العدد 3335 - الإثنين 24 أكتوبر 2011م الموافق 26 ذي القعدة 1432هـ

الاستبداد... مقاربة في المعنى والمبنى

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

كثيرة هي الدروس والعِبر التي يمكن استخلاصها وقراءتها من خلال التأمل الموضوعي في واقعنا العربي المعاصر الزاخر بالتحولات المصيرية والانعطافات الحركية التاريخية التي سترسم صورة المستقبل العربي المقبل.

فالانتفاضات الشعبية والثورات الاجتماعية العارمة لاتزال تملك قوة الحركية الأولى، وهي تواصل زخمها السلمي الإنساني المتصاعد في أكثر من بلد عربي في مواجهة أشرس آلات القمع والفتك التي عرفت في التاريخ.

ويبدو أن تلك الآلات القاتلة لاتزال بحاجة إلى مزيد من الطاقة التي توفرها لها أنظمة الطغيان والاستبداد من دماء الناس الأبرياء، من أجل أن تدور وتتحرك وتؤدي عملها المتقن خدمةً واستبقاءً لنخب مرفوضة شعبيّاً وعربيّاً ودوليّاً، لم تعد لها أية صدقية إنسانية ولا أخلاقية تذكر فضلاً عن عدم وجود أية شرعية سياسية كانت امتلكتها في وقت سابق بقوة الحديد والنار.

إن تلك الشعوب لا تزال مصرة ومصممة حتى آخر رمق على نيل مطالبها العادلة والمحقة وانتزاع حقوقها الإنسانية البديهية في الحرية والاستقلال من الاستعمار الداخلي الذي يتلبسها ويمص خيراتها منذ عقود (...).

والأمر المستغرب أن تلك النخب اللاشرعية لا تريد أن تعترف بوقائع ومستجدات وتطورات الحياة الجديدة القائمة على حرية الناس ومعيارية صندوق الاقتراع، وهي لا تزال تفكر بعقلية الإقطاعي القديم، تنكر على الناس حقوقهم وأشياءهم، وترفض أن تعترف بوجودهم كقاعدة للشرعية التاريخية والعملية، وتصر على البقاء الأبدي في السلطة وحكم شعوب وأوطان وجماعات سياسية تكرهها وتحقد عليها وتطالب ليلاً ونهاراً بتغييرها ورحيلها إلى غير رجعة.

وحقيقةً لا أدري من أي شيء وبأي معنى عجنت تلك الطبقة الكالحة من الحكام الفاقدة لصلاحيتها وشرعيتها، فلو حدث ربع ما يحدث عندنا من مظاهرات واحتجاجات في أية دولة أخرى تحترم نفسها وتقدر وجود شعبها لقدمت حكومات تلك الدول، التي تخدم وتقدم وتعطي وتنتج وتعطي، استقالتها ورحلت نهائيّاً من صورة المشهد السياسي في بلدانها. أما عندنا فللأسف، حكام مستبدون بالمطلق يصرون على السيطرة وإبقاء الآلة القاتلة على رؤوس العباد والبلاد.. على رغم الناس، ومن دون موافقتهم وشرعيتهم.

طبعاً، هذه هي النتيجة والمحصلة النهائية لتجذّر وامتداد ظاهرة وفكرة «الاستبداد المركّب والشامل» لجميع مواقع حياتنا العربية فرديّاً ومجتمعيّاً... ولذلك نحن نعتبر أن هذا المرض هو أهم مشكلة تعيشها مجتمعاتنا في مرحلتنا المعاصرة، وهي تريد أن تنفض عن نفسها ركام التخلف والاهتراء الحضاري، وتتحرك في الحياة والتاريخ لتنهض وتتطور وتزدهر وتنافس.

ولكن، ها هي مجتمعاتنا العربية بدأت بالفعل تتحرك على طريق الاستقلال والتحرر الواعي والمسئول لأنها امتلكت هذه الطاقة الحركية التي تدفعها لبناء واقعها... وهي طاقة الحرية المسئولة والقدرة الواعية على الاختيار الصحيح والتفكير العلمي الممنهج، والتعبير السليم، والإبداع المتنامي المتراكم، بعد أن غيبتها سنوات العسف والقمع والإقصاء والتهميش الكامل التي جعلتها تعيش لفترات طويلة في وضعية المتلقي والمنفعل بسبب بقائها مسجونة في قفص الاستبداد الذي صنع حواجز نفسية وفكرية وتاريخية عميقة يمنعها عن الحركة الإيجابية نحو بناء المستقبل المشرق.

فالاستبداد والتسلط بمختلف ألوانه وأشكاله هو شيء أعمى يسير عكس حركة التاريخ والحضارة والحياة الإنسانية الطبيعية... لأنه يقف على طرفي نقيض من حرية الإنسان، ومن قدرته على تحقيق الاختيار السليم، بل إنه يشل طاقة التفكير واستخدام العقل والفطرة الصافية عند الإنسان، ويرهن مصائره للمجهول، ويجعله أسيراً بيد الجهل والتخلف. وهنا تقع الكارثة الكبرى عندما يفقد هذا الإنسان حريته... لأنه يفقد معها كل شيء جميل في الحياة... إنه يفقد العزة والكرامة والأخلاق والعلم، وبالتالي يكون مصيره الموت المحتم أو العيش على هامش الحياة والوجود

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3335 - الإثنين 24 أكتوبر 2011م الموافق 26 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً