العدد 3288 - الأربعاء 07 سبتمبر 2011م الموافق 08 شوال 1432هـ

سجل البطولة في ثورة العرب الحالية

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

أنصع صفحات تاريخ الأمم هي التي تسجل بطولات أفرادها وجماعاتها. تاريخ البطولات لا يؤدي فقط لمشاعر الفخار والاعتزاز عند الأمم وإنما أيضاً يحفز على استمرار روح وألق البطولة في المجتمعات. ولعل في قلب ذلك المشهد يتجلى موضوع البطولة والأبطال في الثورات؛ فعلاقة الثورات بالبطولة علاقة جدلية: فالثورات يفجرها الأبطال، وهي بدورها تولد مزيداً من البطولة والأبطال.

هذا الموضوع سيحتاج الى أن يُعطى اهتماماً بارزاً في أيامنا العربية التي نعيشها: أيام الثورات التي تجتاح الأرض العربية، ظهوراً وكوناً إلى حين، نجاحاً وتعثراً إلى حين. مطلوب من المؤرخين وعلماء الاجتماع وراصدي الأحداث الثورية العربية الحالية المبهرة أن يبادروا منذ الآن لتسجيل وتحليل، وتنقية ما فعله... وسيفعله الأفراد والجماعات من قصص ووهج وتضحيات البطولة التي نراها أمامنا كالموج المتعالي بلا كلل ولا تعب ولا نكوص.

أول الخطوات الضرورية هي الاتفاق على تعريف البطولة، فالفعل البطولي ليس هو الذي يتصف فقط بالشجاعة الجسدية والاستهانة بمخاطر العاهة والموت، على رغم أهمية ذلك الجانب بالطبع، ولكنه أيضاً الفعل الذي ينطوي على أهداف إنسانية نبيلة، وعلى رغبة في خدمة الآخرين، وعلى تحد للنظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الظالم الفاسد والإصرار على تغييره تغييراً جذرياً بإسقاط رموزه وتعديل أسسه الفكرية وأساليب تعامله مع المجتمعات والمواطنين. باختصار، الفعل البطولي يجب أن يهدف للسمو بالحياة.

هذا السجل الذي نريده لن يعلق ويتيه في إبراز البطولات الفردية، بل سيشمل، وبالقوة نفسها من الاهتمام والفخار، إبراز بطولات الجماعات والجماهير التي ساندت واستجابت لنداءات وتضحيات الأفراد الأبطال من الرجال والنساء. هل كان غاندي لينجح لولا إسناد هذه الجماعة أو تلك ومشاركتها البطولية في الفعل البطولي الذي كان يقوده؟ هذا الجانب يجب أن يدوَّن حتى لا تنقلب البطولات الفردية أساطير ومزايدات بعد مرور الأزمنة والحقب.

لكن قصص البطولة والأبطال لا تكتمل إلا بمعرفة الأخطار والفواجع التي كانت تنتظر الأبطال، وكانوا يعرفون مقدارها وحجم كوارثها، فيما لو أن ثوراتهم وحركاتهم الاحتجاجية فشلت في تحقيق أهدافها. مقدار الأخطار الجسدية والنفسية والمعيشية يرسم مقدار وحجم ونبل الفعل البطولي والقائمين به. وفي الأرض العربية لم تكن تلك الأخطار كامنة في الأجهزة الأمنية الفاسدة المستبيحة للأنفس والأعراض فقط، بل كانت متجذرة في عقلية سياسية أنانية حقودة ظالمة ترعرعت عبر القرون، وأصبحت لها فلسفتها الشريرة في البطش بالمعارضين الشرفاء، وعلى الأخص بالأبطال منهم.

هذا السجل، وسيكون كبيراً ورائعاً، سيكون الرد المفحم على الاتهامات الباطلة التي رددها الأعداء والمحبُون لجلد الذات من بعض العرب بشأن قابلية الأمة، شعوباً ومؤسسات، لقبول الاستبداد والتعايش مع الظلم والخضوع للأقوياء المتجبرين. وسيكون الجسر الذي سيقفز فوق فترة الانحطاط العربي وتخلف الأمة التي دامت عدة قرون ليوصل بطولات الماضي وما أكثرها وأشعها، ببطولات الحاضر الثوري العربي، والتي ستؤدي إلى رجوع العرب إلى مسرح البطولات الإنسانية الكبرى من مثل بطولات محمد بن عبدالله والحسين بن علي.

ثم ماذا عن مؤلفي الرواية والقصة والتمثيلية والفيلم والأغنية؟ هل سيأخذون ذلك السجل ويحيلوه الى أدب وفن حتى تبقى أحداث البطولات ومفاعليها في مخيال ووجدان الأجيال تلو الأجيال؟ هل سينسى العالم قط أبطال هوميروس؟.

هناك قول لونستون تشرشل يصف أحداث بلاده إبان الحرب العالمية الثانية. لم يحدث قط في مسرح الصراعات أن وجدت أعداد كبيرة من الناس نفسها مدينة بشيء كثير لقلة من الناس. ملايين العرب مدينون بالكثير الكثير لقلة من شباب وشابات هذه الأمة الذين كتبوا صفحة البطولات عندما لم يخافوا من الإقدام ولكنهم خافوا من التراجع، هؤلاء ومن ساندوهم يستحقون تسجيل بطولاتهم لنا ولألوف الأجيال من بعدنا

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 3288 - الأربعاء 07 سبتمبر 2011م الموافق 08 شوال 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 9:43 ص

      المصلي

      مرحبا والف مرحب بطلتكم البهية ايها الوطني الغيور فكما يقال اول الغيث قطره يحتاج الوطن لقلمكم الشريف لتظميد تلكم الجراح المثخنه والتي طعن به النسيج الوطني بجميع مكوناته في المقتل وصرنا على كف عفريت ولولا لطف الله علينا لصار الوطن والمواطنين في هذا الوقت تدرونا الرياح وهذا هو مجتمع البحرين الواعي برجاله المخلصين يقف امام هذه الموجه من الكراهية وتمزيقه الى فتات بكل عنفوان وقوة صارخين في وجوه تلكم الأقلام المئجوره كفاكم نشر احقادكم فالشعب يريد الحياة

    • زائر 13 | 9:00 ص

      صناع المجد والنصر

      يا استاذنا الكبير كم كنا متلهفون لحضوركم تواجدكم مشاركاتكم ومساندكم في الوقت العصيب الذي مر ولا زال على اهل هذة الجزيرة الخالدة ففي الاوقات الصعبة وحدها الرجال صناع المجد صناع التاريخ وصناع النصر هم من يبرزوا للدفاع عن الانسانية عن الحق وعن العدل ارجوا ان تستمر هذة الطلعة وهذا الحضور في الساحة بالقلم والحنجرة ايضا نريدك كما شاهدناك سابقاً وانت تلقي محاضراتك نريدها الان في المحرق وسترة والسنابس والدراز نعم امثالكم يجب ان يكون له الحضور في مثل هذة الظروف الصعبة

    • زائر 12 | 6:10 ص

      قلمك وطني

      نحن نعيش مرحلة تغير في الوطن العربي والتاريخ سوف يسجل ما تم انجازه باقلام الشرفاء

    • زائر 11 | 5:58 ص

      هذا وقت صوتك الوطني بعد ان صدعدعنا نهيق المرتزقون من جراحنا

      تقول يادكتور بطولات ويقولون تخريب
      تقول وطنية ويقولون ما لا يقال
      احتكروا الوطنية تقرباً للمال العام وهم الظلاميون البغيضون
      مرحباً بقلمك المنير

    • زائر 10 | 4:57 ص

      بدون قراءه للمقال

      بصراحه اسعدتني طلتك يادكتور على جريده الوسط، فاحببت ان اكتب تعليقي قبل ان اقرأ المقال. هنيئا لنا وللوسط فلك كل التقدير والموده والاحترام سعاده الدكتور والمفكر.

    • زائر 9 | 4:33 ص

      انت بطل الكلمة والورق

      نريد ونشتاق لوجودك عمليا في الساحة الارضية الواقعية فانا احسن الكلام والكتابة لكن الاصعب التصلب والثبات اما الظالمون والمفسدون فعندما تصمت كل الاصوات ولا تنبت ببنت شفة هي تنطق فجمالها اجمل

    • زائر 8 | 4:26 ص

      انت لها لكن نريدك في عمق الساحة

      الكلام عن البطولة والابطال ما اعظمه واجله يظهر لنا السمو في طرف انساني والخساسة في الطرف الاخر باعلى مستوياته والاجمل هم الجمعات التي ساندت الابطال فلو لاهم ما صمد الابطال وهم ايضا بتخاذلهم تخنق البطولة وتغتال فلولا الاكثرية الصامتة ما قتل الحسين بن علي

    • زائر 7 | 2:48 ص

      رسالة واضح

      سلمت يا سيد القلم.

    • زائر 6 | 2:13 ص

      و العكس صحيح

      وبجانب الأبطال الحريه يجب أن تذكر اسماء الذين جاهدوا ليطفؤا نور الثورات . حتى يرقرأ القارىء صنفين من ألآنسانيه .. الناس و النسناس .

    • زائر 3 | 12:55 ص

      رسالة مودة-مواطن مغترب

      اغتمرتني الفرحة عندما شاهدة وجهك المبتسم على الرغم من ما تحمله من اهات الزمن الصعب والثقيل على روحك الجميل ايها القادم من هناك مرحبا بعودتك فجميعنا في حاجة الى طلاتك الجميلة فلا تكون بخيلا علينا واجعل الفرحة تغزو نفوسنا وتشعرنا بالامان في محيط تتعالى فيه الامواج المزعجة وتنحر بقسوتها قيم شواطئ بلادنا الجميلة.
      عدت والعود احمد واليك منا كل المودة والتقدير ايها المفكر البارع في رسائلك الجميلة المعبرة عن هموم مجتمعنا العربي وشكرا لدعوتك بتوثيق حراكنا العربي ليبقى موروثا ودليلا لاجيالنا القادمة.

اقرأ ايضاً