العدد 3336 - الثلثاء 25 أكتوبر 2011م الموافق 27 ذي القعدة 1432هـ

جمعات الغضب والياسمين والشهداء في الربيع العربي

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

الجمعة وما جمعت، وما أدراك ما جمعة الشعوب في ربيعها العربي؟ ليس مبالغة ان مثلت أيام الجمع والإجازات الأسبوعية علامة فارقة في المشهد العربي، ففيها تتغير الخرائط وينتقل الحال إلى حال آخر في سياق حتمية التغيير الذي لا تخطئه قوانين الطبيعة والتاريخ والجغرافيا.

في جمعة 18 ديسمبر/ كانون الأول 2010 اندلعت «ثورة الياسمين» التونسية، لتعلن تضامنها مع البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده تعبيراً غاضباً على البطالة والتمييز ومصادرة الكرامة، ومثله خرج آلاف التونسيين رافضين البطالة ومصادرة العدالة الاجتماعية وتفاقم الفساد داخل مؤسسة الحكم، وتوسعت انتفاضتهم فما لبثت أن أطاحت بقمة الهرم الطاغية المخلوع، بعد سفك الدماء وسقوط القتلى والجرحى برصاص قوات الأمن.

وتبعتها الشقيقة الكبرى «مصر»، فاندلعت ثورة غضبها في 25 يناير/ كانون الثاني احتجاجًا على الأوضاع المعيشية والسياسية والاقتصادية السيئة، بل وعلى مؤسسة الفساد برمتها التي ترعرعت وتمددت في ظل حكم الرئيس المخلوع. في ميدان التحرير كان إصرار المطالبة على تنحية الطاغية في «جمعة الغضب» ملحّاً، وأخيراً، (حلَّ) عن كاهل المصريين وتنحى عن الحكم مساء الجمعة 11 فبراير/ شباط 2011، بعد سقوط الشهداء والجرحى.

أما غضب الشعب الليبي؛ فقد اندلعت شرارته الخميس 17 فبراير في «يوم غضب» عربي آخر، متأثراً بموجة الاحتجاجات العارمة في تونس ومصر وبقية الساحات العربية. انتفضت المدن وسيطر الثوار على بنغازي، تحركت قوات المعارضة باتجاه طرابلس، حاصرتها حتى سيطرت على المدينة، والأهم على مبنى الإذاعة والتلفزيون الرسمي الذي كان يبث الكراهية وأقذع السباب والشتائم بحق المعارضة، محرضاً وملفقاً ضدها القصص والأكاذيب. حينها اعتقل الثوار الإعلامية المثيرة للجدل والتقزز، التي عرفت بولائها الأعمى للعقيد المخلوع فقطعوا عليها البث التلفزيوني، ثم واصلوا ملاحقة الهارب وفلوله حتى مسقط رأسه في سرت، ودارت معارك ضارية إلى أن وقع الطريد يوم الخميس 20 أكتوبر/ تشرين الأول في قبضتهم فاصطادوه في «فتحتين كبيرتين لصرف المياه» كالجرذ مع أعوانه، فقتل على أيديهم وهم يهتفون «دم الشهداء ما بيروح هدر»، وانتهى بذلك فصل ظلام حالك وكابوس امتد لعقود جاثماً على صدور الليبيين.

المحتجون السوريون ليسوا بأقل غضباً واحتجاجاً، وهم لايزالون يواصلون مسيراتهم وتظاهراتهم بعد صلوات الجمع، على رغم فرض حظر التجوال وتحليق الطائرات فوق رؤوسهم ومحاصرة أحيائهم وقراهم، وهم يزدادون حماساً مع تصاعد موجة الانتفاضات التي ألهبت شعاراتهم إصراراً في «جمعة شهداء المهلة العربية». وسقط المزيد من القتلى إثر إطلاق الرصاص الحي على المحتجين حتى عند الحواجز الأمنية وأثناء المداهمات في الأحياء. وما فتئ النظام يكرّر معزوفة الأكاذيب: «ليس هناك تأخر في إنجاز الإصلاحات، الانتخابات ستجرى والدستور ستعاد كتابته، ها هي طاولة الحوار، إن ما يجري مؤامرة من أطراف خارجية تتعاون مع مجموعة خونة ومنشقين...إلخ».

المحتجون السوريون لا يبالون، فيواصلون احتجاجهم مرددين بعد سقوط دكتاتور ليبيا أن انتصار الثوار الليبيين يرسل إشارة حاسمة إلى طغاة المنطقة والشعوب المنتفضة بأن الأنظمة لا تدوم»، مشددين على شعارهم: «لا عودة عن مطلب الحرية وأن دونه دماءً وأرواحاً كريمة وغالية»، في سياق المشهد يمطرهم وزير خارجية تركيا بتصريحات مفادها: «التطورات الإقليمية أظهرت أن الأنظمة القاسية لا يمكن أن تستمر...»!

يتكامل المشهد في الأردن مع سابقه، إنها «جمعة العشائر» كما أطلقوا عليها، فبعد صلاة الجمعة احتشد الآلاف أمام الجامع الحسيني وسط عمان يتقدمهم قادة «الإخوان المسلمين» و»جبهة العمل الإسلامي» والعشائر المطالبين بالإصلاح، لم يخادعوا أنفسهم وينافقوا ضمائرهم، لم يتواروا ويتلكأوا عن مستوجباتهم الوطنية والأخلاقية انتصاراً لمصالح دنيوية عشائرية مذهبية زائلة، بل ردّدوا شعارهم: «لن ترهبونا»، «الموت ولا المذلة». تزامن حشدهم مع اعتصام آخر للحراك الشعبي الشبابي أمام دار رئاسة الوزراء أكدوا استمرارهم في المطالبة بأن يكون الشعب مصدر السلطات، رافضين آلية تأليف الحكومة على أن تكون الحكومة برلمانية، منوهين إلى أن تحركهم جاء «لتغيير نهج فردية اتخاذ القرارات واحتكار السلطة بيد قلة قليلة تتوارثها»، مطالبين باجتثاث الفساد ومحاسبة الفاسدين والمفسدين وإجراء إصلاحات دستورية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتأميم الشركات الوطنية ورفع القبضة الأمنية عن مفاصل الحياة العامة، وحل مجلس النواب العاجز عن القيام بدوره التشريعي والرقابي وإعادة الأراضي المنهوبة ورفض سياسة تكميم الأفواه»... كل هذا طالب به شباب الأردن وقادتها الإسلاميون بشجاعة.

في اليمن الذي تزداد فيه وحشية قـمْـع النظام ويصر المحتجون على «الحسم الثوري»، بعد عودة الرئيس صالح إلى مربعه الأول داعياً إلى إجراء انتخابات رئاسة مبكرة بدل نقل السلطة، باحثاً عن فتاوى من رجال الدين تبيح له الانقضاض على معارضيه ممن يخوّنهم ويتهمهم آناء الليل وأطراف النهار بالعمالة والخروج عن الثوابت الوطنية والانقلاب على الشرعية الدستورية؛ جاء قرار مجلس الأمن له صادماً بالنقل الفوري للسلطة وإنهاء عمليات قمع التظاهرات وإدانة انتهاكات حقوق الإنسان والاستخدام المفرط للقوة ضد المتظاهرين المسالمين»، جاء متزامناً مع دعوة المحتجين لإحياء جمعة «الانتصار للشعب».

ثمة ممارسات للنظام كشفت عنها زيارة وفد المجلس الوطني المعارض لموسكو مؤخراً، ممارسات تشي عن وحشية بالغة وقمع مفرط وأعمال قتل مروّعة للمحتجين وإطلاق رصاص من قناصته على المسيرات التي غدت أهدافاً عسكرية لقوات الأمن والجيش الموالي وبلطجيته، وكذا أنشطة أمنية واستخباراتية فاضحة بهدف تأجيج الصراعات الإيديولوجية والسياسية، كما نقل الوفد المشاهد المرعبة لصور الضحايا المتناثرة من أشلاء الأطفال والشيوخ والقتلى والجرحى، وعبّروا عن استيائهم لانعدام الضمير الإنساني لما يحدث في اليمن، وفضحوا مظاهر العقاب الجماعي، فهناك - بحسب تقارير البعثة الأممية- انعدام لوقود السيارات وارتفاع أسعاره وتدني الخدمات العامة وصل إلى حد الحرمان، وتضاعفت أسعار الغذاء الأساسية كالقمح والدقيق والسكر ومشتقات الحليب والمياه، وقطع التيار الكهربائي والانترنت لمنع الاتصال والتواصل.

الأدهى هو الانفلات الأمني، فهناك 7.5 ملايين يمني دخلوا مرحلة الجوع و(59.9 في المئة) من الأطفال يعانون سوء تغذية. إنها حقاً كارثة إنسانية، يزعم الرئيس بأن الثوار هم المتسببون بها، في الوقت الذي علق فيه خبير أمني من جيشه انضم إلى الثورة: «ما يحدث في اليمن حدث ثوري استثنائي لا يتلقى الدعم الخارجي، والثورة ضحية لمواقف النفاق الإقليمية والدولية، فهذه الثورة أسقطت النظام شرعيّاً ودستوريّاً وأخلاقيّاً».

خلاصة الأمر، مهما علت جعجعة الأنظمة العربية وأبواق كتبتها المرتزقة لتقزيم حراك الساحات، فإن الاحتجاجات والثورات والانتفاضات ستظل تلامس عمق القهر والتسلط والهيمنة من قيادات هرمت ونهبت ثروات شعوبها، واحتكرت السلطة واستبدت، ونشرت الفساد والمحسوبية، وتجاهلت الحقوق ومارست ديمقراطيات مزيفة وانتخابات صورية، فكلها تبقى ممارسات مستنسخة بعضها عن بعض، ستزيد من نقمة شعوب تحررت من الخوف، حيث لا يجدي معها بث الهلع والرُّعب والترهيب، ولاسيما مع سقوط الشهداء بالرصاص، ومشاهد الدماء المنهمرة واستنشاق روائح الغاز المسيل للدموع والبارود، وآثار سياط الضرب والعنف على الأجساد في الأقبية المظلمة، يتفجر الغضب متجدداً ويلتهب الحماس، وتتسع قاعدة المناصرين للمطالب العادلة والإصرار على الطلاق مع الماضي الذي أهدر فرص التنمية والتحضر للمجتمعات العربية

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 3336 - الثلثاء 25 أكتوبر 2011م الموافق 27 ذي القعدة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 9:08 ص

      يابنتي الصراحه

      لو كان هناك مجال للتقييم عطيتك عشره من عشره العاده اعقب على كل المقالات يوميا ولاكن لا استطيع الا التصفيق لك على هذه الجراءه والمصداقيه في الطرح وعساك على على القوه وعسى هلقلم الحر مايجف مداده

    • زائر 1 | 3:18 ص

      موطن حر

      شكر مقالك رائع وبارك الله فيك ( الله يحفظ البحرين ويحفظ ولى امرنا حمد بن عيس وعائلة آل خليفه الكرام وشعب البحرين الحر الابى والله يحفظ البحرين من كل مكروه .)

اقرأ ايضاً