العدد 3315 - الثلثاء 04 أكتوبر 2011م الموافق 06 ذي القعدة 1432هـ

زمن الأبواب المغلقة بين الريّس والإمام

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

في زمن الأبواب المغلقة كما يصف الكاتب «رياض الريّس» ليس أمام الصحافي خيارات، فالأبواب موصدة وطريق البحث غير آمن للكتاب لكي يقول ما يشاء ويسأل عما يشاء، المزالق كثيرة والثقة معدومة بين الصحافي والسياسي وحرية المعلومات مقيدة، وهذا ما جعل «الريّس» يسلك طريقاً مختلفاً وغير تقليدي لإجراء حوار صحافي عبر العودة إلى التاريخ الذي وجده لم يغيّر من طبيعة الحكّام ولا من عادات النظام.

ثمة خلاصة يشير إليها الريّس في كتابه المنشور عن الدار التي يملكها في يوليو/ تموز 2011، بعنوان «حديث صحافي مع الإمام علي بن أبي طالب»، الخلاصة: «إن في حياة المرء محطات فاصلة في حياته غالباً ما تنتج عن تراكمات لأشياء وأشياء يختلط فيها الخاص الشخصي بالعام السياسي، وجملة هذه المحطات في حياته سماها «زمن الأبواب المغلقة».


زمن الذل والغضب

بحداقة معهودة شخص «رياض الريّس» (زمن الأبواب المغلقة) بأنه ناجم عن تراكم أيام سياسية تلت غزو إسرائيل للبنان في ابريل/ نيسان 1982، واحتلال بيروت وسط صمت وذهول عربي، إذ لم تخرج مظاهرة واحدة غضباً واحتجاجاً على الحدث الجلل، حينها أدرك كما غيره، دخول عالمنا العربي بدايات عصر الذل مستذكراً: «في تلك الفترة الحرجة، وأفكارنا مجللة بالسواد، ونفسياتنا مثقلة بالإحباط، وأقلامنا مغمسة باليأس، وحياتنا معلوكة بالمرارة، وأيامنا مسيّجة بالقهر - كنا نحن وأمثالي من المقيمين في المهاجر - لا نملك إلاّ تساقط الأخبار من الإذاعات والصحف، بغضب ما بعده غضب، إلاّ أنه كان غضباًَ محاصراً لا حراك فيه».

يضيف رياض الريّس: «فكرت ما يمكن للصحافي أن يكتب في الزمن العربي الرديء، وفي أشهر التمزق وسقوط الأمة العربية من محيطها إلى خليجها، باعترافها أو دونه، عند هذا المفترق وقعت عيني على كتاب «نهج البلاغة» فمسحت عنه الغبار وقلبّت صفحاته، سيما وقد نشأت في بيت دمشقي، كان فيه هذا الكتاب مفتوح الصفحات إلى جانب القرآن الكريم وتفسير الجلالين وكتب الأحاديث النبوية المختلفة»، والقول لايزال للريس: «... لذا قررت طرق باب أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب زائراً له في «نهج البلاغة» ساعياً وراء حديث صحافي، فجاءت مقابلتي له على صفحات هذا الكتاب، ضياءً وسط ظلمة كانت تخيّم على كل شيء حولنا، وعشت ردحاً من الأنوار في رحابه، ملأني إحساس وكأننا نهضنا من أنقاض الذل الذي تمسحنا فيه كلنا وخرجنا من دركات العار الذي وصلناها. وهكذا سعيت كما يذكر «... إلى مناجأة مع محاور يعرف معنى الألم، لا يفلسف الأمور ولا يبسطها في آن معاً، لا يقول قوله ويمشي، إنما يقول قوله بعد أن يكون قد مشاه هو وكأنها خطى قد كتبت علينا كلنا».


الصحافي والإمام

يكتب الريّس مسترسلاً: «توالت أسئلتي للإمام، وكانت الأسئلة من واقع اليوم والأجوبة تحكي رأيه في أهل زمانه، قبل نحو 1400 سنة، لكن رأيه في أهل تلك البلاد مازال صالحاً إلى اليوم في نظر علماء السياسة المعاصرة وكأن التاريخ لم يغيّر من طبائع هذه الشعوب ولم يعلّمها درساً واحداً».

ترى ما الأسئلة التي حفر الريّس بها بحثاً عن الحقيقة مع «الإمام»، وكيف جاءته الأجوبة؟

- الريّس لأمير المؤمنين: ما قولك عن الزمان الرديء الذي نعيشه؟

- «يأتي على الناس زمان لا يقرّب فيه إلاّ الماحل. ولا يظرّف فيه إلاّ الفاجر، ولا يضعف فيه إلاّ المنصف. يعدّون الصدقة فيه غُرماً. وصلة الرحم مَنّاً، والعبادة استطالة على الناس. فعند ذلك يكون السلطان بمشورة النساء وإمارة الصبيان وتدبير الخصيان».

- الريّس: كيف يواجه المرء يا أمير المؤمنين، آلة الحكم وسلطان الحاكم والوضع العربي كما نعرفه اليوم عاجزاً ومشلولاً؟

- «لا خير في الصمت عن الحكم كما أنه لا خير في القول بالجهل».

الريّس: لم يعد الجور يا سيدي محصوراً بشخص الحاكم، فالناس جميعهم يتسابقون إلى الاستبداد بعضهم ببعض؟

-«أفضل الولاة مَنْ بقي بالعدْلِ ذِكره واستمدَّده مَنْ يأتي بعده.(..و) السلطانُ الفاضلُ هو الذي يحرسُ الفضائل، ويجودُ بها لمَنْ دونهَ، ويرْعاه مِن خاصَّته وعامَّتِه، حتى تكُثرَ في أيامه، ويتَحسَّن بها مَن لمْ تكنْ فيه. (...لكن) زمانُ الجائِرِ من السلاطينِ والوُلاة أقصرُ منْ زمان العادِل، لأن الجائرِ مُفسِد، والعادلَ مُصلِح، وإفسادَ الشيء أسرَع من إصلاحِه.(...إنما) عجباً للسلطان، كيفَ يُحسِن وهو إذا أساءَ وَجد مِنْ يُزكِّيه ويَمْدحُه».

-الريّس: مازلنا بعد كل هذه الأعوام - رعايا - في دول سلاطين بعكس ما هو مدوّن في الدساتير والقوانين، فبماذا ينصح خير السلف؟ وماذا عما ابتلي به المؤمنون من نصائح للمستشارين وعن المزايا الواجب أن يتجنبها الحاكم؟ وعن العدو... وعن وعن؟

-«إذا قدرت على عدوك فاجعل العفو عنه شكراً للقدرة عليه».

- الريّس: لم نقدر على إسرائيل يا سيدي الإمام، لكننا نعيش عصر التطبيع معها فهل نصالح؟

- «لا تدفعن صلحاً دعاك إليه عدوك وللّه فيه رضى. فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك وأمناً لبلادك. ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه. فإن العدو ربما قارب ليتغفل، فخذ بالحزم واتهم في ذلك حسن الظن».

-أليس من الصعب الحكم على النوايا يا سيدي الإمام؟

- «ما أضمر أحد شيئاً إلاّ ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه».

-أين الوطن يا سيدي الإمام، وقد أصبحنا كلنا نعيش في غربة قاسية؟

-«ليس بلد بأحق بك من بلد، خير البلاد ما حملك.(...) الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة».


بين الفاجر والكذاب

أطال الريّس طرح أسئلته عن الفقر الذي قال فيه الإمام: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، كما سأله عن الفرق بين العاقل والأحمق؟

- «لسان العاقل وراء قلبه وقلب الأحمق وراء لسانه، والأحمق إنه إن ينفعك فيضرك، والفاجر فإنه يبيعك بالتافه، أما الكذاب: فإنه كالسراب يقرّب عليك البعيد ويبعّد عليك القريب»، وأضاف: «دَع الكَذِبَ تَكَرُّماً، إنْ لمْ تدَعْهُ تأثُّّماً.(...) الصِّدْقُ عِزٌّ، والكّذِبُ مَذّلَّةٌ، ومَنْ عُرِفَ بالصَّدق جازَ كَذبُه، ومَنْ عُرف بالكَذِب لَمْ يَجُزْ صِدْقُه.

-الريّس: لقد أصبح الظلم من معالم أمتك يا سيدي الإمام؟ فكيف المنتهى؟

- «الظلم ثلاثة: ظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب. (...و) يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم. (...و) يوم العدل على الظالم أشد من يوم الجور على المظلوم».

- الريّس: الفوضى كبيرة يا مولاي، فالحُر يُذلّ والأوغاد يرفع شأنهم وينالون الحظوة فأين العدل؟

- «العدلُ أفضل من الشجاعة؛ لأن الناس لو استعملوا العدل - عموماً - في جميعهم، لاستغنوا عن الشجاعة. (...و)عاملوا الأحرار بالكرامة المحضة، والأوساط بالرغبة والرهبة، والسِّفلة بالهوان».

انتهى حديث المقابلة الصحافية إلى أحوال العباد والأغنياء والمال كمفسد لهم، علاوة عن البخل والبخلاء والجاهل والمهان، وعن الخيط الرفيع بين الذل والكرامة؟ فكان حديث الإمام:

-«زُهدُك في راغب فيك، نقصان حظٍّ، ورغبتُك في زاهد فيك ذلُّ نفْس. (...و) التَّذلُّل مَسْكنة. (...لكن)التَّواضع إحدى مصايد الشَّرف».

-الريّس: وكيف يصلح بعضنا فساد بعض؟ وماذا عن مجالس السلطان يا أمير المؤمنين؟

- «ثَلاَثٌ لا يُسْتَطلَحُ فَسادُهنَّ بِحيلَةٍ أَصْلاً: العداوة بين الأقارب، وتحاسد الأكفاء، وركاكة الملوك»... أما عن مجالس السلاطين فيقول الإمام علي: «تَباعَدْ من السُّلْطان، وَلا تَأْمَنْ خُدَعَ الشَّيْطَان».

-الريّس: ومسك الختام يا إمام؟

-«إذا تغيّر السلطان تغيّر الزمان (...) وما أكثر العبر وأقل الاعتبار»

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 3315 - الثلثاء 04 أكتوبر 2011م الموافق 06 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 5:39 م

      أيها الأحبة:أوصيكم بقراءة (خطبة البيان )بضغطة زر لما يتجلى فيها من اعجاز ملموس

      ...لا يأمرون بالمعروف ، و لا ينهون عن المنكر الغني عندهم دولة ، و الأمانة مغنمة ، و الزكاة عندهم مغرما ، و يطيع الرجل زوجته ، و يعصي والديه و يجفوهما ، و يسعى في هلاك أخيه ، و ترفع أصوات الفجار يحبون الفساد و الغناء و الزنا ، يتعاملون بالسحت و الرياء ، و يعتار على العلماء ، و يكثر ما بينهم سفك الدماء ,قضاتهم يقبلون الرشوة ، و تتزوج المرأة بالمرأة ، و تزف كما تزف العروس إلى زوجها ، و تظهر دولة الصبيان في كل مكان ، و يستحل الفتيان المغاني و شرب الخمر ، و تكتفي الرجال بالرجال ، و النساء بالنساء ...

    • زائر 1 | 1:13 ص

      حكمة الامام علي

      الامام على من الحكماء القليلين الذي لو تمسك البعض بمادئه السامية لكان العالم العربي الان بالف خير ...... جميل ان يذكر ما يتمتع به من حكمه و الاجمل ان يطبق فعيلا ما يراد من هذه الحكمة.

اقرأ ايضاً