العدد 33 - الثلثاء 08 أكتوبر 2002م الموافق 01 شعبان 1423هـ

في الهند لم يهطل المطر الموسمي وفي... أوروبا أمطرت السماء بلا رحمة

هل هذه مجرد مصادفة؟

اجتاحت الأمطار الغزيرة والسيول جميع مناطق أوروبا من أمبريا إلى اسبانيا، وصولا إلى تورين وكورسيكا وبراغ وسالزبيرغ. ولم تنجو تقريبا أي منطقة من مناطق وسط أو جنوب أوروبا من موجة المطر المفاجئ هذا الصيف. مايوركا مثلا عانت من انهمار الأمطار في شهر أغسطس/ آب، وهو ما لم يحدث منذ أكثر من ربع قرن. وفي بالما أدت العواصف الغزيرة إلى تساقط أمطار على مدى يوم كامل وبلغ معدلها ثلاثة أضعاف معدل الأمطار التي تسقط خلال شهر أغسطس بأكمله. أما في جارتها ايبيزا فقد بلغ معدل تساقط الأمطار على مدى 24 ساعة خمسة أضعاف معدل الأمطار التي تسقط خلال شهر واحد.

وقد أودت الفيضانات بحياة أكثر من مئة شخص في وسط أوروبا وتسببت في خسائر تقدر بمليارات من الدولارات في بعض أهم المواقع التاريخية في أوروبا. وفي بداية الأسبوع الثاني من سبتمبر/ أيلول قتلت الفيضانات ما لا يقل عن عشرين شخصا في جنوب فرنسا التي ضربتها أعنف موجة مناخية يتذكرها الفرنسيون.

عندما أمطرت السماء وبقي الآلاف من البريطانيين في منازلهم التي استأجروها لقضاء إجازتهم يرتعشون بردا كانت هناك ظاهرة مدمرة أخرى تحدث في الجزء الآخر من العالم بنتائج أكثر خطرا، ففي الهند كان معدل الأمطار الموسمية التي تساقطت خلال هذا العام ثلث المتوقع.

ويعتقد العلماء ان هذين الحدثين متصلين ببعضهما بعضا، فتناقص سقوط الأمطار في الهند وهو الأمر المهم للمحاصيل الزراعية قد يقود إلى انهيار في المناخ الصيفي المستقر عادة في وسط وجنوب أوروبا.

يقول عالم الأرصاد الجوية بجامعة ريدنج براين هوسكينز: «ان هناك دليلا مقنعا على ان المناخ الصيفي في أوروبا نتج عن تغيرات في الضغط الجوي، وان هذه التغيرات نتجت عن تضاؤل نسبة سقوط الأمطار الموسمية».

وقد تحدث هوسكينز في الاجتماع السنوي للجمعية البريطانية لتطوير العلوم في جامعة ليستر قائلا: «لقد درسنا المناخ في الأربعين سنة الماضية فوجدنا ان الحوادث الكبيرة التي تحدث في المنطقتين تتصل ببعضها بعضا». ويقول: «قبل ان تذهب لقضاء اجازتك في البحر المتوسط تأكد من بدء موسم الأمطار الموسمية في الهند، لأن مناخ المنطقتين متداخل، وهذا التداخل يحدث كل عام. فحين يبدأ المطر الموسمي في الهند يستقر المناخ في البحر المتوسط».

ويواصل هوسكينز «عادة مع وصول المطر الموسمي ترتفع كميات كبيرة من سحب الهواء فوق شبه القارة الهندية، وتندفع هذه السحب الهوائية إلى الشمال وسامحة لأعمدة من الهواء بالنزول على منطقة البحر الأبيض المتوسط مؤدية إلى تشكيل ضغط عال يقاوم السحب الحاملة للأمطار، ويسبب ارتفاع السحب الهوائية فوق الهند نزول المطر على منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط وهذا الارتفاع أضعف بكثير هذه السنة. ولذلك فإن نزول الأمطار على جنوب البحر الأبيض المتوسط أضعف بكثير. وعادة ما يؤدي هذا إلى حدوث ضغط عالٍ ومناخ مستقر. وفي هذه السنة لم يكن هذا الأمر موجودا مما أدى إلى انخفاض الضغط».

ولكن هذا جزء من قصة عالمية أكبر تبدأ من جنوب المحيط الهادي حيث تزداد شدة النينو وهو تيار هواء غير اعتيادي في المحيط. ويعتقد علماء الأرصاد الجوية ان النينو هو سبب تضاؤل سقوط الأمطار الموسمية في الهند.

وتحدث هوسكينز قائلا: «كانت هناك حوادث مهمة لهذا العام أحدها هو توسع النينو في المحيط الهادي، أما الأمر الثاني فهو تضاؤل نسبة المطر الموسمي عن الهند مما سيسبب كارثة للهند ومحاصيلها الزراعية، والأمر الثالث هو الفيضانات في أوروبا».

«أستطيع ان أربط هذه الحوادث الثلاثة مع بعضها بعضا. العمل الذي قمنا به خلال السنوات الماضية أوصلنا إلى معرفة ان المناخ الصيفي المستقر في جنوب اوروبا هو في الواقع جزء من المطر الموسمي الهندي».

«ما حدث هذا العام هو ان الأمطار الموسمية الهندية كانت ضعيفة جدا. وان ذلك سبّب نوعا من السيطرة على مناخ جنوب أوروبا، وأدى إلى انخفاض الضغط. هذا مجرد افتراض في الوقت الحالي ولكن هناك الكثير من النتائج التي يمكن التوصل إليها اعتمادا على المعلومات المتوافرة».

وبقدر ما يعد هذا الأمر مهما للأوروبيين الذين يرغبون في قضاء اجازاتهم، فإنه مهم أيضا للفلاحين الهنود الذين تعتمد محاصيلهم الزراعية على الأمطار الموسمية الغزيرة.

يقول هوسكينز ان العلماء قد يتمكنون قريبا من التنبؤ بانخفاض معدل الأمطار الموسمية.

وطبقا لمهندس الفيضانات في جامعة برستول أيان كلوكي الذي عاد للتو من رحلة إلى المناطق المتضررة بشدة بسبب التغير المناخي فقد شهدت الصين مناخا غريبا إذ أدت سيول الأمطار إلى إيجاد مخاطر من حدوث فيضانات في قطاع كبير. يقول كلوكي: «لو كنتَ عالم أرصاد جوية صينيا فلن تتحدث عن انخفاض نسبة الأمطار الموسمية بل ستتحدث عن ازدياد نسبتها إلى حد كبير. الفيضانات الصينية التي لاتزال مستمرة هي بسبب أمطار موسمية غزيرة للغاية».

ويقول على رغم ان الصلة مع الأمطار الموسمية الصينية لم تثبت بعد فإن هذه الأمطار هي جزء من التغير المناخي العام. الفيضانات أصبحت أحد أكبر الكوارث الطبيعية المنتشرة في جميع أنحاء العالم. ويضيف حتى بداية الثمانينات كان عدد الأشخاص الذين أبادهم الجفاف أكثر من أولئك الذين ماتوا بسبب الفيضانات ولكن منذ بداية الثمانينات أدركت الفيضانات الجفاف في عدد المتضررين، فقد تضرر حوالي 140 مليون شخص في جميع أنحاء العالم بسبب الفيضانات في حين تضرر 40 مليون شخص بسبب الجفاف.

وأضاف يمكن ان نفسر هذا بربطه مع التغير المناخي لأن هذه الفترة هي ذاتها التي ترتفع فيها الحرارة بسبب الغازات المنبعثة من البيوت المحمية.

لكن علماء المناخ لايزالون غير واثقين من الدور الذي يلعبه ارتفاع درجة الحرارة، ودائما يدور السؤال حول ما إذا كان ما يحدث هو ارتفاع في حرارة الكون أم لا؟ ولكننا لا نستطيع قول ذلك.

ولكن الإشارات والعلامات الموجودة تنذر بالسوء. وتتوقع النماذج الكمبيوترية لارتفاع حرارة العالم عدم اتزان في المناخ بشكل أكبر إذ سترتفع درجات الحرارة بشدة وتتساقط الأمطار بغزارة وهو ما حدث تماما في هذا العام في أوروبا والهند.

خدمة الاندبندنت - خاص بـ «الوسط

العدد 33 - الثلثاء 08 أكتوبر 2002م الموافق 01 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:42 م

      متى تسقط الامطار في المناخ الموسمي

      متى تسقط الامطار في المناخ الموسمي

اقرأ ايضاً