:47 ص

      اين من يعتبر؟

      سبحان ربك رب العزة عما يصفون. وقال تعالى: إن في ذلك لعبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.....

    • زائر 19 | 8:41 ص

      الثورات بداية لتحرير بيت المقدس من قبضة اليهود .......

      عن أمير المؤمنين(ع) ( وسيأتي اليهود من الغرب لإنشاء دولتهم بفلسطين، قال الناس يا أبا الحسن أين تكون العرب آنذاك ؟ قال تكون مفكّكة القوى مفكّكة العرى غير متكاتفة وغير مترادفة .... حتى إذا أطلقت العرب أعنتّها(أي ثارت على حكامها) ورجعت إليها عوازم أحلامها عندئذ يفتح على يدهم فلسطين وتخرج العرب ظافرة وموحدة )
      _
      ان وقوف علاء وجمال مع والدهم مبارك أمام المحكمة في وضع صعب بعد الحياة الناعمة المترفة الارستقراطية..
      حياة الملوك الفاخرة انتهت وجاء وقت الحساب.
      تذكرت صدام ونجليه قصي وعدي والمصير المحتوم

    • زائر 18 | 8:20 ص

      الى زائر رقم واحد

      بالعكس كتابات الاستاذ ما تتفوت بالمرة

    • زائر 16 | 7:18 ص

      الدليل

      يومٌ تاريخيٌ مشهود، سيظل يثير الكثير من التأملات، ويتوقع أن يوحي بالكثير من الاعمال التلفزيونية والمسرحية ووووو... والدليل مقالاتك يا سيد. فعلاً حدث كبير.

    • زائر 14 | 6:47 ص

      بانتظار

      عشنا وشفنا سقوط الشاه وصدام وبن علي ومبارك، وننتظر صنع الله في القذافي والاسد وصالح مدمر اليمن.

    • زائر 13 | 6:43 ص

      قال تعالى

      وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون
      صدق الله العلي العظيم

    • زائر 12 | 6:41 ص

      منهم قضى نحبه ومنهم..

      منهم قضى نحبه ومنهم ينتظر وما بدلوا تبديلا-هي سنة الله في أرضه-إنما نأخرهم ليوم تشخص فيه الابصار صدق الله الكريم الذي يمهل ولا يهمل!!.

    • زائر 11 | 6:39 ص

      اين المعتبرين

      ما اكثر العبر واقل المعتبرين

    • زائر 10 | 6:37 ص

      أيوة يفندم أنا موجود

      كنت ممن درس في القاهرة وتقلب بين مدنها وحواريها الشعبية وعايش حلوها ومرها وشاهد غصص العيش لأهلها كنت دائما اخاطب زملائي والمصريين متعجبا من صبر هذا الشعب على هذا الذل!! وكنت دائما أختم حديثي أن لهذا الشعب ثورة كالطوفان . " ان فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح ابناءهم ويستحيي نساءهم انه كان من المفسدين "

    • زائر 9 | 6:11 ص

      سقوط أنظمة الحكم الجائرة من أكبر العلامات .. الأحداث تسير بسرعة كبيرة غير متوقعة .......... ام محمود

      ........ أول مره ندري يا سيد انك تقرأ روايات من كتب قديمة والأصح انها روايات شريفة من بيوت النبوة والامامة _ ان وقوف الطغاة اليوم في قفص الاتهام دليل على ان الشعوب صحت من غفلتها وهناك فجر جديد ينتظرهم هل سترى القذافي في نفس الموقف المهين؟

    • زائر 8 | 5:33 ص

      تذكرت شهداء الأنفاق

      عندما رأيته، تذكرت الفلسطينين اللذين إستشهدوا في الانفاق التي حفروها من أجل لقمة عيش تسد رمقهم، ياللخزي في الدنيا، وغدا محكمة الرب العادل.

    • زائر 7 | 4:32 ص

      الدوائر

      وانا تذكرت حين رأيته في القفص خطاب السيد حسن نصرالله حين قال بغصة ان هناك من المصريين من يريد أن يرفع علي دعوى لمحاولتي الدعوة لقلب نظام الحكم في مصر وهي في الحقيقة دعوة لفتح معبر للمحاصرين في غزة، سبحان الله كيف تدور الدوائر.

    • زائر 1 | 2:54 ص

      عفوا يا سيد

      عفوا و عذرا يا بو هاشم ترى الناس فرحانة موت برجعة الدكتور. ما اعتقد راح تنتبه كثير لاحد غير.

    • زائر 5 | 2:44 ص

      سلام الله عليك يا أبا الحسن

      قال الإمام علي لو أعطيت الأقاليم السبعة بما فيهن
      على أن أعصي الله في نملة اسلبها جلب شعيرة
      لما فعلت. ذلك هو من يعرف المسؤلية بحق
      وما مر به الزعيم المصري إلا موقف بسيط لا يكاد يذكر أمام مواقف القيامة حين يأتيه هؤلاء 86 مليون كل يطالب بحقه وبظلامته أترى ماذا هو صانع وهذا يوم لا مناص منه

    • زائر 4 | 2:40 ص

      نعم العبرة ولكن أين المعتبرين

      حكم الشعب كما ينظر إليها الإمام علي ع مغرم وليس مغنم فهي مسؤلية ثقيلة لا يعي خطورتها إلا من فتح الله قلبه. مسؤلية هذه الملايين من الناس لو جاع فرد منها أو ظلم أو نتهكت حرمته أو اعتدي عليه أو أو الكثير من هذه فهي في رقبة الحاكم بالنهاية هو المسؤل عن ذلك وسوف يحاسب عليه أمام الله.
      كما نرى نحن في الديمقراطيات الصحيحة ما إن يحدث
      حادث لمواطن بسبب قصور في أداء خدمة أو سواها
      فإن الوزير المسؤل يستقيل ثم تستقيل الحكومة كاملة
      إذا ثبت أن هناك تقصير هكذا هي المسؤلية مغرم
      ولكن من يعتبر

    • زائر 3 | 2:02 ص

      يوم المظلو م على الظالم

      جاء في الحديث الشريف عن الرسول الكريم ( ص) بالمعنى قوله :( إتقوا دعوت المضلوم فليس بينها وبين الله حجاب .... ) فالظلم عواقبه وخيمة ، والظلم ظلمات يوم القيامة. ما حَلَّ لفرعون مصر كله من جراء ظلمه ، واستجابة لدعاء المظلومين من شعب مصر ، و أهل غزة المحاصرين ، فقد سد الأنفاق بالمتاريس المسلحة و منع المساعدات لأهالي غزة رغبة في بقاء اسرائيل وحبا لليهود ، وطمسا للمسلمين واذلالا لهم وإن ادعى الإسلام .... فيا له من ظالم غشوم ... آسف هو الظلم عينه ...

    • زائر 1 | 12:25 ص

      حيث ركب أنصاره وبلاطجته "ظهور الأقلام الصحفية وشاشات التلفزيون"

      ذكرتني بنكتة.. الأول واحد يقول لمصري: ألف مبارك عليك .. رد عليه فال الله ولا فالك

اقرأ ايضاً