العدد 3343 - الثلثاء 01 نوفمبر 2011م الموافق 05 ذي الحجة 1432هـ

في الربيع العربي... لكيلا تتكرر المأساة!

سليمان الهتلان comments [at] alwasatnews.com

-

لنتفق أونختلف على تسميته بـ «الربيع العربي»، سمِّه ما شئت. دعنا لا نشتت الجهد في الخلاف على التسمية. المهم هنا أننا أمام مرحلة تغيير كبرى يشهدها العالم العربي. ومخطئ من يختزل هذه المرحلة فقط في الإطاحة برأس الهرم في أي منظومة دكتاتورية في العالم العربي. صحيح ان إسقاط «الرئيس» يشكل علامة فارقة في المشهد إلا انها تبقى مسألة «رمزية» لمرحلة التحول العربي. والخطوة الأولى والأساس في هذه المرحلة هي تجاوز الإنسان العربي لعقدة الخوف «السياسي» الذي زُرع فيه قصداً عبر ممارسات منظمة باشرتها الأنظمة العسكرية في عالمنا العربي، تلك التي قالت في بدايات عهدها انها جاءت من أجل تحرير شعوبها فإذا بها تستعبدهم وتنكل بهم من أجل تحويلهم إلى قطعان بشرية لا تفكر في غير قوت يومها. هنا يبدأ التحول. أما الخلاص من الدكتاتور - على أهميته - فإنما يشكل خطوة واحدة في مسيرة طويلة وصعبة ومعقدة لكنها ليست مستحيلة. فما دمر وخرب - على كل المستويات - على مر عقود لن يصلح بين ليلة وضحاها أوبمجرد الخلاص من رأس الهرم.

المهم اليوم ان المواطن العربي قد عرف سر قوته وهو تجاوز الخوف من الدكتاتورية وترتيب أموره بنفسه بدلاً من تصديق الوعود الكاذبة بالإصلاح، داخلية كانت أوخارجية. ولكيلا يتحول هذا «السر» إلى طريق سهل للفوضى، أويستغل لأجندات سياسية تعيدنا إلى المربع الأول، تأتي الحاجة ماسة إلى «خريطة طريق» فكرية تؤصل للمستقبل العربي القادم. لسنا بحاجة لاختراع العجلة من جديد. لكننا معنيون بدراسة تجارب الآخرين وفهمها والاستفادة منها. التجارب الإنسانية الكبرى هي تجارب مشتركة يمكن أن تعيننا على الوصول إلى نظام يحمي الفرد من الطغيان السياسي ويقدم أجندات التنمية على ألاعيب السياسة ودهاليزها. انتهى عصر القرار الفردي وحان عهد الشراكة في صناعة القرار.

إن من شروط البقاء في العصر المقبل وجود آلية إدارية (وسياسية) قادرة ومؤهلة على فهم لغة عصرها ومجاراتها. هذا يتطلب أولاً التأسيس لثقافة حقيقية تحترم التنوع في الآراء والتوجهات والمذاهب والأفكار، ثقافة لا تفرض «الرأي الواحد» وتمقت الإقصاء وتفهم معنى ديمقراطية والعمل السياسي وحرية التعبير واحترام القوانين وحقوق الإنسان.

لابد من التأسيس لثقافة المؤسسات وخاصة الرقابية منها تلك التي تحمي المجتمع من الطغيان السياسي وتردع الفرد من التمادي في استغلال سلطاته. هذه المفاهيم السياسية لتأسيس مجتمع دولة المؤسسات لن تأتي بمجرد الخلاص من نظام سياسي أو بمحاكمة رئيس أو إعدام دكتاتور. إنها ثقافة تتطلب من أجل التأسيس لها منظومة من المشاريع الكبرى تبدأ بالفكر ولا تنتهي بقيام نظام سياسي ديمقراطي. هي - كما أسلفنا أعلاه - مهمة صعبة وشديدة التعقيد لكنها ممكنة متى ما اتفقنا أولاً عليها كأساس تنطلق به ومنه المرحلة المقبلة.

كفانا مصادرة للرأي الآخر بأعذار واهية استخدمتها الأنظمة القمعية طويلاً لتخويف الناس بعضها من بعض ولخلق الفرقة بين فئات المجتمع لتبقى «الشلة الحاكمة» هي الملجأ الأول والأخير لفئات المجتمع المتصارعة على حق أو باطل! ففي ظل نظام جديد تحميه إرادة الناس، تلك التي شهدنا بعض ملامحها في ميدان التحرير وميادين التغيير في العالم العربي، سنقول سياسياً لكل من يقدم وعود التغيير: هذا الميدان يا حميدان! فمتى ما صوت الناس لحركة أو حزب أو توجه وجب احترام رغبة الغالبية وبالتالي تبدأ مسئولية أصحاب الوعود في أن تحقق لناخبيها وعودها. لم يعد يجد تخويف الناس من «الإسلام السياسي» أو من «القبيلة» لأن غالبية الناس في عالمنا العربي (وخاصة من فئة الشباب التي تشكل الغالبية الساحقة) معنية بقضاياها الجوهرية اليومية من اقتصاد وإدارة وهي أكثر التصاقاً بحقائق التغيير في محيطها وخارجه.

العالم من حولنا يتغير بالساعة الواحدة ومثلما نتأثر بالآخرين يتأثر بنا الآخرون. انظر في حراك الشباب الأميركي الراهن في منطقة وول ستريت بنيويورك، من حفز الشباب هناك على التظاهر والاعتصام ضد المؤسسات المالية العملاقة في الولايات المتحدة الأميركية؟ أليست تجربة ميدان التحرير بالقاهرة من التجارب التاريخية المدهشة حتى للمتظاهرين في وول ستريت؟ ألم نشاهد متظاهرين كثرا حول العالم يحملون لافتات كتب بعضها بالعربي تقول: ارحل؟! هذه المشاهد لا يمكن أن تختزل بأوصاف يرددها بعض الممتعضين من الربيع العربي كأن يقال عنها «هامشية» أو «انفعالية». إنها - على الأقل هنا - نماذج لتفاعل الشباب حول العالم مع قضاياهم وتأثرهم حتى بأدوات التعبير (من حول العالم) حول امتعاضهم من الفساد المالي والسياسي في محيطهم. ولهذا فإن مشاركة جيل الشباب العربي في رسم «خريطة الطريق» لمستقبلهم ضرورية وأساسية.

وهم ليس فقط من يفترض أن يسهم في إدارة شئونهم مستقبلاً ولكنهم أيضاً وقود الحراك الذي يعيشه العالم العربي اليوم. هؤلاء قادرون على معرفة الأساليب الأصلح لتحقيق أجندات التنمية في مجتمعاتهم ومثلما استطاعوا بجدارة إشعال فتيل «الثورة» في أكثر من بلد عربي، فهم أيضاً قادرون في المستقبل القريب على قلب الطاولة في وجه أصحاب الوعود الكاذبة والبحث - من جديد - عن بديل لا يُسخر خطابات الدين والسياسة من أجل الوصول فقط إلى السلطة وتكرار المأساة!

نعم... هي تجربة طويلة لن تحقق نتائجها بغمضة عين لكنها تجربة ضرورية لابد أن تبدأ من نقطة ما. إننا - على كل حال - نشهد بدايتها والبدايات - عادة - هي أصعب المراحل

إقرأ أيضا لـ "سليمان الهتلان"

العدد 3343 - الثلثاء 01 نوفمبر 2011م الموافق 05 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:09 ص

      العالم تغير

      واصبح قرية صغيره بفضل وسائل التواصل والفضائيات والكل يتائر بالاخر وكل الشعوب لا تريد ان ترى نفسه اقل من غيره

    • زائر 3 | 7:04 ص

      الجهل المركب..

      حالة الاستبداد من قبل الحكّام وبالخصوص العرب تجاه المحكومين لفترة طويلة من الزمن أوجدت قناعة مصطنعة لإغلب الناس وإن كان على أساس باطل وغير مشروعة دينياً بأن التغيير غير وارد ولا يمكن التفكير بالبت فيه وأصبح من يتجرأ بالحديث عنه أشبه بالحالة الشاذة بين افراد المجتمع الذين يأنون من وطأة الاستبداد وعدم التغير وردات الفعل الصامت(لا يستطوعون عمل ما لتغير الواقع السياسي لاصابتهم بداء الالفة والتمتع)"نحن رأينا أبانا على ذلك وانا على أثارهم فاعلون"

    • زائر 2 | 5:16 ص

      التجربة

      حقا يراد من الجميع كما طرح الكاتب المبدع الاستفادة من التجارب الانسانية لانها فاصل مشترك لجميع البشر وبالخصوص الشعوب العربية المسعبدة خلقيا والمستبعدة عن صنع القرار السياسي الخاص بها!!!أبو جعفر

اقرأ ايضاً